الشتيمة الجنسية + 18


جهاد علاونه
2019 / 7 / 17

تتعددُ أنواع المسبات والشتائم بين عنصرية وقومية وإقليمية ودينية وجنسية وعربية وإنكليزية ومسبات ساخرة ومسبات وشتائم تنفيسية لا تعني أي معنى وسأوجه اهتمامي هنا للمسبات الجنسية التي لها معنى...يقول بعض علماء الاجتماع بأن الشتيمة الجنسية أحيانا تتحول إلى نوع من التنفيس الاجتماعي وهي مثلها مثل الحرية الصحفية في التعبير عن حرية الرأي, وهذا معناه بأن بعض الناس يسمحون لبعض الغاضبين منهم بشتمهم وبسبهم كتنفيس عن الحالة التي يشعرون فيها من ظلم ومن تعسف بحقهم, وبما أن الشتيمة الجنسية معناها توجيه الإهانة للشخص المشتوم فهذا يعني مرة أخرى بأن معنى الكلمة له مدلولات اجتماعية متنوعة كلها تعني الإهانة وأحيانا تعني الطهارة أو الصحة, والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا لا نسمع من النساء مسبات للعضو الذكوري ؟ ولماذا الشتائم فقط للعضو الأنثوي؟ هذا معناه أن ذكر العضو الأنثوي أمام الناس يعني الإهانة أما العضو الذكوري فله مدلولات عكس الإهانة يدل بشكل مباشر على ارتفاع مكانة الذكر الاجتماعية وانحطاط مكانة المرأة الاجتماعية.


وقرأتُ مرة عن (العقاد) بأن قال لأديب روائي مشهور لا أحبذ ذكر اسمه :(لولا خوفي من أن أكون أباك لشتمتُهُ) وهذا يعني بأن العقاد يريد أن يقول بأن ذلك الأديب ابن زنا وبأن أمه عاهرة كان هو في شبابه من الزبائن الذين يترددون على صالونها.
طبعا هذا النوع من الشتيمة معروف ومفهوم وذكره المتنبي في قصيدته التي هجا فيها (كافور والإخشيدي), ولكن غير المعروف وغير المفهوم أن يقول رجل لرجل (ك...س أمك) أو (ك..س أختك) دون أن يذكر بعدها أي عبارة فهذا النوع من الشتيمة غير مفهوم القصد منه, وأنا شخصيا كنتُ قبل عدة سنوات أقف طويلا عند معاني المسبات والشتائم لأفهم ما هو المقصود منها علما أنني كنتُ وأنا طفل أُغاضُ وأغضب حين يشتمني ولد من جيلي بمثل تلك المسبات وكان العاقلون يضحكون حين يعرفون بأنني أنا أو غيري غضبنا من هذه الشتيمة غير أنها كانت تعني بالنسبة لنا توجيه الإهانة والنيل من الكرامة الشخصية والتقليل من الهيبة الاجتماعية, فمثلا ماذا تعني كلمة(ك..س أختك) هكذا لوحدها دون تفسير معانيها؟ أو (يلعن..ك...س أختك) أو (يلعن ..ك...س أمك) فعلا كنت أتساءلُ كثيرا عن معاني تلك المسبات ولماذا يغضب منها المشتوم! ولكثرة قراءاتي في علم الاجتماع والجنس توصلت مرة إلى معنى مسبة(قعدت على بع..وص أو قعد على بع..وص) وهذا يقال للذي لا يحصل على شيء من يد من يحبه ومعناه بالمفتشر الذي يمارس الجنس مع امرأة أخرى غير زوجته وحين يأتي إلى زوجته يأتي إليها وهو غير قادر على الانتصاب وبدل أن تقعد على قض..به تقعد على اصبع يده , وهذا له معنى مؤلم وساخر جدا وتقال للي يرضى بالقليل جدا أي بالفتات,وقد سألني كثير من الشباب اليافعين من أقربائي عن معاني تلك المسبات وهم يشعرون مثلي أنها للإهانة وأحيانا أجيب وأحياناً أضحك واسخر وأقول لا أعلم, والذي يؤدي إلى كشف معانيها هو أن الناس اليوم لا يغضبون من هذه الشتائم إذا كانوا متسامحين جنسيا وأحيانا طبيعة الموقف منها لها معنى وكل موقف مختلف عن الآخر معناه أن هنالك معاني مختلفة, ولكن تبقى الشتيمة الجنسية ثقافة تنفيس, مثلها مثل الشتيمة الدينية أحيانا للإله أو للمعبود بشكل عام إذ يرتاح الذي يسب ويشتم ويفرج عن نفسه والمسبات التنفيسية والتي تُروح عن النفس كلها تؤدي معنى حرية الرأي والصحافة مثل (يلعن ديخك..يلعن تميسك..يلعن شيطانك..يقطع تاليكوا..يلعن سنسفيل أهلك..الله لا يوطرزلك..يقصف عمرك..يقصف أجلك) وهذا النوع الأخير من المسبات معروف في أللغة أنه لغة تصغير للتحبيب أو للتحقير وهي جائزة على الوجهين, فأنا شخصيا أسمع كثيرا من الشباب الذين يتمازحون مع بعضهم البعض بهذه الشتائم التي ليس لها معنى مثل (يلعن حريشك,سنحك..سبعك) وهنالك مسبات من العيار الثقيل للمزاح مثل (ك..س أختك وين كنت؟) وهؤلاء على الأغلب يقال عنهم بأنهم (مُطعّمون) لا يهمهم الشرف, غير أن السبب غير ذلك فهو يعود إلى التسامح الجنسي مع الإناث, وعلى ذلك قس في كل أنواع الشتائم والدينية منها بحيث الذي يتقبلها يكون أصلا متسامحا دينيا.


طبعاً قبل عشرين سنة على الأقل لم يكن أحد يمزح مع صديقه بهذا النوع من المسبة(السباب) أو الشتيمة(الشتائم) ذلك أنه وكما أسلفنا بأن الكلمات الجنسية كانت ممنوعة من التداول وما زالت حتى هذه اللحظة ممنوعة من التداول ولكن بشكل أخف من الماضي الذي يصل عمره لعشرين سنة, وبعض الناس ما زالت تحتفظ بالعقليات القديمة فلا يقبلون الشتم بالكلمات النابية الجنسية والتي تتحدث عن اسم الجهاز الجنسي بشكل صريح, والمهم في الموضوع أن معنى كلمة أو مسبة (ك..س أختك) معناها أولا:
- ذكر شيء محرم ذكره قوميا واجتماعيا وبالتالي يتعرض المشتوم للإهانة ويؤدي إلى إحساسه بالنقص.

- ثانياً: الشتم فقط للأمهات وللأخوات عن طريق ذكر اسم جهازها الجنسي التناسلي, وهنا المسألة بغاية الخطورة, ففي حالة الشتم لا يتم التعامل مع رحم المرأة على أنه جهاز تناسلي بل جهاز إحساس ومذاق جنسي, ومن هنا يأتي الشعور بالإهانة ولا يمكن أن يشعر المشتوم بأن الذي يذكر اسم جهاز أخته الجنسي أو جهاز أمه التناسلي أو خلفية أمه أو خلفية أخته(ط...ز أختك) و(يلعن ط...ز أمك) بأنه يذكر أمامه جهازا تناسليا عاماً, ولتقريب المسألة أكثر أنت كقارئ لا تنزعج إذا دخلت مستشفى ووجدت به صورة في العيادة النسائية مكتوب فوقها (الجهاز التناسلي الأنثوي) ولكنك ستغضب لو وجدت مكتوب بجانب الصورة(ك ...س أختك) طبعا الموقف كوميدي ومضحك والفارق كبير بين المعنيين, أي أن الاسم الثاني له معاني تدل على ذكر شيء محرم من أجل تقليل هيبة الشخص المشتوم فالذي يقول لك (ك..س أختك) يختلف عن الذي يقول لك(جهازها التناسلي) ففي العبارة الثانية يكون المعنى صحي, ولو دخل أحدكم إلى أي طبيب نسائية وكانت بصحبته زوجته وتحدث الطبيب معه عن (ك ....س زوجته) لغضبت غضباً شديدا ولشعرت بمكانتك الاجتماعية وأنت جالس بأنها تنزل وتنحط للأسفل, ولكن حين يستخدم معك الطبيب كلمة(الجهاز التناسلي, البضر..إلخ) فإنك ستشعر بأن مكانتك الاجتماعية لم تتعرض للزعزعة أو للإهانة, بينما لو قال لك عبارات عادية لشعرت بأن مكانتك الاجتماعية تعرضت حقيقةً للإهانة.

طبعا كل هذا التفسير يؤدي معنى الشتيمة ما لها وما عليها, وهنالك تفسير آخر مثل الذي فسره العقاد, وله أيضاً معنى آخر وهو أن المشتوم لوطي فمعنى كلمة(ك..س أختك) أي أن المشتوم شاهد (ك..س أخته) ومارس الجنس مع أخته أو ( المحارم) بشكل عام, وهذا معناه بأن هنالك كلمات محذوفة يفهمها الشخص المشتوم, ولكن مع مرور الزمن نسيت الناس معاني تلك العبارات ووقفت عليها فقط سماعيا دون تفسيرها, وكلما أصبح المجتمع متسامحا جنسيا ويعيش حياة المساواة شيئا فشيئاً كلما كان تأثير تلك العبارات قليل جدا على القلب والعقل والضمير والثقافة, وإذا قال شخص لشخص(ك..س أمك) فهذا معناه أنه ابن زنا وهو أبوه أو يعني (اسأل أمك مين أبوك), أو معناه أن المشتوم يمارس الجنس مع المحارم, أو له معنى آخر أقوى وهو توجيه الإهانة من خلال ذكر الجهاز التناسلي للمرأة,والذي يثبت حقيقة ذلك هو أنه لا يوجد شتم ومسبة للعضو الذكوري, ذلك أن كشف اسم العضو الذكوري لا يؤدي إلى التقليل من الهيبة الاجتماعية للمشتوم على اعتبار أن الرجل لا يعيبه سلاحه أو قض...به أو جهازه التناسلي وبالتالي مسبة الجهاز الأنثوي لها تأثير بليغ الأثر على مكانة الشخص المشتوم اجتماعيا وعلى مكانة المرأة الاجتماعية والتي تعني أنها أقل بكثير من مكانة الرجل الاجتماعية والثقافية ولكن من الممكن اهانة الرجل بأن تقول له كلمة أو مسبة(مَ...يكْ) كما حدث في الفيلم الاردني الذي اقام الدنيا وأقعدها والذي تم تصويره في البتراء والاعتراض هو على العبارات غير اللائقة مثل من...ك....و...ز......وهي مستعملة بكثرة على الصعيد الشرقي والغربي والعربي والأوروبي, ولكن عند الفئات الاجتماعية التي تؤمن بالمساواة بين الجنسين لا يكون لتلك الكلمة أي تأثير نفسي ولكنها قانونيا لها تأثير نفسي ويحصل المشتوم على تعويض مالي وحصلت أمامي قصة من هذا النوع وكان الذي يشتم يشتم للمزاح حين سأله أحد الأشخاص عن صديق له فقال (هذا واحد م...يك) فسمع بذلك ورفع عليه قضية أمام المحكمة وحصل على تعويض مالي عن الأضرار النفسية والاجتماعية ألتي ألحقتها به المسبة, والدليل على ذلك أن المجتمع حين يسب الذكور لا يسب أجهزتهم التناسلية وإنما يشبههم بالنساء من أجل أهانتهم وهذا معناه أن المرأة قيمتها مثل قيمة الخنزير أو الكلب أو أي شيء نجس وغير طاهر, ومجتمعنا إذا لم يكن لديه رغبة بإهانة الذكور فإنه يسب أعضاء أخرى في جسم الرجل مثل (الفك) و(الرأس) فهذه المسبة أسمعها كثيرا في بيئتنا مثل (يلعن فك اللي خلفوك) أو (فك أبوك) وهنالك مسبة للرقبة العُنق( يلعن رقبة اللي خلفك)أو (يلعن راس أبوك) طبعا كل تلك المسبات الذكورية تعني بأن الجهاز التناسلي الذكوري لا يعني ذكر اسمه عيبا كذكر اسم جهاز المرأة التناسلي بالمسبات التي تعني ثقافة العيب.