الخطاب العالمي واعتماد اتفاقية سيداو وقرار 1325 فلسطينياً



ريما كتانة نزال
2019 / 4 / 15


أمر محسوم، أن الخطاب العالمي لحقوق المرأة غير كافٍ لنسخه ولصقه بالخطاب الفلسطيني، على اعتبار انه يتبنى مبدأ المساواة التامة، فالمساواة ليست كلّ قصة المرأة الفلسطينية ولا تقتصر الحكاية أيضا على الإقصاء عن المشاركة في الفضاء العام ومراكز صنع القرار، حتى لو ضمنت القوانين والتشريعات المساواة التامة.

كل ذلك ليس كافياً لإنهاء الظلم والتهميش والتمييز الممارس ضد النساء الفلسطينيات في السياق الخاص وخصوصية حالة النساء تحت الاحتلال الكولونيالي؛ الذي يُحَول قضيتها إلى قضية وطنية وسياسية. وهو الأمر الذي جعل الأجندة النسوية تعتمد على الترابط المنطقي الوثيق بين الاجتماعي والوطني، وعلى تلازم مسار التحرر الوطني مع مسار دمقرطة قيادة وبنية النظام السياسي، مستوعباً كذلك انعكاسات تلازم المسارين على تطوير مكانة المرأة وحقوقها بما يمكنها من نيْل حقها في الحرية والمساواة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعزيز دورها في مؤسسات صنع القرار عبر تطوير منظومة القوانين والتشريعات.

ولوضع الأمور في نصاب السياق الفلسطيني، لا بد من الإقرار بأن حصول فلسطين على موقع دولة تحت الاحتلال، قد وفّرت فرصة مهمة للانضمام الى الاتفاقيات والمعاهدات والوكالات الدولية، منها اتفاقية سيداو، خطوة ذات معنى على طريق تدويل القضية الفلسطينية، تُسَلِّحنا بروافع قانونية وحقوقية ذات تأثير عملي، في الحقلين العام والخاص، دون تجزئة. وأن استخدام وتبني الأدوات الدولية، القرار 1325 واتفاقية سيداو، يحتكم لتحقيق المعايير التالية:

• مدى تأمينها أقصى درجات الحماية للمرأة الفلسطينية من الاحتلال، وحماية مكانتها بالقانون وترسيخ شخصيتها المستقلة وحصار سياسة القوى الإقصائية المعادية لحقوق المرأة.

• رفض تديين حقوق المرأة وتسييس الدين للمصالح الفئوية والعقائدية.
• قدرتها على توسيع مساحة الاشتباك مع الاحتلال في الساحة الدولية. (تدّعي اسرائيل أن الاتفاقيات مثل سيداو وحقوق الطفل تلزم الدول اتجاه مواطنيها فقط.)

• مدى حفاظها على الترابط بين النضال الوطني التحرري والنضال الاجتماعي التحرري وقدرتها على جسْر الفجوة بين الالتزام النظري والتطبيق العملي..

على هذه المعايير وقفنا أمام قراءتين، إحداهما سريعة وسهلة؛ وأخرى متأنية ومركَّبة.
القراءة السريعة تمتاز دائما بالتلقائية والميكانيكية، كونها فاقدة التحليل التعقيد الاجتماعي تضعنا أمام إجابة تلقائية ميكانيكية، تتلخص بعدم جاهزية الوضع الفلسطيني الموصوف للاستحقاقات والالتزامات المترتبة على الانضمام بلا تحفظ إلى «سيداو». القراءة المتسرعة تذهب بنا إلى الخروج من حالة الاشتباك السياسي مع الاحتلال والاجتماعي مع القوى الإقصائية والتقليدية. الخروج من اللعبة أسهل الحلول لكنه يؤدي إلى الاستسلام لقدر الثقافة العشائرية والتقليدية، والرضوخ لقدر استدامة البيئة المحافظة، واستمرار عدم تقبلها لمنهج التغيير إلى الأبد، باعتبارها من الخصوصيات المحلية.

القراءة السريعة مسطحة وهروبية، تُقدم خدمة مجانية للاتجاهات المعادية لحقوق المرأة، وهو الأمر الذي لم يتأخر عمليّاً على أرض الواقع قبل أن يكشف عن وجهه ومعارضته خَلْق مفاعيل تغييرية جرّاء تطبيق الاتفاقية. (نذكر بالتعميم الصادر عن رئيس الحكومة الذي يُطالب الوزراء تزويده تحفظاتهم على الاتفاقية، الذي تم طيِّه بسبب ردود الفعل التي ولَّدها التعميم وإظهاره الجهل ببروتوكالات الانضمام وعدم جواز الانقلاب عليها بعد مرور اربع سنوات على المصادقة).

القراءة الأخرى، المتأنية والرؤيوية القائمة على التحليل والإرادة التحويلية، تذهب بنا إلى خلْق مساحة الاشتباك مع الاتجاهات الفكرية المعارضة، فرصة تجنيد وتوسيع اللاعبين في الضغط على عملية المواءمة. وتوظف آليات الانضمام والمصادقة في عملية التغيير: تقديم التقارير الدورية وتقارير المتابعة والرقابة على التطبيق والتطوير ومؤشراته العلمية والواقعية.

المعايير المتبعة في سيداو تنطبق أيضا على استخدام القرار 1325، ومدى خدمته توسيع مساحة الاشتباك السياسي الخارجي مع الاحتلال، النطاق والموضوع، من أجل تأمين حماية المرأة ومساءلة الاحتلال، مع فارق أن قرارات مجلس الامن تنشئ الالتزام دون متطلبات وتقديم اجراءات الانضمام والتوقيع والمصادقة.

وعليه القراءة النقدية النسوية للقرار ايجابية بالاستناد على بنوده وعلى القرارات التطويرية اللاحقة الصادرة عن ذات الجهة صاحبة القرار الأصل، وتضعنا أمام الأسئلة التالية: فيما إذا كنا معنيات بايصال قضيتنا الى الخارج على جناح ومنصة القرار 1325، من خلال لغة القرار المشتركة بين البلدان المختلفة؟ لِمَ لا!
فيما إذا كنا معنيات بالدخول في التحالفات والشبكات من على قاعدة القرار المرتبط بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وبالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي والدولي الإنساني، لخوض عملية ضغط ومناصرة بزخم وقوة الشبكات والائتلافات الدولية..؟ لِمَ لا!

للتذكير فإن دولتي النرويج والسويد خصصتا في خططهما الوطنية محوراً موجهاً للعمل مع خمس دول أخرى من بينها فلسطين، فهل نقف متفرجات أم نصنع من الالتزام شأناً مفيداً على صعيد الدولي؟ لِمَ لا!

وعلى ذات النسق، تطرح الأسئلة ذاتها على صعيد استخدام وتوظيف «اتفاقية سيداو» في مسار تحصيل الحقوق بالضغط على أصحاب الواجب لوضع التزامهم موضع التطبيق، وهل يمكن استخدامها كأداة رقابية تدعم نضالنا الحقوقي والمسار الديمقراطي! وأن تصبح ملاحظات وتوصيات لجنة الاتفاقية لاعباً رئيسياً في التطبيق!؟ لِمَ لا!

آخر الكلام: هموم النساء ليست واحدة في العالم، حتى لو كان التمييز قاسماً مشتركاً يجمعهن. الفرق الجوهري أن الذكورة في المنطقة العربية تتصاعد وتيرتها بلا كوابح، كونها مبررة دينياً ومكرسة في العادات والتقاليد. يضاهيها تعقيداً في العالم التمييز العنصري المتأصل، على أساس لون البشرة والعرق وبين الشمال والجنوب، ويشهد تفاقماً وتأزماً مؤخراً بسبب الحروب والهجرة والنزوح، حاملا هويّات متقاتلة.

*من ورقة عمل مقدمة لمؤتمر جامعة بيرزيت حول المرأة.