سؤال السجن والحريق



مروة التجاني
2019 / 3 / 14

التالي مجتزأ من روايتي المنشورة ( حريق فوق رأس أمي ) :

طويلاً
كان في الزنزانة
هذا الهارب
كان يخشى عصا السجان :
مفزوعاً يأخذ الآن طريقه
بكل شئ يتعثر ... بظل العصا يتعثر .
" نيتشة "
//////
أخبار الحريق
جئت إلى السودان أبحث عن تفاصيل حكاية أمي . أحمل داخل حقيبة السفر قصص قديمة وملامح متخيلة عنها ، لم أعرفها طوال حياتي ولا يكفي كلام قليل لمعرفة حقيقة ما جرى لها لذا جئت أتقصى أخبارها وأعرف موقع القبر الذي ترقد فيه . مات والدي بعد أن حكى لي قصة حب دارت أحداثها بين مدينتي الفاشر والخرطوم وجبل مرة بولاية دارفور وكانت منذ زمن بعيد حديث جميع أهالي المنطقة . ضاع وجه أمي في زحام التفاصيل والشخوص وسنوات المجاعة والحرب والثورة .
ها أنا اليوم أصل إلى مدينة الخرطوم وبيدي عناوين وأرقام أهل والدي وعدد من الأفراد الذين كانوا يعرفون والدتي . مكثت في بيوت مختلفة وسمعت حكايات كثيرة من هذا وذاك بعضها أعرفها والبعض الآخر كان أقرب إلى أساطير الخيال . اتقصى سيرة أمي في الكلام ، والمطر ، والغيوم ، والالوان . حكى بعضهم عن رفضهم لقصة الحب التي جمعتها مع أبي من البداية ، والبعض الآخر نسج حولها اساطير وقالوا إنها أجمل حكاية غرام سمعوا عنها . كانت أمي عند الناس خرافة يتحدثون عنها من وحي خيالهم الواسع . يحبها جزء منهم ويغالون في وصف جمالها وأخلاقها . وصفتها عمتي قائلة :
_ كانت تشبه المشاوير البعيدة وطيور المساء البيضاء . تشبة وجه قديم تشعر حين تراه بسعادة مفقودة ورغبة في الإمساك بالزمن الماضي .
وحكى آخرين من أقربائي عن الكراهية . قال أحدهم :
_ تخيل سماء الليل بلا نجوم والصحراء بدون كثبان الرمل . تخيل مساحة واسعة بلا عشب أخضر . كانت لعنة سرقت النجوم والرمل وعشب الحياة ولوثتها بالدم الأحمر .
اوشكت على الضياع بين التناقضات والروايات المختلفة . كدت أفشل في الوصول إليها لكن شيئاً كان يلوح دائماً في الأفق : الأمل .
في بحر شواطئه بلا عنوان أبحرت ذاكرة أمي ولم تعد من يومها أبداً .
أتفق أهل والدي على إنها كانت مثل صندوق أسود لم يعثر عليه أحد ليفك طلاسم ما حدث قبل الضياع . لفيف من الأسرار والمواقف الغريبة ، المحزنة والمتناقضة تصارعت داخل عقلها . البحر الواسع ابتلع الذاكرة وحملها الموج بهدوء غريب إلى النواحي الخلفية في الدماغ .. هناك تتحطم ، تغدو نثار من ذات . كل ذكرى منسية تعاود الظهور تترك أثرها كالكتابة على عظم أبيض . كل ذكرى تأخذ معها جزء من الروح ، الدموع والإحساس . ثمن باهظ وجب دفعه عند ظهور مقاطع من شريط الحياة الطويل . عند كل محطة توقفت للصراخ بصوت خافت حتى لا تلفت الإنتباه ، غضبت ودارت حول نفسها ، تنفست بسرعة خوفاً من الانفجار الداخلي ، تمنت أن يكتمل انتقامها من العالم ، بكت خلال ليالٍ طويلة ، ضحكت لوحدها في مخيلتها ، ركضت بثبات هرباً من مؤسسة الجيش والشرطة ، توقفت عند المنحدرات . ثم ابتسمت في وداع كل ذكرى .
تعلمت من السنوات نسيان الحسرة وعدم النواح على ما فات . قالت :
ما ذهب مع الوقت لا يمكن أن يعيده إلا الوقت لأنه قدر . _
غرقت مشاعرها منذ زمن بعيد في ذاك البحر العميق . مرت الذكريات في خيالها مثل حلم شخص غريب ، لطالما وددت لو سألتها :
_ كيف تبدو أحلام الآخرين ؟ هل تشبه طريقة العيش معهم ؟ .
أتفقت سجانات يعملن في سجن أم درمان للنساء على إنها طالما نظرت إلى ذكرياتها دون تفسير إلى أن غابت عن مجال إدراكها ، وعانت صداعاً أفقدها وعيها . غابت عن زمنها الحاضر وخلاياها ترقص على إيقاع الألم ، لا تحمل أدوية طبية لتعالج ألمها ، لا تملك مكونات وصفة شعبية فتحدث نفسها بصوت مسموع أيمكن أن يعود ذاك الزمان حين كانت والدتها تداويها بالعلاج الشعبي وتمسك رأسها بقطعة قماش قوية وتشد بأصابعها عند مقدمة الرأس فيزول الوجع ؟ لكنها لا تملك غير أن تغلق عينيها ببطء . لا تتحرك . تخف آلامها . يتلاشى الوجع إذا نجحت في الدخول إلى حلم مختلف .
قالت سجانة :
_ قررت يوماً ما أن السم تفشى في ذاكرتها لأن الشخوص والأماكن والأشياء التي تألفها تغيرت وتبدل حالها . ما كان مضيئاً بالأمس أصبح في حاضرها ذكرى سيئة ومنسية ، قضت الليالي تعاني الأرق و الحزن العميق على فراق من أحبتهم . غدر بها البحر ، لم يمنحها أسماك ذهبية تلاعبها في عزلتها . هربت إلى عوالم غير موجودة على أمل أن تجد الجنة . لكن لأمك أكثر من ذاكرة . تخبئ في كل واحدة كنوزها ، الآمها وفضائحها السرية . بعد كل صدمة ، حدث ، كلمة أو مشهد تعيد تشكيل ذاكرتها وترتيبها من جديد . تنسى بعض الوقائع في أحيان كثيرة أو تخبئها في الأعماق لتمنعها من العودة إلى محيط عقلها . ما تظن إنه خامد في النسيان كان يعاود الظهور بين الحين والآخر حيث تقودها التفاصيل الصغيرة إلى أيام منسية لتعيش ذات التجارب القديمة في مخيلتها .
تحسر أحدهم عليها ووصف حالها قائلاً :
_ لا مجال للهرب من ماضي يبذل جهده لمطاردتها في نهاية الأمر تمكن منها وأصاب ذاكرتها بالعطب . توجعت وتسممت بالأحداث . تشبه مستودع ملئ بجثث حيوانات نافقة ، تكاد في أوقات عذابها أن تتقئ فيل ميت ، تقيأت ذات ليلة سبعون سنجاباً ميتاً . بنهاية الأمر استسلمت وواجهت كل خبرتها عن العالم الخارجي بشجاعة دفعت لاحقاً ثمنها غالياً بأن تقزم دماغها وتلاشى .
قالوا عنها :
_ جاءت الهزيمة بعد محاولات عدة للنجاح في الحياة . كثيراً ما سألت نفسها ماذا يكون النجاح إذاً إن لم يكن هو محاولة مستمرة للنجاة ، تنجو من حريق ، إعاقة ، أذى أو إهانة ، يكفي أن تظل على قيد الحياة ، هكذا حارب أسلاف البشر حياتهم سلاسل محاولات تتأرجح بين النجاح والفشل وما بينهما تتجلى إنسانيتهم ، قوتهم ، قسوتهم وأخلاقهم .
وصفتها سيدة تعرفت عليها بالقول :
_ تخلت يوماً عن كل شئ وهي تدرك أن كل ما تملكه في الدنيا : حزنها ، خضوعها ، أحلامها ، جسدها ، ضحكها وبؤسها سقط منها رويداً رويداً ، تخلت إذن عن ظلال لأشياء كانت تظن إنها تملكها ، شأنها في ذلك شأن المساكين حين يدركون أن أثمن ما يملكون لا يساوي شيئاً في سوق الحياة فيتخلون طوعاً عن ممتلكاتهم المتواضعة مع ابتسامة رضا تخفي دلائل الانكسار .
قالت سجانة تعمل في مصحة كوبر للأمراض النفسية والعقلية :
_ عاشت سنواتها الأخيرة في هدوء وسلام . لانعرف كلامها ولا نفهم حديثها لكنها تركت أثراً عظيماً في نفوسنا . رحلت بلا وصية وكأنها لم توجد في الدنيا . هي ظل يمر في ليل حالك السواد ويحسب أن أعين العابرين ترصده لكن لايوجد شخص يرى تفاصيل الليل المظلم .
لم يتبقى منها بعد الرحيل غير صورة وحيدة وقديمة في أرشيف سجلات السجن سعيت جاهداً للحصول عليها لكن إدارة السجن رفضت . تعاملت مع الصورة وكأنها ملك للسجن وجزء من تاريخه .
أمي خرافة بأذهان من يعرفها . هناك من يدافع عنها ويهاجمها في ذات الوقت ، توزعت مشاعر الناس عنها بين الحب والكراهية . كانت الحقيقة الوحيدة عنها هي أنا : وهبتني الحزن وعينان بلون الخريف .
طال تجوالي بين منازل الأهل وسجن النساء ومصحة كوبر . سألت عنها كل شخص صادفته إلى أن قادني الدرب بعد أشهر من البحث إلى صامويل بيتر .
عند زواية باردة في السوق العربي وجدته جالساً مع مجموعة صغيرة من الرجال الجنوبيين يشربون القهوة والشاي ، كانوا يجلسون في حلقة دائرية تحت دكان ملابس قديم . تقدمت وسألت عنه بالأسم فأجابني بصوت هادئ :
_ وصلت يا أبني . أنا من تبحث عنه .
رجل وقور تجاوز عمره الأربعين ، ذو شعر أبيض ولون أسود داكن وملامح تشبه أهل جنوب السودان ، عيناه صغيرة وأنفه واسع كأنه يمتص هواء مدينة الخرطوم كله ، يضع نظارات سميكة وقبعه تخفي مقدمة الرأس ، يرتدي زياً ملئ بالألوان والأشكال الزاهية يدل على جذوره الأفريقية . وخلف هذا الوجه الهادئ وجدت القصة الكاملة .
بعد أن استأذن من زملاءه جلس معي في زواية أخرى هادئة إلى حد ما ، المارة بالكاد يسترقون النظر إلينا وقبل أن أكمل فنجان القهوة دخل الفرح إلى قلبي حين قال إنه يعرف كيف قضت أمي السبع سنوات داخل السجن . كنت أستمع بكل حواسي إلى أن انقضى النهار كله .
/////////
تستيقظ منذ الساعات الأولى للفجر ، للمساجين مواقيت خاصة والسجون عندما تدق اجراسها لايوجد شخص يسمعها . المدينة بالخارج لاتزال غارقة في كوابيسها وأنفاس العساكر تحرسها . تسمع شخيرها وتقلباتها من ثقب صغير كانت تظن أن صرصار عجوز يسكنه ، عبر هذا الثقب السري صار لها نافذة إلى الخارج ، استمعت من خلاله لفترة من الزمن إلى ضوضاء لم تميزها جيداً لكن سجانة اكتشفت سرها الصغير . في اليوم التالي كانت أكوام أسمنت مرصوفة بعشوائية تسد الثقب ومنفذها إلى العالم ، تظاهرت إنها لا تعرف شيئاً لكن الأمر بالنسبة لها كان مثل سد حلقها وحرمانها من الأكسجين والكلام .
تعرف إنها لا تزور أحداً في أحلامه ولا يزورها أي من سكان البلد ، لاتعرف وجوه أهل المدينة ولا تعرف التغيرات التي طرأت على شكل البلاد . غرباء عنها لكنها تعرف إنهم موجودين ولهم حيواتهم . تسأل غيوم الفجر عن سماتهم وكيف يبدون ؟ تقول :
_ هل يعلمون بأمري ؟ من منهم سيأتي لزيارتي اليوم ؟ هل أعني لهم شيئاً ؟ .
لم تعد تعرف شيئاً عن البلاد غير أخبار متفرقة تذيعها زقزقة الطيور وألسنة دخان أسود تراه بعض الأحيان يتصاعد عالياً متجاوزاً الأسوار الضخمة ، ترى دخان الحرائق يتصاعد فوق رأسها ، يخنقها لكنها تتسلى به وكيف لا تفرح وهو خيط اتصالها بالعالم الخارجي . تسأل :
_ ماذا تغير هناك ؟ أين موقعي من خريطة المدينة الكبيرة ؟ .
لا يجيبها قمر الليل الخافت بل يرحل كأن الإجابة تؤلمه أو لا تعنيه . تستودع تقاسيم وجهها لآخر نجمة تغادر السماء . تأتمنها على أمانيها ومستقبلها المجهول . تخبرها النجمة الأخيرة أن الغد سيكون مختلفاً وحلواً ، تضاحكها وتغيب على وعد باللقاء في أرض الحرية ، آه من كلمة الحرية ، لا يعرف حقيقتها إلا من جرب السجن وأختبره . هل تعني الحرية الوطن ؟ هل هي المساحات الواسعة ؟ هل تعني حرية التنقل بعيداً عن أعين السجان ؟ هي كلمة واسعة وجميلة بقدر جمال وجه مريم .
منذ يومها الأول وإلى آوان رحيلها الأخير لم تحظى بليل وظلام كامل فالمصابيح لا تنطفئ داخل العنابر ليلاً وساحة السجن تضاء بكشافات ذات ضوء مصطنع ، كل وقتها نهار وشموس لاتغيب . مع ذلك كان الظلام يسكنها ، تتحدث بحروف سوداء وميتة ، للمساجين لغة يفهمونها لوحدهم ، لا حديث لهم إلا عن الحرية وأزمنة الأمل الموعودة . منذ تواجدها في هذا الحيز الضيق ما عاد لكلامها معنى ، سقط حديثها وخطابها وسقطت بالتالي حريتها . حينما يحاول أحدهم أن يمكث لفترة في غرفة مظلمة فذلك لأنه يشعر بالعار من ذاته ، يتهيأ له إنه منسي ولاوجود له في العالم ، يظن إنه كائن لايزال في العدم أو رحم الأم ، لم يتخلق بعد ويأتي إلى الوجود . في السجن لم يسمح لها أن تحظى بالعتمة لتداري هويتها وتنفصل عنها في الخفاء . يقولون إن الظلام سئ للسجين لأنه يشعر بالحزن ، لكن قليل من الليل لابأس به لأن الأحلام كانت لاتزورها إلا ليلاً وهي منذ غاب عنها الظلام لم تحلم . مكثت تحت ضوء كان الغرض منه أن يقول لكل سجين :
_ أنت مرئي . مكشوف للعالم . لا عورة لك ، وهويتك ملك للكل .
فقدت لذة الكسل والبقاء في الفراش لدقائق طويلة قبل النهوض . هي وغيرها من النسوة عبارة عن أشياء بالنسبة للسجانات وعليهن أن يغتالوا كل ما يمت للطبيعة البشرية بصلة ليحظوا بإستحسان السجانات . لا يسمح بالكسل في السجن ، هو عبارة عن نظام صارم من الأوامر التي تنتجها السلطة وبذلك تعيد تشكيل الفرد حسب هواها ومزاجها . تريدها كل سجانة أن تغدو ماكينة أو هكذا تحولت في آخر الأمر وفقاً لنظام السجن الصعب . تكاد تحفظ ملامح كل شمس تولد في السماء ، فلا تعود ترى غرائب الشروق . لا عصافير تأتي لتقبيل خدها ..
مات بداخلها الصباح .
أول عام لها في السجن كانت حكومة الإنقاذ الجديدة مشغولة بترتيب وضع البلاد وقمع المعارضين وشرطة السجون آنذاك كانت في قمة قسوتها وعجرفتها . حدث أن اعتقلت نساء سياسيات على خلفية مظاهرة تندد بغلاء الاسعار وكبت الحريات ، كنَّ ستة نساء معتقلات تم ترحيلهن إلى سجن النساء ووضعوا في عنبر خاص تحت اشراف جهاز الأمن والمخابرات إلى أجل غير مسمى . وقتها تشاجرت مريم مع سجينة أخرى واشفقت عليها سجانة من دخول الزنزانة والمكوث فيها لأسابيع من أجل حدث عابر وخصام أنتهى قبل أن يبدأ ، طلبت السجانة من النساء السياسيات دخول مريم معهن إلى العنبر لعدة أيام لكن رفضن بشدة وصاحت سيدة :
_ نحن نساء محترمات لن نجلس مع قتلة ولصوص .
وقالت معتقلة بغضب :
_ تريد الحكومة أن تذلنا وتضعنا مع نساء وضيعات لانعرف لهن أصل .
تراجعت السجانة عن قرارها وتم حبس مريم في زنزانة لمدة أسبوع ، يومها بكت بشدة ، طوال الليل وهي تبكي وتتنهد ، كانت الدموع تنزل مثل المطر في الخريف . وبعدها مسحت وجهها بالماء ولم تبكي لبقية حياتها . إذا تعرضت للضرب أو الصفع لاتنزل منها دموع ، نزلت كلها في ليلة البكاء الطويلة .
لن تعود مريم للبكاء مرة أخرى .
//////////
تتهيأ مثل بقية النزيلات ليوم جديد يبدأ بالصياح والطرق على الأبواب الحديدية دون سابق انذار . تصرخ السجانات في وقت واحد " استيقظي " " استيقظن " أصواتهن مثل كرنفال شعبي يتزامن مع عزف المفاتيح التي تتمايل مع حركة أجسادهن . صوت تعودت عليه ، أدمنته ، تتعرف على الوقت والواجب من خلاله ، يصيب الرأس والقلب بجرح عميق . السجانات : هنَّ نساء لا يعرفن إلا القسوة والصوت العالي ، تدربن على ذلك لأنه يثير الفزع في النفوس ، يتشابهن في ملابسهن وأزيائهن وملامحهن وطريقة حديثهن ، لايقدسن في الحياة غير احذيتهن لأن عقولهن تشبهها ولذلك تجدها دائماً لامعة ونظيفة . لم تعد تسمي صوت الضرب على الحديد ازعاج بل لحن ذا إيقاع واحد . هكذا تحايلت على أذنها وأوهمتها إنها موسيقى عظيمة طالما هي موجودة في إيقاع الكون فلابد إنها أنغام حديثة . هل تساءلت يوماً إن كان استمرار هذا الصوت يؤثر في أعصابها ويغتال حاسة السمع ؟ ربما لم تكن تهتم بمعرفة الإجابة .
قرأت عبارة للشاعر الروسي فلاديمير ماياكوفسكي تقول : حيثما أموت .. سأموت وأنا أغني ، أخذتني هذه الجملة إلى حياة مريم في السجن ، حياة بدون موسيقى وبدون ألحان أو غناء . هكذا عاشت في تجميع الأصوات القليلة من حولها لتشكل منها سيمفونية تبرر بها وجودها ، نزول المطر يعتبر حدث جلل بالنسبة للمسجونات يفرحن به عند الخريف ، تتأمله من خلف نوافذ الحديد بسعادة تسري مع دمها ، تعيد ذكراه إلى مخيلتها منظر الحقول الخضراء في قريتها بولاية الجزيرة حينما كان والدها يعمل في استثمار الأراضي الزراعية والأطفال يلعبون تحت المطر دون خوف من البلل . تتمنى لو تركض إلى ساحة السجن الفارغة وتلعب على نغماته ، تمنت لو رقصت ودارت مثل الدراويش ليغمرها بمحبة باذخة لكن وجود السجانات ، والحديد ، والأبواب الموصدة يمنعها . كل شئ في الطبيعة هو موسيقى رائعة : أشعة الشمس وهي ترسل الحرارة إلى الأجساد . الغيوم وهي تغطي السماء الزرقاء . القمر وضوء النجوم الخافت . تخبرنا الموسيقى بقصص جميلة وتسرق القلب لساعات من ظلمات السجن .
في أوقات الفراغ تدندن بأغنيات وأناشيد قديمة فلا تتعرف بقية النزيلات على ما تقول . يتسألون في حيرة وابتسامة تعلو وجوههن :
_ ما هذه الأغاني الغريبة والجميلة ؟ لم نسمعها من قبل لكنها مع ذلك جميلة وذات معنى .
تجيب أكبر النزيلات سناً :
_ كانت الفتيات ينشدنها في الماضي البعيد . هذه السيدة مضى على وجودها هنا أعوام عديدة فلا تحفظ غيرها ، توقفت ذاكرتها في نقطة محددة وعند زمان واحد .
ترد نزيلة أخرى :
_ لكنها اندثرت حالياً وما عاد أحد يعرفها . تعالي يا خالة لأعلمك أغاني هذا الزمان .
تلتصق بها لتسمعها ماهو جديد وتغني لها بصوت خافت أغاني لاتعرفها . تستمع إليها في صمت وتقول عند إنتهاء كل أغنية :
_ جيد .. ممتازة . ردديها لي لأحفظها .
من هنا اتسعت ذاكرتها لحفظ الأغاني القديمة والجديدة . كانت تحفظ الفرح والأمل لتبقى على قيد الحياة .
كل مؤسسة لها أغانيها الخاصة إلا السجون . الموسيقى فيها محرمة وممنوعة . يحدث في بعض الليالي أن تجتمع المسجونات ويصدح صوتهن بالنغم أو تسليهن مسجونة بصوت عذب وتنشد أغنية في محراب النيل للفنان عثمان حسين :
_ أنت يا نيل يا سليل الفراديس
نبيل . موفق . في مسابك
ملء أوفاضك الجلال فمرحى
بالجلال المفيض من انسابك
حضنتك الأملاك في جنة الخلد .
أو يرقصن على واحدة من أغاني البنات :
_ جيب لي معاك عريس شرطاً يكون لبيس ومن هيئة التدريس .
: إذا حدث وسمعتهن سجانة فأنهن يعاقبن وتهددهن قائلة
_ ده الفالحات فيهو الغناء والرقيص وقلة الأدب . يا ما متربيات . يا صعاليق .
صرن ينشدن بصوت خافت وغير مسموع . ثم صارت كل واحدة تدندن مع نفسها دون أن تسمع جارتها شيئاً مما تقول . ثم ضاعت كلمات الأغاني داخل الصمت الكبير الذي يسكن الجدران الحزينة .
خلال عام كامل يقيم السجن حفلاً واحداً . تقاد المسجونات إليه مثل الماشية في طابور طويل . يأتي إليهنَّ خبر الحفل مثل الأمر والواجب يحتم عليهن تفيذ الحضور للحفل . هكذا كنَّ يعرفن بشأنه ويكون الإستعداد مائة بالمائة وبالكاد يسمح لهنَّ بالخروج من العنابر . وفي بعض الأعوام لم تكن هناك احتفالات .
أول حفل حضرته مريم لازالت تفاصيله حاضرة في ذاكرتها ، وقفت في صف طويل بين النساء للتحرك إلى الموقع المنشود حيث تتوزع السجينات على الكراسي أو على الأرض . كنَّ يرتدين ملابس رثة ووجوههن خالية من مساحيق التجميل ، حزينات ولا رغبة لديهن في الذهاب . في ذاك الحفل خرجت إليهن بعد ساعة وأكثر مغنية مغمورة ترتدي ملابس بلون الذهب ووجهها ملئ بالألوان البراقة التي لاتتناسب مع لونها الأسود الغامق وملامحها الغريبة . صدحت بأغاني رخيصة غيرمعروفة وأناشيد الجبهة الإسلامية التي كانت منتشرة في فترة التسعينات . حيت رئيسة السجن وبعض الرائدات بالأسم واهدتهن نشيد جهادي تمايلن على نغماته . تقول كلماته :
_ ليش ليش يا مجاهد ما تتقدم للحور والجنة . تكسب وتغنم
لكتاب الله أقرأ وأفهم . قم ليلك باكر كي لا تندم
لكلاشنكوفك والجيم أفهم ، في الرأس تنشينك . لالا ترحم
للقاء أعدائك سرعة أتقدم . لا تهاب الدانة . لا تخشى لغم .
لم تفهم الأناشيد الجديدة ولم تهتم بأخبار الحرب في جنوب البلاد ومع ذلك تصنعت الفرح شأنها في ذلك شأن جميع المسجونات اللآتي كان تركيزهن منصب على هيئة المغنية وملابسها وعطرها النفاذ وحذائها ذو الكعب العالي الذي بالكاد تجيد التحرك به ، كانوا يفكرون في الحرية وتقليد المغنية عندما يخرجن من الحبس . يبتسمن حتى تظهر أسنانهن إذا وقعت أعينهن بأعين السجانات . يعلم السجن المسجونات كيف يلبسن ويتزين عن طريق النماذج التي يعرضها ويتدخل في تشكيل المزاج وإعادة تعريف مفهوم الجمال ، هو عقوبة تتدخل في تفاصيل حياة الفرد من حيث لا يدري . ينتهي الحفل بلا تصفيق ، لا مرح ، لا ضحك ، حفل نهاري كئيب .
///////
بعينيها بقايا من كحل قديم . فشلت أعين النسوة في سرقة جزء منه . لم يمحو الزمن آثاره بقى شاهداً على زمان مزدهر . كانت في الماضي تتزين بالكحل وترسم جوانب عينيها بالقلم الأسود ، عيناها هما أجمل ما تملك ، ذات أهداب طويلة ونظرات بريئة تحمل سلال من القمح . تتعرف على وجهها من خلال وجوه النزيلات ، تدرس ملامحهن بعين خبيرة وتتعلم كيف يبتسمن ؟ كيف تذبل أعينهن ؟ وتلاحظ تشقق شفاههن من الجفاف ، عبوسهن عندما يغضبن أو يفكرن . تتابع اختفاء الألق عندما يمضي على واحدة منهن فترة من الزمن داخل السجن ، تراقب بحذر ذبول أنوثتهن بعد أشهر من انقضاء العقاب . لم ترى نفسها في المرآة منذ مدة طويلة وتعرف إنها تغيرت . قالت :
ربما تحولت لرجل . ربما صرت أملك وجه ذئب أو امرأة أخرى . _
لا تعرف شيئاً عما آلت إليه لأن من المحرمات امتلاك مرآة في السجن ، يقولون أن ذلك يمنع النساء من استخدامها في قتل أنفسهن أو أذية بعضهن حال حدوث شجار . لكن السجينات يستخدمن أظافرهن للقتال ووسائل أخرى لاتنفع معها تحذيرات السجانات اللآتي يتدخلن بالعنف لحسم أية قضية ، للنساء أكثر من وسيلة وخدعة حينما تبدأ الحرب . تمنت أن ترى وجهها لمرة واحدة فقط قبل أن تموت ليست نرجسية منها ولكنها تريد أن ترى وجهها البشري قبل أن يذبل وتحاول اصلاح ما فعله الزمن بملامح أنوثتها . وحققت حلمها بعد فترة من الزمن .
ذات مرة شاهدت ملامحها في مكتب ضابطة كانت تأتي إليها في أوقات معلومة من اليوم لتقوم بأعمال النظافة . أعجبت بها لتفانيها في العمل وسمحت لها أن تمسك مرآة كنوع من الأجر المدفوع ، دائما هناك أجر وشئ ما للبيع كما كان يقول أخيها نعمان عندما يشرح لها كيف تتصارع الطبقات ويدور رأس المال ؟ . تأملت ذاتها بأستغراب ، كادت تصيح :
_ من هذه السيدة ؟ .
لكنها كتمت صوتها وقالت بهمس :
_ لست أنا .
أصيبت بالدهشة من الحرارة والزمن الذين نحتوا آثارهم عليها كما لو كانت قطعة صلصال . كان وجهها جافاً من قلة الماء وامتداد فصل الصيف عام بعد آخر ، نمت الشعيرات السوداء السميكة في جوانبه وسقط جزء من الكحل من عينها ، جلدها محروق من أثر العمل الشاق في السجن والاجهاد الدائم ، لم تعد مريم الجميلة التي تمنت ذات يوم أن تصبح ممثلة مثل الفاتنة أودري هيبورن . حاولت أن تستعيد صورها القديمة لتعزي نفسها حينما كانت صبية تحسدها البنات لجمالها وتتسابق العيون لرؤية وجهها الجميل لكن ما شاهدته منع أي صورة من الخروج إلى ذاكرتها وخرجت بدلاً عن ذلك دموع خفيفة استقرت بعينها دون أن تنزل . فكرت أن تتصالح مع الأنثى الجديدة التي شاهدتها تواً في المرآة لكن منذ ذلك اليوم لم تتح لها فرصة أن تنظر لنفسها لتعقد الصلح إلا عند اقتراب سنواتها الأخيرة في السجن .
حدث أن سجنت سيدة لمدة شهر داخل مكتب رائدة . لم يتح لكثير من المسجونات رؤيتها لكن اخبارها وصلت إلى مسامعهن " سياسية مشهورة " "يقال إنها صحفية مهمة " تناقلت الأخبار والأسئلة عنها لفترة " لماذا ليست موجودة في العنابر مثلنا ؟ " ثم أتيح لمريم أن تلتقيها حين طلب منها يوماً أن تدخل لنظافة المكتب وغسل بعض الملابس المتسخة . قابلت السيدة التي تدل تفاصيلها على إنها في الخمسين من العمر ، كانت ترتدي نظارة كبيرة وملابس أنيقة لاتتناسب مع أجواء السجن ، تمسك بيدها كتاب عن تاريخ السودان الحديث تقلب صفحاته وكوب من الشاي الساخن لايزال موجود على طاولة . وجدتها وحيدة مما أتاح لها بعد الانتهاء من العمل فرصة أن تسألها :
_ لماذا أنتي هنا أيتها السيدة المحترمة ؟ .
ردت عليها بالقول :
_ بسبب قضية نشر صحفي . كتبت مقال عن الفساد يمس والي ولاية الخرطوم وإحدى الشركات الكبيرة ووضحت تورط الأطراف في قضايا رشوة وتلاعب بالمال العام .
لم تطلب مريم مزيداً من الشرح . وقالت :
أيمكن أن أحصل على مرآة أريد أن أرى وجهي . _
تعاملت معها السيدة بلطف وسألتها عن قضيتها ، تحدثت معها عن حال السجن ووعدتها بنشر قصتها إذا كتبت مذكراتها ذات يوم . مدت لها مرآة ونظرت مريم فيها لكن بعد أن شاهدت وجهها ادركت إنها غدت كائن آخر . ربما مسخ فتراجعت عن عزمها في التصالح مع ملامحها الجديدة ، نسيت شكلها ثم ما عادت تعرف من تكون ؟ ضاع وجهها الجميل في زحمة الزمن .
كافحت طويلاً لتحافظ على أنوثتها لأن ما يمتلكه الإنسان العادي لم يكن متوفر بالنسبة لها . تتحصل على كمية بسيطة من الصابون الرخيص ذا لون رمادي باهت يميل إلى الأبيض ، حارق وبلا رائحة وبالكاد يكفي للإستحمام وغسل الثياب ، اقتصدت لتحافظ عليه فتحملت العرق والتراب في ذروة الصيف . أتلف شعرها ، جفف جسدها ، لكن الحصول على صابون في السجن كان يعد انتصاراً . تخبرهن السجانات أن الأغراض الشخصية ليست مسؤوليتهن . قالت سجانة :
_ واجبنا أن نحرسكن فقط الدولة لا توفر هكذا أمور هنا . كل غرض شخصي مثل الصابون وغيره يجب أن توفره الأسرة أو تشتريه المسجونة من حر مالها .
ثم أعقبت حديثها بوابل من الشتائم . اعتادت على سماع السئ من الألفاظ كلما طلبت شيئاً على شاكلة " أغربي عن وجهي يا بنت الزنا " " أي جسد هذا الذي تريدين نظافته . أذهبي ونظفي عارك أولاً " " يلا يا شرموطة من هنا . أنتى اخذتي صابونك من أمس " " يا ريت تموتو وتريحونا منكم زاتو . أصلكم قاعدين لينا زيادة عدد " .
احتفظت بالليمونة الوحيدة التي كانت تعطى لها خلال الأسبوع لتمسح بها أبطها من رائحة العرق . تعلمت أن لا تأكل كل ما يقدم لها وتستفيد من الأكل في نظافة جسمها . تركت جسدها وشعرها لشهور كثيرة دون أن تدهنه بالزيت أو العطر ببساطة هي لا تملك شئ . حلمت في يقظتها ببحور من زيت الزيتون واستيقظت على صحراء قاحلة لاشئ فيها . تقف في صف طويل مع غيرها من المسجونات لتقليم أظافرها بين حين وحين وعندما تقرر السجانات إن آوان نظافتهن حان . تمد أصبعها خلسة في صحون الفول بحثاً عن زيت ترطب به شفتاها لتبتسم في دلال كما كانت تفعل في الماضي .
تصاب بالهلع كل شهر حين تتساقط دمائها وتركض ناحية الضابطة المسؤولة عن توزيع القطن الذي يغطي جروح النساء . تخبرها أن جرحها ينزف فلا تمد لها ما يداوي عورتها إلا بعد أن تفرغ من أعمالها إن كانت مشغولة أو تتركها لساعة تترجى في صمت . في بعض الأحيان لايكون هناك قطن فتضطر إلى تمزيق جزء من ملابسها وتغطي جرحها بنفسها . عندما تتحصل على القطن كانت تتركه يوماً كاملاً إلى أن يتغطى بالدم تماماً . وفي بعض الأحيان تفوح منه رائحة عفونة قبل أن تفكر في استبداله لأن الحصول عليه في السجن عمل شاق .
كافحت خلال مسيرة حياتها لتحصل على أشياء صغيرة . لم يكن غرضها أن تحفظ أنوثتها بل الجانب المتبقي من الإنسانية فيها . كم تخيلتها تحظى بزجاجة عطر ، أظنها ستطير كفراشة وستزور أخيراً كل حدائق المدينة لتتعرف على سكانها وتحدثهم عن نفسها . ليت أحدهم أهداها حذاء جديد لرقصت كأميرة شرقية . آلمني قولهم أن الجنة تحت أقدام الأمهات وسارت هي دهراً على الأرض بحذاء بالي دون شكوى .
العنابر الموجودة في سجن النساء بأم درمان مصنوعة من الزنك وبها ثقوب كبيرة تدخل من خلالها أشعة الشمس ، لايوجد ظل بارد للراحة والمكان الذي تمكث فيه مريم مخصص لأصحاب الأحكام الطويلة يسمى ( حوش البقر ) لأنه يشبه حظائر الأبقار .
////////
سجن النساء بمدينة أم درمان لا يقدم للنساء ما يستر عورتهن من الملابس وقطع القماش . ولا يوجد فيه زي موحد مثل بقية سجون العالم . تعتمد النساء على ما يجلبه لهنَّ الأهل بشرط أن يتوافق مع مزاج وايديولوجيا السجانات والسلطة العامة بالبلاد . اعتمدت مريم في بداية مشوارها على ما كانت ترتديه حين دخلت للمرة الأولى ثم تحصلت على ثوبان ( جلاليب منزلية رثة ) من إحدى المسجونات بعد أن اشفقت عليها من ثوبها الوحيد . هكذا امتلكت ثلاثة أثواب تناوبت على ارتدائها وغسلها . بعد مضي عدة سنوات تمزق أغلبها وبهت لونها وصارت مثل الخرق البالية . حين تحدثت مع سجانة عن حوجتها لما يستر جسدها جاء الرد المألوف :
_ يلا يا بنت الكلب من هنا كمان ناقص الحكومة تصرف عليكم . أمشي شوفي ليكي شغلة تنفعك .
لا تملك مسجونة أبرة وخيط لرقع تمزقات الملابس . وجود أبرة في يد إحداهن ولو لدقائق معدودة كان يعد جريمة كبرى . تحملت انكشاف بعض مواضع جسدها أمام أعين النساء . سارت شبة عارية إلى أن نهشها الخجل والبرد في الشتاء . لم تكن تملك ملابس داخلية غير لباس واحد جاءت به وتحملت قذارته لسنوات . حدث ذات يوم أن مرت بعض الباحثات الاجتماعيات على المسجونات لتفقد أحوالهن ومعرفة ما ينقصهن ، كنَّ فتيات صغيرات لا يشغل تفكيرهن غير وضع المكياج والتبرج . ينطلق الجهل من أعينهن مثل شرار النار . باردات . مؤدلجات إسلامياً . مشاريع أبقار مستقبلية بإمتياز . سفهاء . جاهلات بمجال تخصصهن . قلوبهن مملؤة بالغبار . قميئات . حارسات سلطة . عنيدات . يتلصصن على حيوات السجينات . طباعهن حادة . فارغات مثل أكياس البلاستيك . يحملن حقائب أكبر من عقولهن . وقحات . مصابات بالبلادة . مغرورات . ينظرن إلى المسجونات كأشياء وليس كائنات بشرية . لو ترك لهن الأمر لطالبن بإعدام وحرق كل سيدة في السجن . حدثتهم عن حوجتها للملابس ، قالت واحدة من الباحثات :
. ليس في يدنا شئ لكن سنذكر القضية في تقاريرنا _
التزمت الصمت . عرفت أن شئ من هذا لن يحدث فهن بحكم خلفيتهن الإسلامية لن يذكرن كلمة ملابس داخلية وإن حاولن تجميلها وزخرفتها . وهذا ما حدث . انقضى على حديثها معهن عام كامل دون أن يقدم لها أحد شئ . قالت :
_ لماذا لا ينظرون إلىَّ كإنسان ؟ ماذا يضير لو قدمت لي واحدة منهن لباس داخلي من فلوسها الخاصة . يا ترى كم كان سيكلفها ؟ ليت إحداهن اعتبرتها زكاة أو صدقة أم أن السجينات غدون أكثر رخصاً من ثمن لباس داخلي .
حلت المشكلة بعد فترة من الزمن حين تحدثت مع سيدة أوشكت على الخروج ، كان طلبها محرجاً لكنها خافت أن يتمزق لباسها الوحيد . حينها ماذا ستفعل بأيام الدورة الشهرية ؟ شرحت لهذه السيدة ظروفها بصوت منكسر .. آهٍ لو أن الرب سمعها في تلك اللحظة . اعطتها السيدة ملابسها الداخلية المستعملة ، وخرجت .