اساسيات الرصد الجيد والفعال للانتهاكات حين التعامل مع الشهود الأطفال



خالد الخالدي
2018 / 12 / 25

"يجب ان نستمع للأطفال فلديهم الكثير ليقولوه ويجب مساعدتهم على التكلم ورفع أصواتهم كي لاينشأوا جيلا محبطاً يعيش تحت رحمة الالام والاحزان" خالد الخالدي
افرزت التجربة التي مر بها المدافعون عن حقوق الانسان في جمهورية العراق خصوصاً أولئك العاملون على الانتهاكات الجسيمة والجرائم الدولية بين عامي 2014 و 2017 ابان سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الإرهابي المتطرف داعش نتائج متباينة على صعيد ملف حقوق الانسان ، فمن جهة أدت الانتهاكات المنهجية التي ارتكبها عناصر التنظيم الى مرحلة التقويض التام لحقوق الانسان على صعيد مناطقي مثل الموصل خصوصا او على صعيد مجتمعي مثل المجتمع المسيحي والايزيدي فقد شهدت هذه الحقول على سبيل المثال هدما كاملا للقانون الدولي العام بكل تفاصيله واركانه ومن جهة أخرى تراكمت لدى المدافعين الذين غطوا هذه الانتهاكات خبرات واسعة بالتعامل مع ملفات محددة مثل الرصد والتوثيق وكتابة التقارير والتقييم والمراقبة مع ذلك لازال هناك تباين اخر على مستوى التعامل مع الانتهاكات من هذه النواحي فعلى سبيل الذكر لا الحصر فأن العمل على ملف الانتهاكات الموجهة ضد المرأة والفتيات ارتقت الى المستوى المقبول مثل ملف المختطفات الايزيديات او ملف القتل العمد او الاتجار بالبشر بالمقابل فأن الانتهاكات التي شهدتها فئة الأطفال لم تشهد اهتماماً يتلائم مع مبدأ سلامة الطفل والذي يعلو على الاعتبارات الأخرى ولعل واحداً من ابرز إشكاليات العمل على فئة الأطفال هو الصعوبة بالتعامل مع الطفل "لاستنطاقه بالحقيقة" .
الا انه وبعد تحرير المناطق التي خضعت لسيطرة التنظيم الإرهابي برزت رغبة المدافعين بضرورة اشراك الأطفال حين البحث عن الحقيقة يقول السيد حسام عبد الله وهو مدافع عامل على الانتهاكات الجسيمة والجرائم الدولية ومدير تنفيذي عن أهمية أشارك الأطفال
"ان للأطفال المقدرة على تذكر تفاصيل جدا دقيقة تفاصيل لايمكن لغير عقل الطفل ان يستذكرها هذه التفاصيل الدقيقة تلعب دورا حاسماً بتحديد القصد الجنائي للمنتهكين وتعطي فضاءا أوسع امام العاملين لانها تأتي صادقة ونابعة من القلب"
لقد أشار كثير من العاملون على هذا النوع من التخصصات الدقيقة للمدافعين على ان ملف الانتهاكات ضد الأطفال يعاني من معضلة أساسية وهي كيف نتعامل مع الأطفال ؟ من خلال التجارب السابقة خصوصا مع الأطفال الايزيديين القاطنين في مخيم ديفان ( مخيم غير متكامل يضم عوائل ايزيدية يقع في أربيل شمال العراق قرب فندق ديفان) تم ملاحظة انهم صامتين يبكون يقضمون اظافرهم يستمرون بالحركة والتمايل يمين ويسار غير ثابتين وغير مستقرين جسديا ويعانون من شرود ذهني اي لا يعطون إجابة على الأسئلة حتى لو كانت بسيطة ومن هنا نقول ان التحضير لعملية استنطاق طفل عبر مقابلة ينفذها المدافع العامل في مجال الرصد والتوثيق تحتاج الى تخطيط وتنظيم مسبق يتكون من
• التعرف على مكونات المقابلة وتشمل :-
أ – الطفل محل الرصد وهو طفل عمره من 7 الى 18 عام
ب - الوصي وهو صاحب الولاية القانونية على الطفل
ج - الراصد وهو وهو الشخص الذي سيقوم بمقابلة الطفل
د – ضرورة ان يتم العمل ضمن اطار منظمة متخصصة تكفل تأمين وسلامة الطفل والوصي والراصد وتقديم الدعم لهم عند الاقتضاء
بعد ان تم التعرف على مكونات المقابلة يجب التأكد من اخذ الموافقة وغالبا ما تكون مسبقة شفهية ثم تحريرية عند المقابلة على ان تتضمن الموافقة الشفهية اخذ معلومات عامة حول الطفل وتتلخص بسجله الطبي ماذا يحب وما يرغب وتصور عام عن سلوكه من ثم يجب ان يبادر الراصد الى شرح تفصيلي للوصي حول طبيعة المقابلة وما سينتج عنها مع ضرورة ( عدم منح أي وعود لا يمكن الوفاء والالتزام بها )
بعد الانتهاء من الموافقات وتحديد موعدها يتم تحضير لوازم المقابلة وتشمل أقلام أوراق وجبات طعام شوكولاته ومياه ومن ثم تبدأ المقابلة ويراعى فيها التركيز على ان يكون للطفل الدور الأكبر منها وتتم عبر
أ – يجب التوجه للطفل وليس الوصي لانه يعطي انطباعا لدى الطفل ان الأهمية له
ب – سؤال الطفل بعد التقديم الأساسي للمقابلة عن رغبته بالتحدث عن انفراد تكمن الاستراتيجية هنا بالايعاز الى الوصي بالمغادرة لبرهة والعودة حيث يعطي هذا السؤال دافع اكبر للطفل بالتكيف مع جو المقابلة بمنحه الثقة
ج – الانتباه الى ان الفتاة يجب مقابلتها من قبل فتاة والتركيز على كسب الثقة بالانفراد لان الفتاة غالبا ما تشعر بالحرج من الادلاء بافادة تتضمن تفاصيل محددة
د- يجب ان يكون الاحترام حاضرا فالجلوس بمستوى واحد وعدم المقاطعة واجابته عن جميع اسئلته بوضوح وبتعبير سهل الفهم والاصغاء له
خ – ضرورة الانتباه الى عدم بيان ردود أفعال قوية على سبيل المثال عدم تصنع التأثر الشديد فيما اذا اخبرك عن رؤيته لجثة ما لانها ستولد له حاجزا لانه يعتقد انه قد اذاك
ع – ضرورة مراعاة تكوين السؤال فالسؤال يجب ان يكون على السجية المراعاة هنا فقط للكلمات المستخدمة حيث يراعى استخدام الكلمات غير المعقدة او الفصيحة بشكل مبالغ فيه
غ – استخدام الهمهمة مممممم او اها او استخدام التشجيع اللفظي مثل احسنت فهمت اوكي طيب او استخدام لغة الجسد كالايماءة وتحريك الرقبة وغيرها
وواحدة من اهم الاليات بالتعامل مع طرح الأسئلة هي استخدام ذات طرح الطفل فلو اخبرك انه تمت معاملته بسوء من قبل عناصر داعش فالسؤال كيف عاملك عناصر داعش بسوء؟
عند تقدم سير المقابلة قد تظهر على الطفل الاضطرابات والتوترات وهي ما ذكرت بالاعلى فالتعامل هنا يكون كما اسلفنا على أساس الراحة للطفل أي رفاهه عدا حالات البكاء والتي يجب المبادرة الى احتواءها مباشرة بالتخفيف عنه فان السياق الأفضل للتعامل مع الباقي هو التوقف عن المقابلة وسؤاله عن الرأي باستراحة سريعة نشرب ماء ناكل طعام شوكولاته وغيرها وبعدها يعاد له سؤال هل نستمر فاذا وافق يسير الامر كما مخطط له باتباع التوجيهات السابقة اما اذا رفض او تبين عدم رغبته يجب العمل على انهاء المقابلة عبر اتباع أسلوب انسحاب متدرج ويتم عبر الإفادة من سير المقابلة السابق على سبيل المثال لقد اعجبني قيامك ب ( وتحديد فعل قام به الطفل ) كيف ترى ( وإعادة صياغة سؤال حول الفعل ذاته ) وبعد الإجابة من قبل الطفل يتم سؤاله هل تحب ان تسالني عن شيئ وبعد الإجابة يتم شكر الطفل على الجهد بمصافحة حارة هل نستطيع ان نجلس مرة ثانية وبعد إجابة الطفل تكون قد انتهت المقابلة .
بعد الانتهاء من المقابلة يجب ان يتم التعامل مع الشهادة المدونة بأهمية يجب عدم رمي الأوراق على المنضدة كيفما اتفق وخصوصا امام الطفل يجب ان يشعر ان ما بالورقة التي تم تدوين الإفادة بها شيء مهم جدا وذو قيمة عالية يجب ان يتم اعلام الوصي بضرورة اخبار الطفل ان كان ممتازا وان يعبر عن رائيه للوصي بالراصد وكيف كان اداؤه وماهي ملاحظاته للإفادة منها عند المقابلة الثانية .
ان الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال تعيش معهم لفترة طويلة بالتالي تبقى تؤثر فيهم لانهم الفئة الأكثر ضعفاً حين وقوع هذه الانتهاكات بالتالي هم جزء منها وعليه لا يمكن الا واعتبارهم جزء من الحل أيضا ولقد اثبت وبين جميع العاملين من المدافعين على ملف الإبادة الجماعية للايزيديين ان الحقيقة والبحث عنها لا يمكن الا من خلال مشاركة الأطفال بتدونيها وروايتها .