ثقافة الحوار …



جلال الاسدي
2019 / 8 / 3

( ثقافة الحوار ) … اين نحن من هذه الثقافة الحديثة العهد نسبيا على البشرية و التي احرزت فيها الدول المتحضرة كالعادة اشواطا عديدة تسبقنا فيها كما سبقتنا في كل مضامير الحياة . الثقافة كلمة كبيرة فضفاضة و هي حالة تراكمية لا تتكون بين عشية و ضحاها بل تحتاج عمرا باكمله و احيانا يضيق بها ، وتعتبر الثقافة الركيزة الاساسية التي يبنى عليها الحوار السليم و المثمر . و بدايتها (البيت) و ما يعمه من اجواء صحية بين افراد الاسرة و تبادل للاراء دون تشدد او تعصب و لهم في الام و الاب اسوة حسنة . فرؤية الاولاد للام و الاب على وفاق و توافق ، و هو الاساس في الحياة الزوجية و استقرارها ، سينعكس ايجابا عليهم و على الجو الاسري بشكل عام و يرسخ في الاولاد ثقافة و قيم الديمقراطية و قبول الاخر . ربما تكون الام احيانا متعلمة لكن رصيدها الثقافي متواضع و هنا عليها محاولة التوافق ، و ملء الفجوة بينها و بين زوجها ، الذي قد يكون سبقها بمسافات في التعليم و الثقافة ، و احيانا اخرى يحصل العكس قد تكون الزوجة هي السباقة ، و في كلتا الحالتين التقارب و اللقاء في منتصف الطريق هو الهدف الاسمى . فالمشتركات بين الام و الاب ضرورية جدا في ادامة الحوار و بعث الدفء في العلاقة الزوجية و الاسرية بشكل عام ، و نعني بالمشتركات هنا الاهتمامات التي تجمع الاثنين ، مثلا يشتركان معا في الاهتمام بالادب او الفن ، او ذكريات سفرة ما ، او ذكريات فترة الخطوبة ان وجدت … الخ من الاشياء الجامعة و التي ستكون المفتاح الذي يفتح ابواب الحوار بين الاثنين . بعد البيت تأتي (المدرسة) و يفضل تخصيص منهج مبسط يوضح للطلبة اهمية الحوار في بناء الامم و الحضارات ، و تغيير القناعات و توجيهها الوجهه الصحيحة لما فيه خير الصالح العام ، كما هو موجود في الدول المتقدمة . و الاهم من هذا و ذاك في عصرنا الحالي (الاعلام) الذي يدخل الى كل بيت بغثه و سمينه ، و دوره خطير ان لم يحسن توجيهه الوجهه الصحيحه لبناء مجتمع سليم و معافى ، و من ثوابت الحوار الخاص و العام ما تسمى بثقافة الاصغاء : ( لابد احيانا من لزوم الصمت ليسمعنا الاخرون . حكمة ) و مجارات المتحدث وتتبع كلامه دون مقاطعة ، و ان تكون تعابير وجهك مشجعة للطرف الاخر ليطرح وجهة نظره بكل شفافية ليتواصل الحوار و يصل الى مشتركات تخدم الهدف الذي اوجد من اجله : ( ربما كان السكوت جوابا . مثل عربي ) … و يعتبر الدين و تفرعاته و السياسة و غاياتها من اكثر المعرقلات بوجه حوار دافئ و هادف ، بسبب تصلب مواقف معتنقي الافرع الخلافية فيهما … كثيرا ما اشاهد البرامج الحوارية و خاصة على الفضائيات المصرية ، احيانا يتحول الحوار الى مشهد من مشاهد الكوميديا السوداء امامك دون ان تكلف نفسك الذهاب الى القنوات الكوميدية التي لن تجلب لك التسلية التي يجلبها اثنان من الازهريين او ازهري و سلفي او سلفي و علماني او علمانية … و هكذا ، و قد يصل الحوار الى ذروته بأن يتكلم الجميع في وقت واحد ، ولا تسمع الا الزعيق : ( عندما يغيب المنطق ، يرتفع الصراخ . حكمة ) مما يؤدي الى فقدان المقدم للسيطرة و ربما يحصل اشتباك بالاحذية و احيانا بالنعل ان وجدت ، او ينتهي بالاشتباك بالايدي اذا كان المحاوران يجيدان فن الملاكمة . و اكثر البرامج العربية السياسية شهرة (الاتجاه المعاكس ) من قناة الجزيرة ، و فيه يحصل نفس السيناريو و لكن اضيف له سلاح جديد ارق و اكثر رقي من الاحذية و النعل الا وهو قناني المياه و السب و الشتم و التخوين … الخ … ان الاختلاف سنة كونية فالليل يختلف عن النهار و الصيف يختلف عن الشتاء و ينسحب ذلك حتى على البشر ، اذ يختلفون في اشكالهم و قناعاتهم : ( جئنا لنختلف .مكسيم غوركي ) و لكن يؤمل ان لا يتحول الاختلاف الى خلاف . يبدو اننا بعيدون كثيرا عن استيعاب هذه الثقافة الجديدة للاسف و التي قد تحتاج منا عقودا ، و ربما قرونا لان ادمغتنا ثخينه لا تستوعب الافكار الحداثييه بسهولة ، فقبول الاخر كما هو ، هو الهدف النهائي لنجاح ثقافة الحوار .