8 مارس،مدخل لقراءة مغايرة لوضعية المرأة



فيصل بلوش
2019 / 3 / 9

في قراءة لوضعية حقوق المرأة وآفاقها المستقبلية ساهمت الدكتورة مريم آيت احمد بمقاربة معرفية ضمن برنامج قضايا وآراء على القناة المغربية الأولى .
و الدكتورة مريم آيت احمد استاذة جامعة تخصص علم الاديان المقارن ومديرة مركز إنماء للدراسات المستقبلية وعضو المختبر المدني للعدالة الاجتماعية .
وفي محاولة للإضاءة على ما إعتمدته من أسس ومرتكزات في تناولها لسؤال لسؤال حقوق المرأة المغربية بين الواقع والتطلعات والآفاق، تأتي هذه المساهمة .

فقد إفتتحت الدكتورة مريم تناولها للموضوع بالقطع والحسم المنهجي مع مختلف المقاربات التقنية والتقييمات الستاتيستيكية التي تتعاطى بميكانيكية مع شأن يحتاج لمقاربات اعمق تتجاوز التداول البيروقراطي/الاجرائي /التجريبي....

هذا القفز على حاجز السؤال الإجرائي، وجد له شرعيته الفلسفية والمنهجية في نفس المقاربة التفكيكية لدى جاك دريدا ،حينما يتخذ من الإنتقال بالسؤال الإشكالي من طبقة معرفية قد تكون اضيق إلى أخرى ارحب واوسع، كمدخل لتحرير الإشكال والسؤال من مأزق وورطة صحيح/خطأ ،إلى فضائه الإبستيمي الشاسع القائم على التفكيك والتحليل ..، في تحايل خلاق للتملص من الخنق والتضييق المنهجي للذات والموضوع.

لتقتحم الدكتورة مريم آيت احمد شأن المرأة وحقوقها بصرامة معرفية واثقة بكون جوهر النقاش ينبغي ان حول كيف ينبغي أن نفهم كخطوة اولية وهو تساؤل يفرز المرتكزات المعرفية والفكرية المركزية دات الصلة بالموضوع.. بأعتبارها هي البنى الفوقية التي تبلور عناصر ومحددات باقي مفاصل وتفاصيل العلاقات المجتمعية في انساقها التحتية والأفقية وفي آلياتها وهيكلتها ومأسستها..
وعلى اعتبار كون المعطى الاجتماعي هو وعي مؤسس على ما ماراكمته التجربة التاريخية من مرجعيات معرفية مختلفة المشارب في الفكر الديني والاجتماعي والسياسي... وعليه مهدت لأرضية مفاهيمية إرتكزت على ثالوث معادلة القوة / مبدأ المواطنة/ آلية الفكر "، كمنطلقات لتأطير الرؤية نحو وعي بمستوى الإشكال الملقى على عاتق وعي جمعي أكثر من إرتهانه بسلطة وظيفية وقواها الموازية ..
وهي مفاهيم نظرية شكلت محور مداخلات الدكتورة مريم بإعتبارها ادوات مفاهيمية للتحليل والتفكيك، واعادة التركيب والاستشراف .. اعمق من كونها مفاتيح وادوات لغوية للتقييم..

وبالنظر للحقول المعرفية التي تنتمي اليها هذه المفاهيم ، يمكن القول انها مداخلات شكلت استثناء وتميزا مقارنة مع ما يعتاده القارئ والمشاهد وهو يتناول خطاب يكرر نفسه في كل مناسبة من دون ان يشكل لديه حافزا للمحركات الدهنية وللمحفزات المعرفية للبحث في المقاصد الأبستيمولوجية التي قد تتشكل كمقدمات إشكالية... للبحث في الجذور المعرفية والتاريخية للأسئلة التي يكررها التامن من كل مارس .

فأخد مفاهيم معادلة القوة / مبدأ المواطنة/ آلية الفكر "..بهكدا ترتيب ، تشكل منهجيا تراتبية ومتثالية : ألإشكال/المدخلات/المخرجات . وهو المسار الذي إتبعته في تفكيك التركيبة الفكرية لوضعية حقوق المرأة وآفاقها المستقبلية..حيث تناولت معادلة القوة كمحدد لمستويات الفوارق القائمة اجتماعيا ونفسيا ورمزيا واقتصاديا ..مابين الرجل والمرأة ..هو تفسير بمقاربة المادية التاريخية للإشكال المطروح حول فرضية مظلومية المرأة مقابل هيمنة الرجل ،وكانت اشارة لاحد العوامل المحركة لانماط الصراع القائمة حول السلطة الطبقية والرمزية الجنسانية ذكورة/أنوثة ..

فبنفس الأطروحة القوة يفكك ميشيل فوكو العلاقات الصراعية حاكم/محكوم ، حيث يدهب ان لا وجود لفاعل يمتلك السلطة وان لا وجود لجهاز ينفرد بإستعمالها ، فالسلطة يعتبرها إنتاج ينجم عن صراع استراتيجي بين القوى السائدة والمالكة لوسائل الانتاج داخل الاسرة والجماعة والمجتمع ..

وعليه فمفهوم القوة كمنظام لتفسير جدلية هيمنة حالة جنسانية على وسائل ووسائط انتاج انماط معينة في المجتمع ،واغراقه بثقافة نوعية من افكار وقيم وتصرفات وادوار وعلاقات واساليب ينجم عنها شرخ حقوقي ورمزي في جانب من هوية النوع المجتمعي و خصوصا تجاه المرأة..

وبمنهاج تاريخي مقارن لتعزيز اطروحة القوة كمنظام لتفسير تقلبات إمتلاك وسائل الإنتاج بمقاربة جنسانية ،إستعارت من التاريخ نمودج حضاري/مجتمعي شكلت فيه المرأة قوة وسلطة سياسية وعسكرية ومجتمعية في إشارة للملكة بلقيس حاكمة مملكة سبأ كما اوردها النص القرآني وهي إحالة لزمكان حضاري توافرت فيه وله مقومات مرجعية للتمكين الحقوقي المدني والسياسي والرمزي للمرأة ، على غرار زنوبيا بمملكة تدمر بسوريا تِينْهيانْ الكاهنة بتامزغا شمال افريقيا و إسبازيا ملكة آثينا ..
هي معطيات حضارية تعزز القياس على كون مناخ القوة كمعطى مادي معزز بدهنية فكرية ... وموضعه في توازنات وتفاعلات المجتمع المدني والسياسي يخضع لتقلبات في موضعه وموقعه ضمن اي مشروع هندسي للبناء الفكري وآلمجتمعي .. معبر عنه على سبيل القياس بالإتجاهات الفكرية التي بسطت رؤاها ومواقفها وتعبيراتها حول موقعة وثقية مشروع إدماج المرأة في التنمية كمعادلة إستقواء لإتجاهات مرجعية وما تمخض عنها من مشاهد الشد والجذب ومحاولات الإحتواء والخنق الإيديولوجي للمرأة وتجريدها من هويتها الانطولوجية مما كرس المرأة ك موضوع للتداول السياسي والإيديولوجي اكثر مما هي داتا وكينونة جوهرية وشريكا في معادلة إنتاج القوة ..

معادلة القوة ، وإن كانت جاءت في سياق التعقيب على مقولة هيمنة الذكورة على الانوثة فهي تفسير يلامس الجوهر المرجعي الذي تؤسس عليه المنظومة البطركية شرعيتها ومشروعيتها ، وبالتالي فوقوف الدكتورة مريم على هذا الناظم هو دعوة للبحث في الجذور المؤسسة للهيمنة الذكورية وطرح مشاهد الإستئناس بالأنوثة للترويج الشكلي للمفاهيم المستحدثة من قبيل الإنصاف والمناصفة التي تمليها النيوليبيرالية في مختبرات التمحيص القيمي والاخلاقي .

إن كانت معادلة القوة قد شكلت لدى الدكتورة مريم مرتكزا ومدخلا تفسيريا للبطركية والباطريمونيالية السائدة في علاقتها الجدلية بآليات التأويل والمأسسة والتشريع والشرعنة للسند والخلفية المرجعية للتشريعات الحقوقية/الحدودية؛ فإن مفهوم المواطنة وإن كانت من القاموس المفاهيمي للفكر السياسي فقد طرحته بنفس الحمولة الأخلاقية والقيمية التي بلورت تاريخيا وفلسفيا منظومة المواطنة كمستودع نظري للحقوق خصوصا مع ايمانويل كانط وهي محاولة من الدكتورة مريم لإنصاف دلالاتها الحقوقية التي تتخبط في مطحنة الفساد القيمي السائد ولتحرج بهآ المقاربات التجزيئية لقيم الحقوق من قبيل مقولات والمناصفة والمساواة والتعادلية .. والتي تمرر دلالات تقزيمية في ميزان الإعتبار الانطولوجي والاخلاقي للمرأة كإنسان ،من قبيل إدماج المرأة في التنمية التي ترتبط ضمنا ولا تزال بوصاية اهل الحل والعقد الحقوقي والسياسي في إرتباط سببي بمعادلة القوة..

إن المواطنة ككائن رمزي وما قطعته من أشواط في التاريخ السياسي والإجتماعي الإنساني وما عرفته من نمو وتطور عبر إنتقالها من حالة الفوضى ودئبية الإنسان لاخيه الإنسان إلى حالة الطبيعة ثم إلى الحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية ..لا تكون لها قيمة من دون التجليات والتمضهرات التي تلامس الواقع عبر آليات تصريف القيم والنواظم ومواكبتها ومتابعتها لجعل الفضاء العمومي مجالا للإشراك والتشارك والمشاركة ..وهي المقاييس التي بها يقاس منسوب الإعتراف بهوية وإنتماء الفرد ودوره في حيزه المكاني الإجتماعي .. وإن كان الفرد والجماعة في مطلبيتها الحقوقية للحقوق ليس مدينا سوى لتاريخ محنة المسار الفكري والفلسفي الذي قطعته المواطنة وما يتفرع عنها من حقوق وواجبات ..
وعليه ،فإن المواطنة تكون مقياسا لتقييم الحقوق والواجبات ومنطق الدعوة لتكريسها وتقويمها ، وهو امر مرتبط اساسا بمستويات أخرى قابلة للقياس من قبيل الديمقراطية السياسية ومستوى النضج الاخلاقي والرقي الحضاري ..
وهي قضايا وأسئلة مترابطة ومتجانسة ضمن نسق معرفي وقيمي متصل؛ يحتاج لرؤية في الإستراتيجية العلمية المتعددة المشارب والحقول المعرفية لحلحة التعثرات والإخفاقات المعيقة لكل محاولة بناء حقوقي وتربوي وقيمي ..
وهو المستوى الذي إختتمت به الدكتورة مريم قرائتها لما يجب أن يكون عبر مقترح دعم وتنشيط الإرادات المعرفية والعلمية دات الصلة بإنتاج الفكر والرؤى الإستشرافية المتمثلة في الخبراء المختصين في العلوم الإجتماعية والإنسانية والتربوية والقانونية والمؤطرين بمراكز ومجامع ومختبرات التفكير والدراسات والأبحاث ..

لتظل مفاتيح الإشكالات دات العلاقة بالقيم عموما وتمثلاتها في توازنات وتفاعلات العلاقات الحقوقية والإجتماعية وبظوابطها السياسية والمؤسسية ...مرتبطة بمدى إشراك صانع القرار للخبرة العلمية الوطنية بمقاربة معرفية تفتح الاوراش لجميع المقاربات ومجالات إشتغالها على التأسيس والتأهيل والتجهيز الفكري والمعرفي للرؤية والممارسة في قضايا دات الهم المشترك ودات التطلعات التنموية المجتمعية .