شعوب تتنفس إحتقار النساء



منال شوقي
2019 / 7 / 10

إن مجتمعاً يُحَقِر نصفه نصفه الآخر، هو مجتمع حقير مقارنةً بمجتمع لا يفعل . تلك حقيقة لا أظن أن فيها جدال. و تكون الطامة الكبرى حين يشارك النصف المُحتقر في تدعيم وإرساء و تفشي مظاهر هذا التحقير و الاعتراف الضمني والصريح بالدونية .
يحتقر العالم المُسمي بالعربي ، النساء ليل نهار ، فالرجال والنساء على السواء يحتقرون النساء في لغتهم اليومية و بتعزيز و تواطؤ من الميديا بكل أنواعها و اتفاق شعبي و رسمي و ضمني يشهد عليه قبول آذان الناطقين بالعربية لعبارات ومفردات هي في منتهي الوقاحة و التعنصر ضد النساء و التحقير لهن دون أدنى إعتراض أو امتعاض من هؤلاء الأخيرات فضلاً عن مشاركتهن المهينة في ترسيخها و شيوعها .

الحالة الأولي .
يحدث أن يسب رجلين أحدهما الآخر بالعبارات التالية :
1- اتكلم زي الرجالة و بلاش شغل النسوان
2- لو كنت دكر رد علي كلامي و متتصرفش كأنك واحدة ست
3- ما هو إنت لو راجل كنت رديت عليك ، لكن إنت مرة

يُفترض في العبارات السابقة أن قائليها من المثقفين أو من المحسوبين عليهم و أنها قد قيلت في أثناء نقاشات ما تطلب منازلة عقلية و ليست عضلية و بالتالي فتحقير قائليها لعقول خصومهم الفكريين يقوم علي تشبيه عقول هؤلاء الخصوم بعقول النساء المفترض فيها الدونية و الإنحطاط .
لقد توقفت كثيراً أمام عبارة ( لو أنت دكر رد ) و تخيلت أن هذا الدكر يحب أن يرد علي محاوره بعضوه الذكري و إلا فإن الرد سيكون تافهاً أو علي الأقل غير مقنع و بالتالي ، فإن تصدت أي إمرأة للرد علي حجة ما و حاولت دحضها فإن محاولتها ستبوء بالفشل لا محالة لأنها لا تملك عضو ذكري ترد به !!!
لابد إذن من أن هناك صلة ما بين العقل الذي هو مصدر التفكير و العضو الذكري ، مما يترتب عليه إعتقاد شبه عام بتفوق عقل الذكر و قدراته الواسعة مقارنةً بعقل الأنثي ، إذ أن الفرق الوحيد بين الدكر و المرة ( من الأفضل هنا استخدام الألفاظ العامية كنوع من الواقعية ) هو إمتلاك الأول لعضو ذكري و حرمان الثانية منه !!!
لابد أن نتذكر دائماً أننا في معرض عراك فكري و ليس عضلي ، إذ أننا لو كنا نناقش هنا عراكاً عضلياً بين شخصين لكان الأمر منطقياً ، فبديهي أن الرجل أقوى عضلياً من المرأة و بالتالي سيكون من البديهي أن يُعَيًر أحدهم أخر بأنهم ليس دكر و يتصرف كالنسوان أي أنه يجبن و يحجم عن النزال لضعفه البدني ، و لكن حين يكون العراك فكرياً و الرابح هو من يقدم حجة أقوى و أكثر إقناعاً من تلك التي لخصمه أو هو الذي يُثبت أن مستوى اطلاعه وثقافته أعمق و اغزر من خصمه ، ما الدور الذي ستلعبه العضلات هنا ؟ !!
ألا نتفق أن العضلات لا دور لها البتة !!!
و إذا كان الحال كذلك ، فمن أين أتي الربط بين النزال الفكري و النزال العضلي ؟

إنها العقلية البدائية ، عقلية الإنسان البدائي الذي كان ينتصر في خلافاته مع الأخرين بقوته البدنية والتي كان لها الكلمة الأولي و الأخيرة .
فالإنسان البدائي لم يكن يعرف الإنتصار بغلبة المنطق السليم و قوة الحجة و شرعية الحق و إنما بقدرة عضلاته على الفتك بأعداءه و هكذا هم أصحاب العقول البدائية الذين لم ينقرضوا بعد ، بل مازالوا يعيشون بيننا و مع كل الأسف هم كثيرون جداً .
نعم ، هم يرتدون الأحذية و البدل و الكرافت ، نعم يستخدمون التكنولوجيا بإتقان و نعم يُنعتون بالمثقفين و لكنهم بدائيي العقول للنخاع .
هؤلاء ، يكمن في لاوعيهم الذي يغلب على تحضرهم الظاهري ، إنسان بدائي يربط بين القوة العضلية و قوة العقل / قوة الحجة ، رغم أن قوة العقل و بالتالي قوة الحجة مرهونة ( كما أعتقد ) بمنطق سليم و معرفة واسعة ، إذ أن معرفة بلا تفكير منطقي كالنفط الخام ، لا يصلح لإدارة محرك السيارة ، و عليه فسوسن ( الإسم الذي يحلو للبدائيين في مصر إطلاقه علي رجل بهدف التحقير منه ) هي التي سينتصر - دون أدني شك - في عراك عقلي علي مخيمر و شعبان و ابراهيم و رمضان و ابو شنب و عز الرجال في حال كانت تفوقهم جميعاً إطلاعاً و ثقافة و سلامة منطق رغماً عن أعضائهم الذكورية بصفتهم دُكره .
ألا يقودنا هكذا تحليل إلي حقيقة أن المُحَقِرين من عقل المرأة، بتشبيه خصومهم الفكريين بها ،هم أصحاب العقول البدائية وذلك لربطهم بين الشجاعة و الذكورية في غمار النقاشات العقلية والتي لا علاقة لها من قريب أو بعيد باستخدام القوة البدنية ؟
إلي هؤلاء البدائيين أقول : حتي القوة البدنية تحتاج لعقل يديرها ويوجهها و إلا فالثور أرفع منك مكانة إذ أنه أقوي منك بدنياً و يصادف أنه (دكر) أيضاً مثلك .

2- الحالة الثانية

البنت دي بميت راجل
أنا صحيح واحدة ست لكن بمليون راجل ( في مصر )
هذي أخت رجال / بنت رجال ( في شبه الجزيرة العربية )

منتهي التحقير للنساء ، يمارسه الرجال و النساء يومياً علي السواء، و الطامة الكبرى أن وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المكتوبة تتعامل مع هكذا عبارات مهينة للنساء كأنها عبارات مجاملة و تكريم و مديح و تري فيها النساء المغفلات تعظيم لشأنهن و يطربهن سماعه !!!
و أنا أعلم جيداً أن ذوات العقول الناقصة و اللاتي يصدقن في نقص عقولهن بل و يتفنن في التبرير له ليس لديهن الأذن القادرة علي التقاط الإهانة و تمييزها عن المديح .
و للتبسيط على هؤلاء أدعوهن للمقارنة بين العبارتين التاليتين :
1- يا أخي البنت دي بميت راجل
2- يا أخي الكلب ده بميت صاحب

فلو لم تكوني في تقدير من يصفك بمائة رجل ، أقل قيمة و قدراً من الرجل ما بالغ بوصفك بمائة منه .
لو كنتِ مساوية للرجل في وعي ولا وعي من يظن أنه يمدحك بهكذا وصف ،لكان حرياً به أن يصفك بأنك بمائة بنت أو بمائة امرأة، إذا كان مضمون المديح يكمن في العدد و ليس في النوع ، و إنما هو يشبهك كأدنى بما هو أعلى ويزيد على ذلك بالمبالغة في العدد فتزداد الإهانة . اقرئي الحوار التخيلي التالي بين س و ص من الناس :

س: لماذا تفضل صحبة هذا الكلب على البشر رغم أنه حيوان ؟
ص: هذا الحيوان أكثر وفاءً و إخلاصاً من مائة صديق من البشر.
.
الكلب ده أحسن من ميت صاحب / كلب بميت صاحب .
البنت دي أجدع من ميت راجل / بنت بميت راجل .
أنا صحيح واحدة ست لكن بميت راجل / صحيح أنني بطبيعتي كامرأة أقل شأناً وأدنى قدراً من الرجال ( صحيح أنني كائن حقير ) و لكنني بمائة رجل ( بفضل اكتسابي لصفات الرجال كالمروءة و الشهامة الشرف والشجاعة و تخلصي من صفات النساء أي من كل ما هو دنيء و حقير و تافه ) .

لمن لم تفهم بعد أو لم تقتنع بأن عبارة ( أنتِ امرأة بمائة رجل ) هي إساءة لها و تعني أنها بديهياً و طبيعياً أدنى من الرجل، أدعوها أن تمدح من تعرفهم من الرجال بأنهم بمائة إمرأة و أن تراقب ردود أفعالهم .
حينما يصفك رجل بأنك بنت بميت راجل قولي له : و إنت راجل بميت سِت أو بميت مرة ( امرأة ) كما تُلفظ في بعض المجتمعات و لنري إن كان سيشعر بالزهو أم بالإهانة .