نافذة



امل عجيل ابراهيم
2018 / 12 / 21

نافذة
كانت الطفلة تئن على سرير المستشفى البارد ،مغمضة العينين ،جميلة وغضة وكأنها لم تكن مريضة وقد توردت وجنتاها من اثر الحمى التي لازمتها طيلة الايام السابقة ،وانغرزت في يدها البضة انبوبة صغيرة لحقن الدواء
اما المرأة التي كانت بجوارها فكانت نحيلة ،ساهمة انتفخت عيناها من اثر السهر والبكاء
وكانت تعصر بيدها كمادة صغيرة تضعها على جبين الطفلة ثم تلمس وجهها بشفتيها لتتحسس حرارة جسدها المتعب
حنان المرأة وقلقها ،افقدها تركيزها وافكارها وحتى ملامحها وكأنها غير موجودة وقد امتزجت روحها والتحم جسدها بجسد طفلتها فأخذت تشعر بما يؤلمها تماما
تختنق حينما تتعسر انفاس الطفلة ،وتسخن جبهتها حين ترتفع حرارتها ،وتتيبس شفتاها حين تطلب الطفلة الماء
امرأة بصفة أم
وطفلة عليلة وسرير بارد
ونافذة صغيرة تظهر السماء من خلالها ملبدة بالهم والقلق
ودقائق تسير ببطء شديد وكل مافيها يجثم على صدر المرأة المتهالكة ويخنقها
كانت وحيدة ،،وحيدة جدا هي والانين الموجع الذي يقّطع نياط قلبها بقسوة ووحشية ،،والنافذة التي اخذت تظلم شيئا فشيئا
اخذ خيالها يضع مختلف الصور القاتمة عن مصير طفلتها ،،بدأت اصابعها ترتعش من الخوف وهي تحرك رأسها في محاولة فاشلة لطرد الافكار السيئة منها
اخذت تتمتم بدعاء لم تفقه معناه ،نسيت لغتها ،اضاعت حروفها ،حذفت ذاكرتها من اي شيء سوى الجسد الممدد امامها والانفاس التي تدخل وتخرج بصعوبة ،ارادت ان تنادي الطبيب لكن قدماها لم تطاوعها بترك طفلتها لحظة واحدة
بقيت جامدة في مكانها دون حراك تمسك باليد البضة الصغيرة بين يديها وتحرك اصابعها عليها بحنان بالغ وكأنها تعطيها جزءا من حياتها او حياتها باكملها
انفتحت العيون البريئة الذابلة وتمتم الصوت الناعم بتعب :ماما
انفرج فم المرأة عن ابتسامة مترددة وهي تحضن جسد طفلتها بفرح بعد سماعها لصوتها الذي فارقته لايام مضت كدهور
امتلأت النافذة بضوء الفجر الباهت يعلن ولادة يوم جديد