المرأة اليهودية المغربية والتنوير التنموي



يونس بلحسن
2019 / 3 / 8

دأبت الدراسات الأنجلوسكسونية إلى مقاربة المرأة وفق نظرية الجندر باعتبارها جنسا متساويا مع الرجل في الحقوق والواجبات؛ لكن هذه النظرية لم تبقى حبيسة تلك المجتمعات المتقدمة بل غزت كذلك حتى المجتمع العربي وأصبح يُدافع عنها في قضايا عديدة ومتعددة. كثيرة هي الدراسات العلمية التي تناولت موضوع المرأة، فمنهم من نظر إليها "نواة المجتمع" وأخرى نظرت لها بأنها "عواطف" ومنهم من ذهب إلى العلم ليبحث في التكوين البيولوجي والنفسي والعضوي للمرأة... بينما في الدراسات الأدبية أخذت مكانها كوجدان ومشاعر يتغنى بها الشعراء.
وهذه الدراسات هي بمثابة إعادة ماضي الإنسان القديم، فمثلا وكما نجد في الأسطورة الهندية أن المرأة لا تخرج عن كونها عاطفة ووجدان وجسد: "المرأة بالنسبة إلى الرجل... مرآة ينظر من خلالها إلى مجده، ووسادة يتكئ عليها عندما يكون تعب، وقناعا يختبئ ورائه وهو تعس، وفكرة تستفزه فيبدع، ومنارة يهتدي بها". والشيء نفسه يدافع عنه شيكسبير بقوله: "المرأة كوكب يستنير به الرجل ومن غيرها يبيت في ظلام".
وبغض النظر عن هذه الدراسات العلمية، فإن المرأة المغربية عموما واليهودية خصوصا كان لها الدور الفعال والمتميز في النهوض بالاقتصاد الوطني والمحلي، فكثير من النساء اليهوديات كُنَّ يعملن في القطاع الصناعي من أجل الرقي بالأسرة ومساعدة أزواجهن على الحياة. ونجد من النساء اليهوديات الذين يذكرهن التاريخ المغربي على الخصوص كن يشتغلن في حياكة الزرابي وصنع الملابس الصوفية بالإضافة إلى الأعمال المنزلية التي يقومون بها. ولم يكن دور المرأة اليهودية المغربية مقتصرا فقط في المجال الصناعي التقليدي بل تعداه إلى مزاولة مهن أخرى كالفن الذي عنيت به المرأة اليهودية عناية خاصة، ومنهم نذكر الفنانة العريقة "زهرة الفاسية" التي كان لها دور كبير في إغناء الأغنية المغربية وخصوصا فن الملحون، من أغانيها نذكر "زاد علي الغرام" و"يا وردة" و"شعلت النار" و"سعدي ريت البارح" و" الغربة"، ثم "حبيبي ديالي فين هو". وهناك فنانات يهوديات من حملنا مشعل الفن المغربي من أمثال"ريموند أبي كسيس البيضاوية" و" نيتا الكاييم" ابنة مدينة تنغير. وبالإضافة إلى هذه المهمات التي كانوا يقمن بها داخل البيت وخارجه، كانت المرأة اليهودية المغربية تحمل همّ الأسرة وتربية الأبناء تربية حسنة وتعليمهم شؤون دينهم ودنياهم.
ومما يجب لفت الانتباه إليه، هو أن للمرأة اليهودية المغربية جانبا مهما في صون وحفظ التراث الصوفي اليهودي؛ وذلك بالتزامهم بالوصايا العشر التي جاء بها موسى عليه السلام حسب زعمهم واحترام أوقات الصلاة والتراتيل منها اليومية والخاصة بيوم السبت و الأعياد الدينية اليهودية.
وخلاصة القول، أن المرأة اليهودية المغربية كالمرأة العربية والأمازيغية، فقد اشتغلت بنفس الميكانيزمات في الحياكة وصنع الملابس من أجل الرقي بأسرتها ومساندة زوجها على متطلبات الحياة، لكن الإشكال الذي يطرح اليوم، هل الجيل الصاعد سيخلف لنا جيلا قادرا على مواجهة صعوبات الحياة ؟ أم أن هذه التحديات الزمنية ستبقى فقط مدونة في كتب التاريخ والمقطوعات الشعرية الملحونية المغناة؟!