اخجلوا مِن أنفسكم واعطونا الطّفولة.



زيدان الدين محمد
2019 / 4 / 21

" ‏- مالذي يلزمك لِتتحرك؟.
- عفواً، أنا جائع ..
- جيّد ، الحروب هُنا تتوفّر أكثر مما يتوفر الخُبز..!".
- ندئ عادل.


رسالةٌ مِن ألبرت آينشتاين إلى سيغموند فرويد عام ١٩٣٢ حَملت في نفحتها سُؤالاً ماظنّ العاقل أن يُفارق البشرية، و السُؤال هو كالتالي:
" هل هُناك وسيلة تنقذ البشرية مِن كارثة الحرب؟".
إن هذا السُؤال برمّته قضية تواجه الحضارة الإنسانية ، و في إدراكه يُعد تقدمًا لِلبشرية في تمدّنها هذا العصر.

متى ستنتهي الحرب؟، سُؤالٌ يموج في سكنات كُل نفس إنسان يعاني من وجود الحرب، و فِي خضم هذا العالم الذي يترأسهُ ثلّة من عجائز هربت منهم إنسانيتهم و توسّدتْ قلوبهم الوحوش، لن تنتهي الحرب. فالحرب هي لعبة الإنسان عندما يعتريه الملل مِن السلام.
فبالرغم من أن عالمنا مليء بالثروات من مال و نفط و غذاء و أراضٍ، إلا أننا لم نوزع هذه الثروات بشكلٍ سليم يضمن لنا أن نتحرر من كوننا عبيدًا للإقتصاد التقليدي ،و الجشع الذي يضاجعنا لِنلد منه فكرة الحرب.
إن الصُدفة لا مكان لها في كوارثنا هذا العصر، فنحنُ نجد كُلما حدث اجتماعٌ لمناقشة ملف الدول التي بدأ فيها الصراع يشبّ والبحث عن حلول سلام لها وحل أزمتها، نشأت الحرب. وهذا لا يخفى إلا على مجنون ، فوحده المجنون مَن يبقى على إعتقاده أن المجازر المُتتالية التي تحدث لا علاقة لها بتلك الإجتماعات والمجالس التي تُقام تحت اسم البحث عن الإصلاح وتوطين حل الأزمات التي تمر بها البلدان.

رُبما الإنسان الكبير بمخزونه المليء بالوحوش والأحقاد والتلوث الأخلاقي والفطري، قد اعتاد على الحرب، لَكن ماخطب الأطفال الذين سُلبت طفولتهم في الدول التي تحتّلها الحروب والدَّمار؟.
وأي عُهرٍ فاض بنا إلى هذا الحد الذي نمسّ فيه أجساد بيضاء صغيرة لا تعرف القتل بل تعرف رسم الأحلام البريئة في الكُرّاس؟.
إنِّي لا أُطالب سوى بإنقاذ ماتبقّى من إنسانيتنا قبل أن نُخطط بِشرّنا لإغتيالها و يلعننا كُل حجرٍ و طير في هذا العالم، تلك الإنسانية التي تجعلنا نُفكر بالأطفال الذين لا ذنب لهم، تلك الإنسانية التي تجعلنا نجهشّ بُكاءًا فور أن نسمع ريم بندلي و هي تُعاتبنا بنظراتها الشريدة المُستغيثة في لسان حال يُعبّر عن كُل الأطفال:
"جينا نعيّدكن
بالعيد منسألكن
لَيش مَافي عنّا لا أعياد و لا زِينة
يَا عَالَــم أرضي مَحروقة
أرضي، حِرّيّة مَسروقة
سمانا عَم تَحلم
عَم تسأل الأيام
وين الشَّمس الحِلوة
و رفوف الحَمام
يا عالَــم أرضي مَحروقة
أرضي، حِرّيّة مَسروقة
أرض صغيرة، مِتلي صغيرة
ردّولا السّلام و عطونا الطفولة!".
مَن الذي سيوهب كُل ريم في هذا العالم ، طفولتها؟ مَن الذي سيشتري زينة العيد و يعيد الهدوء في المدينة ليرفرف الحمام؟و من الذي سيقشع السِّتار لترى ريم الشّمس الحلوة؟.

جميع المُنظمات تعلن الكارثة الإنسانية التي يتعرّض لها أطفال الحروب، وتعمل المُنظمات على احصاء القتلى والمُشردين منهم والذين هم على شفى حُفرة من الموت بسبب الجوع، و تصدح الشاشات الإعلامية تحت لعبة بشعة من بناء البروباغندا على أشلاء الأطفال الممزقين، لتعرضها على الرأي العام و تُحرّكه و تدغدغ عواطفه تحت لعبة سياسية إعلامية لضمّه إلى طرف مُعيّن في اللعبة و تحريضه على طرفٍ آخر، بينما هم أساسًا لا يلقون بالاً إلى هؤلاء الأطفال المترامين مابين ناب جوع وناب مرض وناب حربٍ وقتل. يستغلون الأطفال و دمائهم والأطفال لا يملكون سوى نظراتٍ شريدة و دمٍ ينحتون به على جبين كُل واحد منّا معنى العار والخزي، يستغلون الأطفال في مكايداتهم السياسية و الإعلامية لملئ فوهة بنادقهم بالذخيرة ، بينما لا يتحرّكون لفعل شيء من بناء مراكز طبية صحية تُخفف من لعنات مرض أطفال الحروب، لم يسعوا للحد من سوء التغذية الذي يعاني منها الطفل العراقي والسوري واليمني والليبي ،لم يسعوا لدراسة حال المراكز الطبية التي تفتقر لأدنى مقومات الرعاية الصّحيّة، فكُل ما يجيدونه هو الشرب من حوض دماء الأطفال وهتك حُرمة أحلامهم البريئة و نزع زهورهم و دفعهم إكراهًا خارج أعمارهم والتهام لحومهم المعجونة بويلِ العذاب على طاولة لعناتهم السياسية و نفوسهم القذرة وأجهزتهم الإعلامية.

لقد وأدنا الطفولة في الأطفال حتى أصبحنا نُربيهم على الروح العسكريتارية عوضًا من تربيتهم على الروح السلمية، فأضحوا يخرجون من أعمارهم ينضخون بشعارات حربية يتجندون فيها ويحتضنون السلاح في بيئة تدعم وتُحرّض على العنف، إضافةً إلى النظام التعليمي الذي يكون داعمًا أساسيًا لبتر روح الطفولة بحقنها التطرف والكراهية و يقول سيمغوند فرويد بصدد هذا:
" لابدّ مِن كتابة الكُتب المدرسية مِن جديد ، وعوضًا مِن تخليد الصراعات الأبدية والتحيّزات يجب أن نملأ النظام التعليمي بروح جديدة، فتربيتنا تبدأ مِن المهد...".
لكننا في مُجتمعاتنا ذو الأهداف المُضللة، نجد مناهجنا الدراسية تُمجّد الحرب و تذكر بطولاتها و تنسى بشاعتها، تُبرمج على حمل الكراهية والحقد لِجيل كامل يتحمّل فاتورة شناعة سلالة آباءه، فضلاً عن الطوابير الصباحية في المدارس التي يُطلب فيها من الأطفال ترديد كلمات مثل التضحية و الدم وأناشيد عبودية تُمجّد الزعيم ولصوصه الذين احتكروا الوطن لهم، و إني هُنا أتساءل هل هذهِ التربية المُمنهجة بالإذلال والتبعية والعبودية جائزة؟هل فِكرة الدم أسمى مِن فكرة السلام؟.

نحنُ لسنا بحاجة لصياغة البيانات عن حقوق الطفل و لا إلى ندواتكم العبثية أنتم وحُكّامكم التي تنادون فيها بحقوق الطفل والطفل نفسه مبتور، إننا نُريد مُشاهدة الواقع الفعلي لإعلان جنيف عن حقوق الطفل الذي صدر 24 سبتمبر عام 1924 و ينص على الآتي:
"على الإنسانية جَمعاء واجب توفير كل ما هو أفضل للطفل". و إلا فاجمعوا رفات مسرحياتكم الحقوقية و دجلكم، و خطاباتكم التي تطرح قضية طفل الحرب ومعاناته فقط لإثارة الشفقة الكاذبة على الأجهزة الإعلامية المُسيّسة.

إن هَذهِ الأراضي التي خُصّبت بدماء الأطفال المسفوحة، تُعانق سنابل القمح وسماء قطنية في عزاء أطفالٍ مَا استحيتم في وأد طفولتهم و التبول على دفاتر أحلامهم الوردية و رمي نواصي آمالهم بالرصاص.
هذهِ الأناشيد الوطنية التي تُردد كُل صباح و كُل احتفال، والأجساد البيضاء الصغيرة المتهالكة والأوصال المُرتعشة والعظام الواهنة البارزة جوعًا وفزعًا، وصناديق الألعاب والدُمى المنثورة تحت حُطام الحياة ، تشهد على عاركم وتفضح عراء إنسانيتكم، وتكشف مسرحيات العالم الهزلية التي يمارسها العالم بِرُمتِه، والتي لم تعد فصولها الدموية تُقنع مَن بقي في قلبه ذرّة رحمة.

لقد قال عُمر بن عبد العزيز في الأمس:
"انثروا القمح على رؤوس الجبال، لكي لا يقال جاع طير في بلاد المُسلمين" ، لكنّ حال اليوم يقول:
حُكّامنا وأجنداتهم الشرورية يا عُمر،جعلوا الأطفال فريسة ووقوداً لأسراب الحرب ، و نثروا دمائهم و أشلائهم على الطُرقات و قمم الجبال، لِذا:
غدًا لن نُغني أناشيد فداء الوطن بروحنا ،لن نُغني عن الدم و تمجيد الزعماء المُنجسين، بل سُنغني عن السلام والحُب والحُرية، ستعود ريم بندلي للغناء و لكن عن العيد والأجراس المُضيئة و السّلام..غدًا سيلعنكم التاريخ و ستدحركم خطوات الأنبياء و يتغلّب عليكم النشيد الإلهي الذي استغليتموه في القتل، غدًا لن يكون لكم وجود يا من قتلتم أرواحنا و سَلبتم الطّفولة عنوة.