مدرسة العنف ...



امال قرامي
2018 / 12 / 9

لا ضير من التطرّق إلى موضوع العنف المبنيّ على النوع الاجتماعيّ في هذه الأسابيع المخصّصة لحملات مختلفة من

حيث الشكل، ومشتركة من حيث المضمون، وتلتقي جميعها حول هدف واحد: التوعية بأهميّة تكاثف جهود الجميع من أجل مناهضة كلّ أشكال العنف الممارس على النساء.

وبما أنّ كلّ شيء صـار موصولا إلى السياسـة (All is politics) فإنّ التأمّل في أوضاع النساء الفاعلات في المجال السياسي بات يجد له مبرّرا بعد تصاعد وتيرة العنف اللفظي والرمزي في مجلس الشعب وفي ‘المواجهات’ الإعلامية بين الخصوم السياسيين. ولنا أن نتساءل في هذا السياق ما الذي أضفاه دخول النساء إلى عالم السياسة من خلال حضورهن في الأحزاب أو المجلس التأسيسي أو مجلس الشعب أو مجالس البلديات أو الحكومة؟ وما هي النتائج المترتبة عن اعتماد مبدإ التناصف؟ وكيف كان أداء النساء خلال هذه السنوات؟ وهل استطاعت أغلبهنّ التحرّر من التمثلات الاجتماعية التي تحاصرهنّ والتفاوض حول الأدوار التي تناط بعهدتهنّ أم أنّهنّ على العكس من ذلك كنّ داعمات لنظام التمثلات؟ وما هي القيم التي أضافتها النساء على العمل السياسي؟

ويتبادر إلى الذهن، ونحن نقلّب النظر في هذه الإشكاليات من زاوية ترصد العنف الممارس على النساء، أنّ تجارب هذه الفئة من النساء مع العنف متنوّعة كما أنّ ردود أفعالهن مع ما يتعرّضن إليه من انتهاكات مختلفة باختلاف الوعي الذاتي، وتركيبة الشخصية والكفاءة،و الانتماء الحزبي، والمستوى الثقافي وغيرها من العوامل. فمن النساء من ترى أنّ الضغط الممارس عليها حتى تترشّح أو تقبل بـ«الزجّ» بها في مجال لا تفقه عنه شيئا أمر غير مرتبط بالعنف بل هو مرتبط ببنية العلاقات الاجتماعية. فالزوج أو القريب أو صاحب المؤسسة أو المسؤول السياسي له سلطة ومكانة ولا يمكن لأيّة امرأة أن تتجاوزها ولذلك فإنّها «تطيب خاطره» وترضى بما يعرضه عليها علّها «تقضي حوائجها» ولكنّها سرعان ما تتفطّن إلى مأزق مواجهة الاستراتيجيات الذكورية فتستنجد بمن رشحوها ومن ثمّة وجدنا رئيسة بلدية «تحكم من وراء ستارة» لا تبدي الرأي إلاّ بحضور «المحرم» فتكون النتيجة تضارب الموقع مع المنزلة فتكون الرئيسة صاحبة سلطة القرار ظاهريا ومفعولا بها وتابعة في الواقع الممارساتي.

لا تتوقّف مظاهر العنف المسلّط على النساء الحاضرات في المشهد السياسي عند هذا الشكل من الاستغلال والتلاعب بالأدوار بل وجدنا أشكالا أخرى من الهيمنة الذكورية على النائبات والمنتميات إلى الأحزاب في ما يتعلّق بتغيير قواعد اللعبة واختلاف موازين القوى من فترة إلى أخرى. فعندما يقرّر صاحب الكتلة تغيير الائتلافات يطلب انصياع الجميع. أمّا التي تمرّدت واختارت «السياحة الحزبية» فإنّها تتحوّل إلى عدوّة لدودة تدبّر لها المكائد وبذلك يحصل «تأديب الناشزات».

وتخال بعض الفاعلات في المشهد السياسي كسامية عبّو ويمينة الزغلامي ومحرزية العبيدي وفاطمة المسدي وصابرين القوبنطيني وغيرهنّ أنّهن بمنأى عن التسلّط الذكوري فهنّ لسن من المستضعفات اللواتي يخضعن للأوامر والتهديدات. ولكن سرعان ما يكتشفن أنّ ولوج المرأة عالم السياسة يعرّضها لدفع الثمن. ومن ثمّة كانت تقنية الفوتوشوب أداة للتشويه، وكانت التعليقات والأوصاف والنعوت وغيرها من الوسائل في خدمة «تشويه السمعة» وتجريد النساء من ملكة العقل ومن الكرامة والأخلاق ...

ويعنّ لبعض القياديات داخل الأحزاب أن يصرّحن بآرائهن في هذا الموضوع أو ذاك لوسائل الإعلام معتقدات أنّهن صرن راشدات ومن حقهن التعبير عن مواقفهن بكلّ حرية ولكن سرعان ما تخضع الواحدة للتقريع والتأثيم فتعرف «قدرها» وتفهم أنّها مازالت طفلة و«غرّة» في السياسة بل هي الآخر المتطفّل.
ولا يذهبنّ في الذهن أنّ العنف يسلّط من الرجال على النساء دفاعا عن الامتيازات الذكورية واحتكارا للسلطة بل إنّ دخلنة بعض النساء للمعايير والقيم الذكورية تجعل الواحدة سليطة اللسان تجاه زميلتها لا تتوانى عن التشهير بها و«الكيد» لها...

حين تتحوّل السياسة إلى مدرسة لممارسة العنف الناعم واللفظي والرمزي والمادي تذوب الحدود الجندرية فتغدو الواحدة مثلها مثل الخصم مستأسدة ملوّحة بالاحتكام لحرب الشوارع مهددة بسيلان الدم.