تمرد المرأة السورية على الأطر السياسية الذكورية



راتب شعبو
2019 / 5 / 13

لا يبدو، بعد ثلاث سنوات من الصراع، أن المرأة السورية حققت تقدماً في مستوى حضورها وفاعليتها القيادية في الشأن العام. بل توحي الأرقام أن ثمة تراجعاً في هذا الحضور. فحسب تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لم يتغير ترتيب سوريا وفق مقياس الفجوة الجندرية (ظاهرة عدم المساواة بين المرأة والرجل) خلال 2011، العام الأول للثورة. حيث جاءت سوريا في ذيل القائمة واحتلت الموقع 124 من أصل 135 دولة. مع العلم أن التمكين السياسي هو من ضمن المؤشرات الأربع الرئيسية المعتمدة في هذا الترتيب. وفي العام التالي، أي 2012، تراجع ترتيب سوريا إلى 132 من أصل 135 دولة.
من بين المؤشرات التي يعتمدها التقرير، هناك مؤشرات شكلية في موضوع التمكين السياسي مثل عدد النساء في مجلس الشعب، ولكن التقرير مع ذلك يعطي فكرة عن التباين بين الدور الواقعي للمرأة السورية في الثورة وبين دورها في القيادة. ذلك أن الدور الواقعي أو التحتي الكبير للمرأة لم ينعكس زيادة في تمكينها السياسي ومرورها إلى دوائر القيادة وصنع القرار. على سبيل المثال، لم تصل امرأة إلى رئاسة المجلس الوطني عبر دوراته الرئاسية، أو إلى رئاسة الائتلاف الوطني من بعده، وربما كان من ضمن الأسباب في ذلك، الاعتبارات "الخليجية" التي يبدو أنها أكثر تساهلاً مع أهل الكتاب منها مع المرأة التي يقول حديث موضوع بشأنها "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".
واللافت في سوريا، كما في غير مكان أيضاً، أن البلاغة الذكورية في الحديث السخي عن المرأة ككائن اجتماعي وتقديرها، تبقى عقيمة أو حتى مؤذية، مثل المديح الذي يكيله السيد للمسود كشكل من أشكال تجميل سيادته ودوكرتها ومدّها بسبل الاستمرار. وللخروج من عباءة الذكور الذين يقرظون المرأة طالما هم مطمئنين إلى سيادتهم، اتجه النساء في سوريا نحو نشاط مستقل عن الأطر الذكورية بعد أن فشلن في الوصول إلى مواقع فاعلة في هذه الأطر، فعقدن مؤتمرات نسوية على مدى سنوات الصراع الثلاث، صدر عنها بيانات تحمل أفكارهن وتصوراتهن عن الصراع. ثم حاولن المشاركة في مؤتمر جنيف الثاني بوفد مستقل عن وفدي النظام والائتلاف. صحيح أنهن لم يفلحن في ذلك، ولكنهن حصلن على ضمان تواجدهن في قاعات وأروقة المؤتمر كلجنة متابعة بين السياسيين والإعلاميين.
في الواقع لا يزال هناك فجوة كبيرة بين الفاعلية اليومية للمرأة وحجم أعبائها من جهة، وبين نسبة تمثيلها وحضورها على المستوى السياسي من جهة أخرى، وذلك رغم بروز أسماء نسوية مهمة في سماء الثورة. وقد أدى التحول العسكري مع انحسار الوسائل السلمية في الثورة إلى المزيد من دفع المرأة إلى الخطوط الخلفية، لنشهد مفارقة صريحة صنعها المسار العسكري، مفارقة بين زيادة الأعباء على كاهل المرأة نتيجة غياب الرجل وانشغاله العسكري، وبين تحييد المرأة عن المشهد وحرمانها من الاعتراف في الوقت نفسه، ذلك لأن اللحظة العسكرية تمجد العنف والتسلط وهما صفتان ذكوريتان حتى الآن. زيادة أعباء وزيادة تهميش، تلك هي المفارقة التي تعيشها المرأة السورية في معمعة الصراع الجاري.
وبرغم سطوة الموجة العسكرية وجاذبية التطرف وقوة الرغبة الانتقامية، ظلت المرأة السورية في تصوراتها وأفكارها السياسية أقرب إلى السبل السلمية، أو في الحد الأدنى، إلى العقلانية العسكرية، إذا صح القول. فقد وقفت النساء في المعارضة ضد ممارسات متطرفة ووحشية أتى بها بعض عناصر الفصائل التي حسبت زوراً على الثورة، رغم أنهن كابدن مرارة فقد الأولاد والأخوة والأزواج، ورغم أنهن قُتلن وشُردن وحُرمن في ظل المعاملة التفضيلية التي يتمتع بها المقاتل الذكر والتي تفرضها الطبيعة العسكرية للصراع.
كانت النساء معارضات وسط بيئة المعارضة نفسها. ويسجل لهن مواقف بارزة ضد التطرف الإسلامي الذي سار يداً بيد مع تكرّس المسار العسكري. في الرقة وفي حلب كان للمرأة صوتاً مسموعاً ضد الجماعات المتطرفة التي بسطت سيطرتها على هذه المناطق.
ما يحدث في المنظمات السياسية المكرسة، هو أن ارتقاء المرأة في هذه المنظمات التي يغلب عليها الذكور يتطلب في الغالب خضوعها لمعايير ذكورية. وبشكل عام ترتقي المرأة هنا بقدر اقترابها من الذكر. وقد يكون خلق أطر سياسية نسوية من خارج الأطر السياسية الذكورية مدخلاً مناسباً لكي تمارس المرأة فاعليتها السياسية متحررة من ضغط المعايير الذكورية السائدة، ولعل في هذا مساهمة في تحسين شروط السياسة وتلطيف سبلها.