المرأة وجرائم الاعتداء الجنسي



هاتف فرحان
2006 / 4 / 7

من الصعب تقدير الحجم الحقيقي لجرائم الاعتداء الجنسي في أي مجتمع لغياب الإحصائيات الدقيقة المثبتة بالمحاضر الرسمية ويبقى حجم المشكلة أكبر من هذه الإحصائيات إذ تشترك جميع المجتمعات بانخفاض معدلات إبلاغ الشرطة عن هذه الجرائم بالقياس إلى بقية الجرائم الأخرى ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال تم الإبلاغ في عام 1990 عن 100000 حالة شروع بالاغتصاب أو اغتصاب ولكن أتضح من دراسة وطنية أن المعدل كبير بست مرات . إن طرق معالجة هذه المشكلة هي وراء عدم الإبلاغ عن مثل هذه الجرائم في الغالب وتختلف طرق معالجة هذه المشكلة من مكان لآخر . باختلاف مكانة المرأة ودور القوانين والنظم الحياتية . ففي العراق يتم حل هذه المشكلة بعيداً عن الشرطة وساحات القضاء وقتل الضحية هو الإجراء السائد والذي تمليه الأحكام العشائرية والعرفية ويدفع الجاني مبلغاً مالياً يتفق عليه بين عشيرة الجاني وعشيرة الضحية كتعويض وتتم عملية قتل الضحية على مرأى ومسمع الناس بإجبار أصغر أفراد العائلة سناً من الذكور للقيام بهذه المهمة أو تسليمه إلى مركز الشرطة كبديلاً في حال تم قتل الضحية من قبل الذين يكبرونه سناً وغالباً ما يحتفى به باعتباره غاسلاً للعار من قبل الشرطة والعشيرة والأهل . إن هذا الإجراء قد ساهم في دفع الكثير من اللواتي تعرضن للاغتصاب للانتحار ويتم تسجيل هذه الحالات عادةً على أنها حوادث في المحاضر الرسمية وعادة ما يكون خيار الموت حرقاً هو أفضل الخيارات للضحايا وخاصة في المناطق الريفية ، او الهروب من الأهل وعادة ما تلجأ إليه صغيرات السن فيتم استغلالهن من قبل شبكات الدعارة من خلال إجبارهن على البغاء أو بيعهن لبيوت المتعة أو النوادي الليلية لدول الجوار ، يساعدهم في ذلك رغبة الفتيات في الهرب خوفاً من الموت .
وحالما تصل الفتيات إلى هذه الدول يتم مصادرة أوراقهن من قبل شبكات أخرى ليستمر بذلك مسلسل الاستغلال ، ولا يقتصر نشاط هذه الشبكات على هذا فحسب بل يتعداه في أحيان كثيرة إلى اختطاف الفتيات ، وصمت الضحايا هو الخيار الشائع لأغلب النساء اللواتي يتعرضن لمثل هذه الاعتداءات وخاصة جرائم التحرش والمضايقة الجنسية مخافة العار والفضيحة والعقاب . إن صمت الضحايا شجع الذين يقومون بمثل هذه الاعتداءات بالاستمرار فيها مستغلين هذا الصمت . إن جرائم الاعتداء الجنسي تعتبر شكلاً من أشكال العنف ضد المرأة ولا يوجد محيط يخلو من هذه الاعتداءات والإحصائيات الموجودة رغم قلتها تشير إلى ذلك فعلى صعيد المحيط الأسري يرتكب معظم هذه الجرائم أفراد معروفون للضحايا وأسوء حالات الاعتداء التي يقوم بها الأب ضد البنت أو الابن ضد الأخت أو الأم والتي تثبت في محاضرنا الرسمية تحت عنوان الزنا بالمحارم وعادة ما يتم الإبلاغ عن هذه الجرائم من عناصر المحيط وليس من الضحايا أما في المحيط المجتمعي فتتمثل جرائم الاعتداء الجنسي والمتمثلة بالمضايقة الجنسية والتحرش الجنسي السمة الغالبة لهذه الاعتداءات والتي تحدث في الأسواق والشوارع المزدحمة ومحطات وباصات النقل العام وتأتي بعدها جرائم الاختطاف وعادة ما يكون الاغتصاب هو الصفة الملازمة لمثل هذه الجرائم . أما استغلال مراكز السلطة والنفوذ للقيام بهذه الاعتداءات من قبل الرجال في السجون ومراكز الاعتقال وفي الدوائر الرسمية يمثل المحيط الأخير لمثل هذه الجرائم . ويبقى التحرش الجنسي هو صاحب الرصيد الأكبر والأكثر شيوعاً بالقياس إلى بقية الاعتداءات الأخرى والتي تتعرض إليه المرأة .
إن جرائم الاعتداء الجنسي هي كبقية الجرائم الكبرى ترتفع وتنخفض وتتأثر بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية والبيئية وتعاني منها جميع المجتمعات وحتى المنفتحة منها على موضوعة الجنس وتبلغ أعلى معدلاتها في الحروب والمنازعات والمراحل الانتقالية والتقارير والإحصائيات للدول التي مرت بهذه الأحداث يشير إلى ذلك ، ففي يوغسلافيا وهي التجربة الأحدث ، أشارت بعثة التحقيق التابعة للجماعة الأوربية في تقريرها الصادر في كانون الثاني 1993 إلى 20000 حالة اغتصاب وتمكنت لجنة خبراء الأمم المتحدة من التعرف على 800 ضحية من البوسنة والهرسك بالاسم .
إن الحصول على إحصائيات في الحروب والمنازعات والمراحل الانتقالية أمر بالغ الصعوبة وتبقى الحقائق أكبر بكثير من الأرقام لمثل هذه الجرائم ، والعراق خير مصداق على ذلك ، فبالرغم من الحروب والمنازعات والهجرة الداخلية والخارجية وطول المرحلة الانتقالية وانعدام الأمن والتي تعتبر مناخاً خصباً لمثل هذه الجرائم غابت عن سجلاته الإحصائيات بشكل ملفت للنظر وحتى الحادثة الأشهر والأبشع والتي تمثلت بالهجوم على قسم النساء في مستشفى الأمراض العقلية (الشماعية) بقيت خارج هذه الإحصائيات ، باستثناء جثث النساء مجهولات الهوية والتي يتم العثور عليها بين الحين والآخر وباستمرار .
إن عدم وجود دراسات ميدانية واعتماد دراسات خارجية لميادين أخرى ساهم في عدم وجود حلول حقيقية لهذه المشكلة بالإضافة إلى عدم وجود منظمات متخصصة تمتلك الخبرة في التعامل مع الضحايا وتوفر لهم الرعاية والحماية والإيواء للضحايا اللواتي ما زلن على قيد الحياة أغلق الباب بشكل نهائي على معاناة الضحايا بعد أن أغلقت نصفه مؤسسات الدولة المعنية بأدائها الضعيف .