عيد الأمومة: عيد الحب والعطاء



نضال نعيسة
2006 / 3 / 21

صباح الخير يا حلوة
صباح الخير يا قديستي الحلوة
مضى (دهران) يا أمي
على الولد الذي أبحر
برحلته الخرافية
وخبأ في حقائبه
صباح بلاده الأخضر
نزار قباني( وعذرا من الشاعر الكبير على التعديل الطفيف).

وهل هناك أشرق من صباحاتها، وأروع من مساءاتها، و أزهى من أيامها، وأبهى من لياليها، وأهنأ من عيشها؟ وهل هناك أدفأ من صدرها، وأقدس من طيفها، وأخف من ظلها، وأكبر من فؤادها، وأعف من نفسها، وأكثر أمنا من حضنها، وأرهف من مشاعرها، وأحلى من كلماتها، وأجمل من وجهها، وأطهر من روحها، وأطيب من قلبها، وأعذب من ثغرها، وأنبل من خلقها، وأكرم من كفها، وأنظف من تاريخها، وأصفى من ملامحها، وأسمى من شخصها، واشرف من أعمالها، وأوفى من وعودها، وأبعد من رضاها، وألذ من وجباتها، وأشفع من بركاتها، وأخلص من دعائها، وأصدق من حبها، وأعز من كيانها، وأرق من لمساتها، وأرحم من نظراتها، وأنعم من راحتيها، وأنبل من أحاسيسها، وأغزر من عطائها، وأنقى من عبراتها، وأغلى من قبلاتها؟

إنه عيد ليس ككل الأعياد، ويوم ليس ككل الأيام، ولحظة ليست ككل اللحظات، وفرحة ليست ككل الأفراح. ماذا عسى المرء أن يقدم في هذا اليوم الأغر لمن وهبه الحياة، ولقمّه الفضيلة والعلم والأخلاق، ومدّه بكل أسباب العيش والبقاء، ومنحه السرور والدفء والهناء؟ وأية هدية تلك التي تقف قبالة هذا البحر الزاخر من التدفق الدائم لينبوع المحبة والعطف والإيثار؟ وأي كنز فان يساوي شلالات العطاء؟ وأية قبلة ممكن أن تعوض سيل تلك القبلات، والبسمات، واللمسات الساحرات التي كانت تغدق غدقاً، يوما ما، وبغير مصلحة ولا حساب؟ وأية كلمة يمكن لها أن تصمد أمام كل تلك "المغاغاة"، والمناجاة، والمداعبات في المهد والفراش؟ ومن يقدر أن يثمن تلك العواطف الدافقة في لهفة اللقاءات، والسعادة القصوى عند العودة في المساءات؟ ومن يستطيع أن يحسب كل تلك اللحظات والثواني وساعات الترقب التي قضتها خلف النوافذ والأبواب، جائلة بنظرها على الدروب البعيدة، والطرقات انتظاراً لعودة العصافير الصغيرة، والفراشات الجميلة، وفلذات الأكباد.

وها هي تمر الليالي والسنون، وتتباعد المسافات، وتطول الأزمان، وتكثر الآلام والآهات، وتموت الخلايا، وتبيض الشعيرات، وتترهل الأبدان، وتضعف الأجسام، وتتبدل الحياة، ويتغير وجه الأرض وكل الألوان، ولكن يبقى حبك أيتها العزيزة الغالية، ثابتا وصلبا كطود شامخ واقف في وجه أعاصير الدهر و الحياة، ولا يتغير أبدا مع الأيام، كامن في ثنايا القلب، وباق في أعماق الفؤاد، وماثل في الوجدان. وقلبك الكبير المتعب يتلهف شوقا للأحبة الذين كبروا وغابوا في الآفاق، وتجوب عيناك السفن الراسية بكسل في المرافئ الحزينة للبلاد البعيدة التي تعج بعابري السبيل والغرباء، وتأتيك الأخبار في كل أن لا جواب عن المراكب الصغيرة التي رحلت بلا قبل، وعناقات، أو وداع ذات مساء، وتتساءلين في سرك، ووجهك الصافي الميمم صوب السماء، إلى متى يستمر، ويطول هذا الهجر والغياب، ومتى يمنّ القدر بعودة ميمونة، ولقاء، لتعود الحياة، وتسري في العروق، من جديد، الدماء، ويتجدد الشباب بحلم قادم واتحاد؟ إنها الأماني العظمى لكل الأمهات.

فإلى أدفأ صدر، وأهنأ حضن، وأجمل وجه، وأطهر نفس، وأطيب قلب، وأعذب ثغر، وأنبل خلق، وأندى كف، وأصفى روح، ورمز الحب والوفاء، ألف تحية وقبلة في عيدها الزاهي الأغر.

وكل عام، وكل الأمهات، بألف خير من السماء.