النساء قادمات



مها أحمد
2006 / 3 / 25

بعد الجدل العنيف الذي أثاره المفكر الياباني الأصل ،الأميركي الجنسية والهوى "فرانسيس فوكو ياما" في الأوساط الثقافية والسياسية إثر تبشيره لسنوات ب"نهاية التاريخ" وتراجعه في مقاله الأخير "كنت محافظاً جديداً وكنت مخطئاً " عن تبني معظم المقولات التي قام بطرحها والتي شكّلت المنطلق الفكري الذي بني عليه ما سمي النظام العالمي الجديد ، يروّج "فوكوياما" اليوم لنظريته الثورية عن "تذكير العنف "التي جلبت له عداء أنصار حركة المساواة بين المرأة والرجل .
النظرية تنسف معظم قوانين علم الاجتماع التي كرّسها المختصون لتفسير الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمعات البشرية وتتلخّص هذه النظرية بادّعاء وجود فوارق جينية بين الرجال والنساء وهذا يستدعي وجود فوارق نفسية وعقلية وعصبية بين مفردتي الجنس البشري : المرأة والرجل .
وبهذا الطرح يقدم "فوكوياما" قراءة جديدة للتاريخ تقو أساساً على الجنس أي التذكير والتأنيث ، مع أنه لا يلغي أثر التربية والقيم المكتسبة من الأسرة والمجتمع إلا أنه يؤكّد أن ( عالماً تقوده النساء سوف يتبع قيماً مختلفة وهو ما تتجه نحوه المجتمعات الصناعية ) ، وعليه يمكن القول أن مجتمعات القرن الواحد والعشرين ستصبح أقل عدائية وميلاً نحو العنف والمنافسة بمجرد حصول المرة على السلطة في هذه المجتمعات ، فالاختلافات بين الجنسين ،بحسب النظرية ، عائدة للأفكار والمعتقدات الموروثة لأن : ( المخ ليس لوحاً خالياً أملس ينتظر أن يملأ بمادة حضارية ، ولكنه عنصر نموذجي بدرجة عالية ، شكّلت مكوناته قبل الولادة ...) .
هكذا يبشر "فوكو ياما" بحتمية علم الأحياء ، وسيطرة البيولوجيا على سلوك الإنسان و نزعاته ، فالجينات هي القدر الذي يحدّد صفاتنا النفسية قبل أن نولد ، والمنظّر الأميركي لايقل عنصرية في طرحه هذا عن الغزاة الأوربيين الذين حاولوا تأكيد وجود فروق تشريحية بين الرجل الأبيض والهندي الأحمر وهو ما نفاه العلم تماماً عندما أعلن أن حجم المخ وتكوينه واحد عند سكان البلاد الأصليين والأوربيين إذا ما تناولا الطعام نفسه ..
وإسقاط نظرية "فوكو ياما" حول "تذكير العنف" لا يحتاج جهداً كبيراً وتكفي الإشارة إلى ارتفاع نسبة الإجرام في أوساط النساء وزيادة أعداد السجينات في جرائم بالغة الوحشية ، ( ماذا يقول "فوكو ياما" في النساء اللواتي قطعن أزواجهن بالساطور في مصر بأعداد كبيرة ؟ ) ، كما أن معظم النساء اللواتي تبوأن مراكز مرموقة في السلطة أو الحياة العامة لم يكن أحسن أداءً من الرجال إلا في كونهن نموذج سئ للقسوة والعدائية ، وكلنا يذكر كيف سحقت "مارغريت تاتشر" معارضيها بعنف لا يقدم عليه الكثير من الرجال ، الأمر الذي جعلها تستحق بجدارة لقب المرأة الحديدية ، كما أثبتت التجربة العملية أن المرأة توازي الرجل ، إن لم تفقه ، استعداداً لالتقاط فيروسات التلوّث الأخلاقي والفساد السياسي والمالي ، و فضائح كل من "تانسو شيلر" و "هيلاري كلينتون"وابنة "سوهارتو " و "منى الشافعي " و "هدى عبد المنعم" و"رنا قليلات" كافية لإثبات أن المرأة قادرة على إفساد ذمم عشرات الرجال دون أن تردعها طبيعتها الرقيقة أو "جيناتها" المسالمة وهذا يؤكّد أن المشكلة ليست في تذكير السياسة والاقتصاد والعنف بقدر ما هي خلل عميق في تركيبة نظم قائمة على تمجيد القوة والسلطة والمادة وإلقاء القيم الإنسانية بعيداً.
ودعوة الغرب الحالية لتأنيث السياسة العالمية ما هي إلا تغيّر في تكتيك النخب المسيطرة عبر إحلال النساء محل الرجال كأدوات لتنفيذ سياسات المنظومة عينها ، فصعود المرأة إلى سدّة الحكم كان خطوة متقدّمة على طريق المساواة بين الجنسين ، لكن هذا لا ينفي أن تلك السيدة الوزيرة معنية فقط بتطبيق سياسة الحزب أو الحكومة التي تنتمي إليها ، وهذه الأحزاب والحكومات تتباهى بوجود نساء في صفوفها كديكور جميل يجتذب الناخبين ، دون أن يخفى على أحد أن مصالح النساء وغيرهن من المهمّشين لم تكن يوماً على جدول اهتمام النخب الحاكمة .
والقول أن 70% من المهن تلاءم المرأة أكثر من الرجل ولهذا يجب أن يكون هذا القرن قرن النساء تضليل واضح ، فقد علمت جداتنا أكثر من نظرائهن من الرجال ولم يبشرهم أحد بسيادة العالم ، ولسنا نعرف لمصلحة من توضع النساء في مواجهة الرجال ، فليس المطلوب أن تحل المرأة محل الرجل ،لأن المكانة تكتسب بالاستحقاق وليس بالجنس ، والمعركة المفتعلة بين الجنسين ليست في مصلحة أيّ منهما ولا تهدف إلا إلى شغل الاثنين بصراعهما الوهمي لمصلحة بقاء الأنظمة السائدة التي تمارس قهراً على الاثنين معاً ، ولذا على الرجال والنساء أن يواجهوا تحديات مشتركة جنباً إلى جنب ،لا وجهاً لوجه لأن العلاقة بينهما علاقة تكامل لا تنافس وصراع .
وعصر المرأة الذهب الذي لم توضع مفرداته كما يجب ، ولم يقل لنا "فوكو ياما" ورفاقه هل تجارة الرقيق الأبيض وأسواق النخاسة التي تستخدم أجساد النساء لترويج السلع والخدمات هي واحدة من أسس ذاك العصر الموعود .
ولا عزاء للنساء .