كوكب الرجال



وفاء البوعيسي
2019 / 1 / 5


نحن نعيش في كوكب أسسه الرجال كما يناسبھم، الرجل خلق الله خلق الحق والباطل، خلق اللغة خلق أصوليات السياسة والإقتصاد والإعلام، خلق اللعبة الاجتماعية وصمم قوانينها.

سأتكلم هنا عن أكبر طاقتين فاعلتين يحتكرهما الرجل لنفسه حتى جعلتاه سيد العالم المطلق بكل بلد مهما ادعى الليبرالية.

طاقة المال
أفترض من طرفي أنكم تعرفون بوجود فجوة اقتصادية بين النساء والرجال عالمياً.
بدأت هذه الفجوة تتشكل عندما قررت بعض المجاميع الذكورية من كم ألف سنة، أن العمل المستحق للأجر هو العمل خارج سقف البيت، لذلك تكسّب الرجل دائماً من شغله مهما كان ضئيلاً، قابله مجانية العمل تحت ذلك السقف، والمقصود به تحديداً عمل المرأة ولو اشتغلت 18 ساعة باليوم، زعماً أنه عمل يناسب دورها الفيزيولوجي، ومن غير المقبول مكافأة أحد عن ممارسة وظائفة الفيزيولوجية، لهذا كان الرجال تاريخياً أثرى من النساء، وتاريخياً اعتمدت النساء على الرجال مادياً، وبديهياً أن من يملك المال يملك التأثير.

لهذه الفجوة المالية تداعيتها على النساء بكل مكان حتى بالغرب، فالرجال مازالوا أكثر من النساء في البرلمانات الوطنية والدولية والحكومات والجيش، ويشغلون أكبر مقاعد في جميع أقسام الأمم المتحدة، وحتى منظمات حقوق المرأة نفسها، بفضل أموالهم وإمساكهم بالإعلام والصحافة، وبفضل الحملات التي يروجون بها لأنفسهم بشكل مدروس، وفي برامجهم السياسية لا يعرجون على ضرورة ردم هذه الفجوة بأي حل كان، لا يناقشون حجم الإجهاد الذي تعانيه المراة لقيادة عائلتها لبر الأمان دون تثمين هذا الإجهاد وتقييمه مادياً ومعنوياً، واصلاحه بشراكة الرجل فيه جنباً الى جنب معها، كي تتمكن المرأة من الوصول لمراكز صنع القرار ببلدها والعالم، وتحقق مع الرجل السلام والتنمية والعدالة الاجتماعية.

طاقة المعرفة
هذه الفجوة أشار اليها جوجل في إحدى دراساته عن مستهلكي الانترنت
جودة التعليم التي توفرها مدارس العالم العربي رديئة موجهة ولا تواكب العصر، ومن هنا كان الانترنت مصدر متنوع ومفتوح، أحدث نقلة هائلة في التعرف على العالم والا لبقينا كنساء ورجال نعتقد بصحة مركزية الانسان والرجل بالذات في الكون.

إن عدد النساء مستهلكات الانترنت والباحثات عن المعلومة، هن أقل بكثير من عدد الرجال عالمياً، أما بالشرق الأوسط فعدد النساء القادرات على الوصول للمعلومة متدنٍ إلى حدٍ مزري.
أنا شخصياً كوفاء، لم تتعتق أفكاري وتنضج من خلال القراءة المستقرة والمعمقة إلا في أوروبا، لأني لم أكن متفرغة، فقد كنت أعمل بدوام 7 أيام بالأسبوع بسبب طبيعة تقاليد المجتمع، وكبر حجم عائلتي وتكريس نفسي للضيوف والأقارب والبيت، علاوة على عملي بالمحاماة لكسب عيشي ورفد أسرتي الفقيرة، وهذا حال امرأة نشأت بعائلة تعتبر منفتحة قليلاً وتملك رصيداً ثقافياً لا بأس به فما بالك بمن عاشت بوسط متزمت !!!

هاتان الفجوتان معاً منعتا وصولنا بشكل عادل ومتوازن لمركز يتيح لنا تغيير حتى محيطنا الصغير كالعائلة ومؤسسة العمل، ولهذا فالعالم مازال عالماً جنسياً وعنيفاً وجشعاً، وليس من خيار أمامنا سوى الاتحاد كنساء إلا تكوين حركة مقاومة للتغيير المدني.
لقد انتهى استرقاق السود رسمياً
حجمت العنصرية ضد اليهود
أوضاع العمال تحسنت بمواثيق رسمية عالمية ووطنية.
صار للحيوانات اسم وجنسية، لكن بقي أقدم وأبشع أنواع الاسترقاق على أساس الجنس، إنه استرقاق النساء.

آمل أنني بالنهاية قد وضعتكم بالضبط في عوامل تخلفنا كنساء عن التحرر، حتى لا يُسارع الواحد منكم لاتهام النساء بالعطالة والعداوة لبعضهن، من دون أن يفهم الخلفية الموضوعية لذلك.

وفاء البوعيسي