المرأة في التاريخ السوري



كامل عباس
2006 / 4 / 6

تعد سوريا مهدا لحضارات عديدة , يشهد على ذلك ممالكها وأديرتها وقلاعها الأثرية
- ممالك ماري , تدمر ,ابيلا ,عمريت , اوغاريت , أفاميا
- قلاع , المرقب , جعبر , سمعان , حلب , دمشق , الحصن , صلاح الدين
- أديرة , دير القديس جورج , دير صدنايا , دير القديس سركيس , دير مارتوما , دير القديسة تقلا
وقد مر عليها قبل الاسلام , الآشوريون والأكاديون والعموريون , والآراميون والعموريون والفينقيون ,
ما من شك ان ذلك التاريخ الحضاري ساهم في تبوء المرأة السورية مكانا مميزا قياسا بالمجتمعات الشرقية ذات الحضارة الذكورية , فمن سوريا خرجت أول مظاهرة نسائية في الشرق عام 1872 ضد الوالي العثماني احتجاجا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية – ومعهن كل الحق لأن النساء يتضررن من ارتفاع أسعار مواد المطبخ أكثر بكثير من الرجال - , وفي سوريا حصلت المرأة على حق الانتخاب والترشيح قبل كل البلدان العربية , ومن سوريا صدرت المجلات النسائية مطلع هذا القرن , مجلة الفردوس , ومجلة المقتطف .وغيرها
تظل دراسة التاريخ السوري ناقصة اذا لم نتطرق الى دور الاسلام في تشكيل حضارتها , خصيصا اذا كنا موضوعيين واعترفنا بدور الاسلام الحضاري , ليس على سوريا ,بل وعلى العالم أجمع , شرقه وغربه شماله وجنوبه , الإسلام يعتبر بحق , ثورة اجتماعية بكل المقاييس , سبقت الثورة الفرنسية والثورة الروسية بقرون ( لايقلل من أهميتها اعتمادها على السماء من أجل انجاز مهماتها الأرضية , فلم يكن ذلك الزمان قادر على تجاوز ذلك الدور ) وأروع ما قدم الإسلام للحضارة هو تكريمه الانسان من كونه انسان , سواء كان عربيا أم أعجميا , وحضه على ألا يركع لأحد من بني جنسه ,فالركوع في الاسلام لا يجوز الا لله تعالى . وان من يقتل نفسا بريئة بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا . وان كل نفس بما كسبت رهينة , وأن نشاط الانسان الواعي ضمن النظام الكوني المسخر له هو وحده المؤهل لأن يكون حامل التغيير الاجتماعي
وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار (1)
وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا (2)
وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها (3)
وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار (4)
نظام السخرة الاسلامي يحض على دور الانسان الواعي الفاعل فيه لمصلحة الجميع والذي يقف الله سبحانه وتعالى الى جانب هذا الفعل الايجابي .
ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ( 5)
وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ( 6)
يكتمل هذا الدر المعطى للإنسان في حركة التطور الاجتماعي على الأرض التي استخلفه الله عليها , باستلهام المسلمين لسلوك نفر من بني البشر يتقدمهم محمد بن عبد الله , بعثوا من الصحراء رسالة الى كل الملوك والأباطرة والمستبدين في العالم جوهرها ان نجاتهم ب( جعل الأمر شورى فيما بينهم ) وان اسلموا تسلموا .
فهل بعد ذلك يحق لأي جهة كانت , شرقية أم غربية , سياسية ام ثقافية , كتابا منفردين ام أحزابا , اتهام الدين الاسلامي بانه دين الاستبداد والجهل والتخلف , وهو الذي جاء لمحاربة حكم الملوك والأباطرة وتوارث سلالاتهم السلطة !! الأصح أن يكون الإسلام بحد ذاته وقع بالنهاية ضحية للبنية الشرقية الراكدة التي تمكنت من هضمه وقضمه من داخله وتكييفه بما يخدم ديمومة الاستبداد والمستفيدين منه , والا كيف نفسر وجود فقهاء اسلاميين يبررون حكم السلاطين والطغاة الشرقيين أمثال (( السلطان - كتبغا – الذي كان يعيش في ترف يفوق الوصف اذ بلغت حصته من اللحم يوميا 20 ألف رطل , وتكلفت بعض الموائد في عهد الناصر محمد 26 الف رطل في اليوم منه سوى الدجاج والأوز والغزلان والأرانب , وبلغ راتب السكر أيام رمضان في عهده ألف قنطار , ووصل هذا الراتب عام 1344 في عهد ابنه الصالح ثلاثة آلاف قنطار , وبلغ صداق ابنه الآخر – يكتمر – مليون دينار , وذبح في فرحه أكثر من ستين ألف رأس وعقد 18 ألف قنطار حلوى سكرية , وفي زفاف ابنة السلطان عام 1388 حمل جهازها على 500 جمل ,وكانت قيمة عصبة رأس محظيته تفوق مائة ألف دينار )) (7) . هكذا أصبح حال الحكام مع شعوبهم الذين يموت الآف منهم جوعا يوميا في سائر الإمبراطورية الإسلامية .,فهل نحمل رسول المسلمين ودعوته الكريمة التي كان جوهرها نصرة المظلوم والمستضعف والمضطهد على الأرض , مسؤولية ذلك ؟.
على هذه الأرضية يجب ان نفهم موقف الاسلام من تحرر المرأة والذي يعتبره الكثيرون مسئولا عما آل اليه حالها في الأمصار الاسلامية .
كانت ولادة الأنثى في الجاهلية قبل الاسلام نذير شؤم لا خلاص منه الا بدفنها من ولادتها وهي حية , جاء الاسلام وحرّم تلك العادة (( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم , يتوارى من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون (8) , وشّرع القوانين والأنظمة لأسرة جديدة يكون للمرأة فيها دور فعال , صحيح انه اعتبر الرجال فيها قوامون على النساء , وللذكر في العائلة الاسلامية مثل حظ الأنثيين , ويحق للرجل الزواج من أربعة نساء شريطة أن يعدل بينهن , ولكن الأصح ان حقوق وواجبات المراة في الشرع الاسلامي كانت خطوة كبيرة في زمانها ومكانها على طريق تحررها داخل تلك الحضارة الذكورية العالمية التي كانت تسمح بوأدها وهي حية ,
لقد كرّم الاسلام المرأة وجعلها اخت الرجل في البيت والحقل وفي كل مكان , لا بل ان رسول الله قال – خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء – يقصد بها عائشة ام المؤمنين - فهل هناك تكريم للمرأة أكثر من ذلك , الاسلام الأول مليء بسيرة النساء ودورهن الى جانب الرجل , وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد كانت حفيدة رسول المسلمين , سكينة بنت الحسين بن علي صاحبة صالون ادبي ( منتدى )يجتمع فيه جرير والفرزدق وجميل بثينة وكثير عزة وأفاضل قريش أيضا (( كانت سكينة عفيفة سلمة برزة من النساء تجالس الأجلة من قريش وتجتمع اليها الشعراء , وكانت ظريفة مزاحة روي عنها انها قالت عن ليلة زفافها – أ دخلت على مصعب وانأ أحر من النار الموقدة – ويروى أنها كانت أحسن الناس شعرا , وكانت تصفف جمتها تصنيفا لم ير أحسن منه حتى عرف ذلك وكانت تلك الجمة تسمى السكينية )) (9)
فاذا كان هذا هو الدور الذي أراده الاسلام للمرأة منذ ذلك الزمن , فهل يجب تحميله مسؤولية ما جرى ويجري للمرأة من اضطهاد وظلم في الدول الاسلامية بعد أربعة عشر قرنا ؟ لقد أنصف الإسلام المرأة أكثر مما أنصفتها المسيحية وذلك أمر طبيعي لأن الاسلام جاء بعد المسيحية ب - ستمائة عام - , فالإسلام أباح الطلاق مثلا عندما يصبح استمرار الحياة بين الزوج والزوجة في عائلة واحدة عبئا عليها وعلى الأطفال . في حين يحرم الدين المسيحي الطلاق , ولقد عانت المراة في الدول المسيحية الكثير أيام العصور الوسطى , ولكن تقدم تلك الدول على سلم الحضارة , واستلامها فيما بعد زمام التطور الاجتماعي على مستوى الكون بدلا من الدول الاسلامية , جعلها تجري أكثر من إصلاح ديني , وتترك لنا عادات وتقاليد اجتماعية تتسامح مع المرأة ولا تقف عقبة في سبيل تحررها (10) , وعلى العكس من ذلك حالت بنية الشرق الراكدة ودور الدولة المركزي فيها من التطور وكانت آخر محاولة للنهضة من داخل الاسلام على يد الخليفة العباسي المأمون , وفشلت , فجاءت بعدها عصور الانحطاط وما تبعها من تفريغ الاسلام من جانبه الاجتماعي وتكييفه بما يخدم تلك البنية الاستبدادية , وهكذا انشغل فقهاؤه بتدبيج الفتاوى التي تدعم السلاطين , وبتوجيه أنظار المسلمين الى الآخرة التي هي خير وأبقى من الدنيا , والانشغال بأمورها , مثل معرفة جنس الملائكة هل هي ذكرا ام أنثى , وهل يتم في الجنة قذف وإنزال مني يلوثها عندما تتم مجامعة الحوريات فيها , وأيهما تقبل صلاته فيها أكثر , الذي يدخل المرحاض بالرجل اليسرى أم اليمنى ؟
لقد ساهم الاسلام الرسمي – السني تحديدا – بمذاهبه الأربعة , في عودة عصر الجواري والغلمان , عصر الحريم التي عادت فيه المرأة إلى سابق عصرها لتصبح موضوع متعة للرجل ولينحصر دورها داخل العائلة بانجاب الأطفال والاهتمام بالطبخ والغسل والجلي والتنظيف , وسكت كل فقهاؤه عن محظيات وجواري السلاطين امثال كتبغا وغيرهم ,واستمرار حكم السلاطين لفترة طويلة كرّث عادات الفصل بين الجنسين منذ البلوغ حتى داخل البيت الواحد , بين الأخ واخته , وأصبح كل من يدخل بيت اسلامي عليه ان يصيح _ حريم اتستروا _ , وكل من يخرج من الذكور الى الأسطحة ليتلصص على جسد النساء , هو اكبر لص يجب ان ينزل به أشد العقاب (11) وصار شرف المسلم وعرضه متعلق بذلك الغشاء عند أخته حيث يتم التضحية بالنفس من اجل العرض اذا لوثته الفتاة ,أما إذا فعل الرجل ذلك فيعتبر فخرا للعائلة الاسلامية , ونتيجة هذا الفصل كانت عادات الزواج عن طريق الخاطبة حيث تحضر الفتاة المعروضة للخطبة في الحمام وتقوم الخاطبة بعد ذلك بوصف خارطة جسدها لعائلة الشاب الراغب بالزواج , ذاد في الطنبور نغما في العصر الحديث قيام النظام الوهابي في السعودية وموقفه المتزمت من المراة حيث دفنها ولا يزال يدفنها هناك وهي حية , فهو يعتبر صوتها عورة , ويجب ان يضاعف الحجاب حول رأسها وقلبها وعينيها , ويفضل ان يكون اسودا وسميكا لا ينفذ منه النور , ساعدهم على ذلك مركزهم البترولي والجغرافي , ودعم الدول الكبرى لهم وفي مقدمتها أمريكا , و سهل عليهم نشر دعوتهم في اغلب الدول الاسلامية , أما امراء العائلة المالكة السعودية فقد ذادت محظياتهم وجواريهم المستوردة من الدول العربية عن محظيات السلاطين والمماليك الإسلاميين القدامى .
الجدير ذكره هنا أن الحركات الاسلامية التي عارضت الاسلام الرسمي السني , كالشيعة والدروز والاسماعيلية والعلويين وغيرها , كانت ككل معارضة في التاريخ أقرب الى التحرر والدفاع عن الفئات المظلومة في المجتمع ومن ضمنها المرأة . وهو ما يفسر لنا الوضع المختلف للمراة داخل العائلة في تجمعات تلك الفئات والتي تتمتع بها حتى يومنا هذا قياسا بالعائلة السنية . ففي هذه التجمعات نادرا ما يفصل بين الذكر والأنثى في البيت الواحد ولا في المدرسة ولا في الأفراح . والحجاب اذا ما فرض بين ابناء تلك الحركات لا يكون سميكا كما هو الحال عليه عند المراة السنية . وهو ما يفسر لنا لماذا استطاع اليسار في سوريا - محط بحثنا - بشقيه القومي والشيوعي أن يجد أنصارا له بسهولة من فتيات ونسوة مناطق العلويين والدروز والاسماعليين بنسبة تفوق أضعاف نسبتها عند الاسلام السنة والأمر ينطبق على الذكور أيضا ولو كان بدرجة أقل (12)
لاأعتقد ان في الأمر تجن على احد , لابل ان الوضوح والموضوعية شرط ضروري لأي بحث اجتماعي جاد , ففي سوريا وضع الأقليات من مسيحيين ودروز وعلويين واسماعيليين يسمح لنا بالقول ان عاداتهم الاجتماعية وتقاليدهم بما يتعلق بالأسرة وأمور الزواج والطلاق وكل مايمت بصلة الى العلاقة الايجابية بين الجنسين , هي أكثر تحررا من وضع العائلة السنية في بقية المحافظات , ولا يمكن المقارنة بين ما تتمتع به الفتاة السورية من تحرر داخل هذه المناطق وبين أحياء سنية لها مكانتها التاريخية في سوريا على سبيل المثال لا الحصر , الشاغور في دمشق , والصليبة في اللاذقية . والحاضر في حماه , والكلاسية في حلب ,,الخ , كما أن أي دراسة موضوعية لأبناء هذه الأقليات الذين يسكنون حتى تلك الأحياء او غيرها من المدن السورية لأسباب تتعلق بوظائف وأعمال تلك العائلات , سيلمس الفارق بينها وبين عائلات الأحياء الأصلية
ملاحظة
هذه الدراسة هي فصل من كتاب سينشر لاحقا تحت عنوان
اليسار السوري وتحرر المرأة ( رابطة العمل الشيوعي نموذجا )

...................................................................................

هوامش :
1- سورة ابراهيم : الآية 32
2- سورة الجاثية : الآية 13
3- سورة النحل :الآية 14
4- سورة ابراهيم :الآية 33
5- سورة الرعد ألآية 11
6- سورة هود : الآية 117
7- من كتاب احمد صادق سعد – تاريخ مصر الاقتصادي الاجتماعي ص 410
8- سورة النحل : الآيتان 58 , 59
9- الأغاني , لأبي الفرج الأصفهاني , جزء 14 ص 159 , دار التقدم
10- لا أزال أذكر عندما كنت طالبا في جامعة دمشق أواخر الستينات كيف كنا نذهب مجموعة من الطلاب المسلمين لتأدية الصلاة في كنيسة باب توما مع احد زملائنا المسيحيين الموارنة . من اجل ان نمتع حاسمة السمع والبصر والشم بسماع تراتيل فيروز, ورؤية الفتيات المتبرجات وهن يؤدين الصلاة بكامل زينتهن وعطورهن الى جانب الرجال داخل الكنيسة . وهو ما يزال ساريا حتى الآن في كنيسة معروفة في اللاذقية بحضور فتيات ارستقراطيات اليها , لتأدية الصلاة حيث تجد العديد من الشبان المسلمين داخل الكنيسة في تلك المناسبات
11- أوائل الستينات كان لي أخ يخدم رقيبا في الجيش السوري ويسكن مع عدد من العساكر في دار شامية في حارة الميدان التحتاني جانب فرن القاعة , استأجروها من بابها كما يقولون , أحب أن أسكن عنده ذلك الصيف , وفي اليوم التالي لوصولي إلى الدار وبعد مغادرة العسكر الى ثكناتهم قمت بغسل ثياب اخي جميعها واردت نشرها على السطح , فصعدت إليه عبر سلم داخلي قبل الظهيرة بقليل , انشغلت عن حبال الغسيل - التي لن أجدها بالطبع - بمناظر لم اكن قادرا عن تجنبها ( فقد كنت في اول سني مراهقتي ) لابل اعترف أن لعابي قد سال , وانا أرى منظر الحوريات الى جانب نافورات تلك البيوت الشامية , أيقظني من شرودي صيحة مدوية انطلقت فجأة من أحدى النسوة وهي شبه عارية , لحقتها صيحات اشد , وتبعها زمجرة الرجال , ولم يكن من حل عند أخي سوى اعادتي الى قريتي بنفس اليوم .
12- للإنصاف يجب الاعتراف ان الوضع يختلف اذا ناقشنا الموضوع من زاوية التحرر الوطني وليس الاجتماعي . ان ابناء العائلات الاسلامية السنية ذكورا وإناثا يهمهم ذلك ولا يقفون غير مبالين به , وتفسير ذلك نجده في تاريخ الصراع بين الشرق والغرب الذي اخذ شكل صراع ديني بين المسيحيين والمسلمين وابدى فيه كثير من المماليك والسلاطين المسلمين بلاء حسنا وكلنا يذكر صلاح الدين الأيوبي ونور الدين زنكي وغيرهم الذين تصدوا ببسالة لحملات الصليبين على الشرق , مع ان اولئك السلاطين لا يفترقون بشيء عمن سبقهم ولحقهم في الخروج عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف سواء في توريث سلاتهم الحكم , او في اتخاذهم المحظيات داخل قصورهم ,او في عيشتهم عيشة بذخ وترف قياسا بما يعانيه عامة أبناء شعبهم