حقوق المرأة بين تشوهات إدراكها وحقيقة ممارستها؟



تيسير عبدالجبار الآلوسي
2019 / 2 / 21

في ضوء اقتراب اليوم العالمي للمرأة وموضوعات ومجريات تجابه مجتمعاتنا من جهة قضايا المرأة بتنوعاتها وفي ضوء بعض الإحصاءات التي تعكس الظواهر السائدة.. أضع هذه المعالجة الموجزة متطلعا لتفاعلات وإجابات عن أسئلتها استكمالا لوضع البدائل الموضوعية الأنجع والأنضج.
وفي قراءات إحصائية عديدة يقول: حوالي ثلثا الرجال بمجتمعات شرق أوسطية: إن المرأة حظيت بحقوقها فيما لا ترى ذلك الرأي إلا نسبة أقل من ثلث النساء.. ما السبب يا ترى؟ وأين الحقيقة؟ وكيف نقرأ تبعات مثل هذا التباين؟
هذه مجرد ومضة عجلى، لا تزعم الإجابة الكلية ولا تدعيها، ولكنها تحاول أن تضع بضع لمسات عسى تثير توجها للتفاعل والإجابة نظراً لأهمية الإشارات الإحصائية التي تظهر بشأن قراءة رؤى كل من النساء والرجال لقضية جوهرية كقضية حصول المرأة على حقوقها في مجتمعاتنا..
أقول هنا تركيزاً على المعادلة التي تثيرها تلك الإحصاءات حصراً، تقديماً أو تمهيداً للإجابة عن نتائج المعلومة الإحصائية في أعلاه: ربما يعود ذلك إلى الثقافة الذكورية التي تتفشى في المجتمع وتجري ممارستها سلوكيا سواء من طرف الرجال أم النساء.. وبالمناسبة الثقافة الذكورية تصيب أيضاً نسبة من النساء فتجعلهن يعشن بـوهم (قبول التمييز) و(الخضوع) لميلان كفة الميزان للرجل على حساب المرأة، فنجد تلك النسبة تختبئ خلف (الرجل) بمجتمع ذكوري الفلسفة، وترى فيه، المسؤول والراعي والحارس الحامي وظل راجل ولا ظل حيطة.. وهو مَثَلٌ لوحده يتطلب موقفا ومعالجة من سبب ظهوره مروراً بإفرازات وجوده حتى الوصول إلى القناعات التي تعتمل في ظلاله ونتائجها!
ومثل تلك المرأة التي تنخدع بالثقافة الذكورية على أنها قيمٌ دينية مُلزِمة و-أو قيم سلوكية نبيلة عليا، لا يطالها الباطل من أي وجه، على الرغم من تراجع تلك النسبة، هي امرأة لا ترى في تلك الثقافة القائمة على تمييز الجندر سبباً فيما تجابهه من مشكلات ومظالم، إنها تتوهم بخنوعها وخضوعها أما كونه عبادة مقدسة أو قيما تسمو بها لحظة استجابتها لتلك الثقافة وممارستها!!
وهكذا نجد بعض النساء يلبين توجيه (الزعامات) الظلامية للمطالبة بإعادتهن لقضبان جدران بيت سي السيد وبلطجته، بمعنى وقف مساهماتهن في الحياة على خدمة البيوت وبؤس معانيها وما يجري خلف جدرانها.. وهذا المشهد وما يصفه ويجسده لا يُعفي من وجود بعض حالات تتجسد بردود فعل تكسر تلك القيود بطريقة لا تمتلك الحل البديل بسلامة، فتوقع في بدائل استغلالية أخرى تندفع بروح تتوهم (الانتقام) و (الثأر) ولكنها تخضع لذات الفلسفة في وضع كينونتها، لا في أنسنتها ومنع تمييز الجندر بل في آلة الاستغلال الذكوري الأكثر فحشا وهمجية...!
وإذا بقينا في إطار اختلاف النسبة التي ترى أن المرأة في مجتمعاتنا الشرقأوسطية قد حظيت بحقوقها، فإن ذلك كما نلمس ونشهد، ربما يعود إلى:
1. اختلاف ثقافة الرجل والمرأة ونسبة كل منهما في الإيمان بالذكوري وتمييز الجندر أو الإنساني المتمسك بالمساواة إذ مازال التذاكي والخطاب الذرائعي عند الرجل يبرر للمنطق الذكوري أكثر منه عند النساء بالاستناد إلى عوامل وأسباب كثيرة..
2. وباختلاف ثقافة التمييز الجندري عن ثقافة المساواة سنجابه اختلاف المعايير ومقاييس النظر إلى واقع المرأة وما تعيشه حقيقة حيث الذكورية تلغي من قائمة الحقوق كثيرا منها وتكتفي بالفوقية التي ترمي الفُتات بمنطق رعاية القوي للضعيف بينما تكشف ثقافة المساواة ظاهرة الاستلاب والمصادرة في اختلال معادلة رجل امرأة الأمر الذي ينعكس في معايير أو أدوات كل من الطرفين في قراءة الأحداث والوقائع وانعكاسه إحصائيا..
3. درجة الإحساس بالواقع وانعكاسه على كل من المرأة والرجل وحجم إدراك المظالم في ضوء وعي الحقيقة وإمكانات قراءة تلك الحقيقة والكشف عن طابعها وما يقف وراءها. علينا أن نتذكر هنا إن بنية العلاقات ومواضع عيش الرجل ومهامه ومواضع عيش المرأة ومهامها [ظاهرة تقسيم العمل] تنعكس في تفاصيل العيش اليومي ما يجعل النسوة يرين الحقوق المهدورة حتى لو لم يدركنها فلسفيا فكريا وبثقافة عقلية ناضجة. النتيجة هنا أن نسبة من يرين أنهن حظين بالحقوق أقل من نصف من يتوهمها من الرجال أو يضلل بمعطياتها الإحصائية انطلاقا من الإحساس بالتجربة الحياتية المباشرة..
4. مستوى فهم الظواهر من جهة الربط بين الاستغلال المنبعث من علاقات الإنتاج وما يحكمها اقتصا-اجتماعياً بعامة وتمظهرات ذاك الاستغلال ومنه تمظهره بأحد أشكاله في تمييز الجندر؛ سيدفع مستوى الفهم واختلافه ذاك إلى نتائج وإفرازات بين الإيجاب والسلب الفعلي والإحصائي في ضوء درجة الاستيعاب من عدمه.
5. وسنجد أيضاً بحالَ تشوّهِ وعي المجتمع وتدنيه ما يفضي إلى تحويل الصراع إلى تطاحن بين شركاء الحياة بالوحدات المجتمعية الصغيرة من أُسر وعوائل بدل فهم من يستغل الإنسان بجنسيه رجالا ونساء وبدل توجيه طاقات الطرفين إلى حل المعضل الرئيس والأساس.. ونحن بهذا نجد وقوع نسب من الطرفين في ممارسات تخدم القوى الاستغلالية ونظامها الاقتصا اجتماعي بذاك التطاحن اليومي الناجم عن قصور وعي الحقيقة.
6. وما يشكل كذلك سببا باختلاف نسب الإقرار بحقوق المرأة وتلبيتها في بلدان الشرقأوسطية، يعود إلى الثقافة التي تكرس استغلال الدين لتقديس تقاليد مرضية، هي قيود استعباد للمجتمع، عبر إسقاط خدعة أن الاعتقاد الديني يمنح اليد العليا للرجل، بينما الحقيقة في هذه الجريمة ليست سوى تكريس مفهوم الملكية بما يشمل الإنسان بعد تشييئه! هنا تتحول العلاقة بين الرجل والمرأة إلى طابع ملكية أو استعباد وتفرز كل القيم السلوكية المرادفة المرافقة..
إن جملة تلك الأسباب تتداخل فيما بينها وتتحد لتظهر نتائجها واقعيا وكذلك تتجسد إحصائيا رقميا محسوبة رياضيا؛ كما إنّ طابع قراءة الحقوق وتحديداً حقوق المرأة في مجتمعاتنا، نؤكد مجددا، كونها تخضع لهوية الثقافة الذكورية التي تتفشى سواء عند الرجل أم المرأة.. وبهذا يبقى الإحساس بتلبية الحقوق من عدمه، مختلفا في ضوء العيش والمعاناة فعليا من جهة وفي ضوء وعي أسباب تلك المعاناة وحال إقرار الواقع والقبول به من رفضه..
ولكن يجب القول: إنّ النسوة لا تستطيع بعصرنا ومتغيراته، على الرغم من استمرار تلك الثقافة القائمة على تمييز الجندر بما يشير إليه من سيادة (الذكورية) بوجه من أوجهه، لا تستطيع النسوة إلا أن ترى ما تحياه وتعبر عنه في تفاعلاتها كافة، بغض النظر عن طريقة الرد، حيث يوسّع هذا التعرف إلى المظالم، نسبةَ رفض التبريرات لتلك الممارسات الاستغلالية، لأن المعاناة باتت فاضحة، فجة وحادة بعصر الحقوق والحريات؛ وهذا هو ما ربما يشكل سببا نوعيا يؤكد تراجع نسبة النسوة المنخدعات بتضليل الثقافة الذكورية ومن ثم تعبيرهن عن مجابهةٍ، تجسِّدُ تنامي الوعي ضد تمييز الجندر وخلفيته الذكورية الطابع مع التنبيه مجدداً على اختلاف أشكال الرد والتفاعل بحسب مستويات الوعي...
وإشارتنا إلى اختلاف الرد يعود، بخاصة في مجتمعات شرقأوسطية، إلى أن الأمور لم تصل بعد إلى مستوى جدي مؤثر لتلاحم مجتمعي بين الرجال والنساء، يردُّ على مصدر الاستغلال المتسبب بكل أشكال التمييز.. ومازالت هناك، نسبة من النساء وبالتأكيد نسبة أخرى من الرجال ترى الأمور من بوابة التعارض بين الجنسين ووهم الاصطراع التناقضي المتضاد بين المرأة والرجل؛ بينما الصائب يكمن كما تؤكده التجاريب في موضع آخر، هو موضع مَن يُشيع ثقافة التمييز تلك و-أو مَن يكرسها بوصفه السبب الحقيقي وجوهر المشكلات التي تجابه المجتمع الإنساني برمته..
قد لا نكون استوفينا حق التساؤل ما يتطلب إعادة وضعه بتفاصيل حيث يجدد السؤال نفسه كالآتي: لماذا نسبة النساء اللواتي يرين أنَّ المرأة بالشرق الأوسط حظيت بحقوقها هي أقل من نصف نسبة الرجال الذين يرون ذلك؟ وهل يساهم هذا الاختلاف في تسجيل حقيقة إيجابية ناضجة ومن ثمّ في التغيير المنشود؟ أم أن الأرقام التي تعكس الإحساس بالحقيقة غير تلك التي تجسد الوعي بها؟ بما يجعلنا نسأل هل الوعي بالحقيقة مازال دون المستوى الذي يساعد على التغيير الحقيقي المنشود؟ وبصيغة أخرى للسؤال وأوجهه: هل يساهم شيوع تلك الثقافة الذكورية وتمييز الجندر وانعكاسات تخلفها، في تعطيل النساء وأدوارهن؟ وهل يساهم أيضا في منح النظم الاستغلالية فرص عيش لمدى أطول؟ إذن، هل يكفي الإحساس بالظلم والتمييز للرد أم يظل بحاجة لوعي وإدراكٍ للمعالجة الموضوعية الأنجع؟؟
إنّ هذه الأسئلة تتطلب تفاعلاتكنّ وتفاعلاتكم للإجابة عنها سواء بمواقف تحليلية نظرية أم بقراءات وإحصاءات ميدانية أم بتلك التي تجمع بين الأداتين في التحليل والاستنتاج أو حتى في مجرد تسجيل نماذج وشواهد من الواقع بما يخدم محاولات الإجابة بوعي جمعي مشترك. فلنتشارك في المهمة الإنسانية الأسمى وبلندرك جميعا واجباتنا في الوصول إلى إجابة منصفة.