السجينات اليمنيات.... ظلم مزدوج



محمد النعماني
2006 / 5 / 13

كشف الصحفي احمد القرشي في تحقيق صحفي في الشورىنت- عن وضع السجينات في اليمن حيت قال !!

جفت منابع الحياة، وتجهمت دنياهن المغرقة في وحشية قاحلة من الرحمة إلا قليلاً , دنيا أصبحت المرأة فيها سلعة لمتعة مجانية مبتذلة وعنصراً للمزايدات السياسية، ليس فيها أي حقوق من أي شكل كانت، وكيفما جاءت وللمزايدة السياسية واستدرار الدعم المادي من الداخل والخارج باسمها، في حين ظل الاهتمام الحقيقي بقضاياها مغيباً خلف أكوام من الأعذار الواهية.


ظروف اجتماعية واقتصادية، وحتى سياسية ألقت بهن إلى فلوات التيه وضيق السجون والزنازين، وجعلت منهن ضحايا وجودهن في المكان الخطأ والزمان الخطأ وحتى التربية والثقافة الخطأ.


الكثير من النداءات والمناشدات والاستغاثات تطلق للإفراج عن السجناء المعسرين من الذكور، أو من قضوا ثلثي المدة مهما كانت قضاياهم وكيفما كانت، في حين لم نجد مناشدة واحدة تطلق عبر الصحف لإطلاق سراح سجينة واحدة وإن وجدت محاولات من بعض الأسر فهي لا تعدو أن تكون همسات خجولة، تكرس الخطيئة والظلم!!


حقوق غائبة


تقول أم السجينة ( س . م . ل ) «... بنتي ليس معها محامي وكثير من السجينات مثلها لأنهن لا يستطعن دفع أجرة المحاماة وقد تخلى عنهن أهلهن بسبب وجودهن في السجن، والحكومة لا تهتم بشأنهن ومسؤولو السجن يتعاملون معهن على أنهن خطيئة يجب التخلص منها، وأنهن لا يستأهلهن الحياة...» وتحدثت السيدة (ز. م .ع ) عن الكثير والعديد من المشكلات التي تتعرض لها السجينات ومنهن ابنتها التي قالت أن لها أكثر من خمسة أشهر في قضية لم تفصح لي عن كنهها.


ومن خلال مقابلاتي مع عدد من أمهات السجينات بالقرب من بوابة السجن المركزي تبين أن غالبيتهن من أسر فقيرة وكثيرة العدد تعيش في أحياء عشوائية فقيرة في أطراف المدن، ولا تتمتع معظم تلك الأحياء بالخدمات الضرورية من ماء أو كهرباء أو صرف صحي بحيث يتعذر على قاطن هذه الأحياء العيش الكريم في حدوده الدنيا، ما يدفع إلى الانحراف السلوكي.


وفي السجن المركزي بأمانة العاصمة التقيت العقيد/ مطهر علي ناجي المدير العام، حيث سألته عن أهم المشكلات التي تواجههم حسبما وجدنا من شكاوى الناس خارج أسوار السجن فقال «... لا توجد لدينا مشاكل في سجن النساء سوى السجينات اللاتي يدخلن أثناء حملهن، حيث يكن بحاجة إلى رعاية خاصة، فنواجه متاعب لدى ولادتهن، حيث نكون بحاجة إلى نقلهن إلى المستشفى للولادة. ومن المشكلات التي نلاقيها كذلك أطفال السجينات حيث تدخل بعضهن السجن ومعها أطفال ونحن لا نستطيع سجن أطفالها معها. وهنا نطلب من النيابة والمحكمة مراعاة مثل هذه الخصوصيات مثل إيداع أطفال السجينات في دور رعاية خاصة بالأحداث».


وحول أبرز القضايا التي تدخل النساء بسببها السجن قال :«... السرقة ، النصب والاحتيال ، القتل ، قضايا أخلاقية ويبلغ عدد السجينات ما بين 60- 70 سجينة».




سألته عن البرامج التي يقدمها السجن للنزيلات من أجل إعادة تأهيلهن ودمجهن في مجتمعهن من جديد قال:«... لدينا برامج للتأهيل والتدريب والتربية للجنسين فالسجينات نقدم لهن دورات في الخياطة والتطريز ومحو الأمية وتحفيظ القرآن الكريم، من خلال مدرسة خاصة بالنساء داخل السجن وملحق بها حضانة خاصة بأطفال السجينات».




التحقيقات الليلية


سألت العقيد مطهر عن التحقيقات الليلية مع السجينات وهل تحدث فعلاً فنفى حدوث ذلك قائلا «... يمنع التحقيق الليلي لدينا تماما. وفي الحقيقة نحن في المركزي نستلم السجينة من النيابة العامة بعد استيفاء التحقيقات معها ودورنا هو الاحتجاز فقط».


البعض يتحدث عن عدم نزاهة الكثير من مسؤولات السجون في تعاملهن مع السجينات، إضافة إلى أن الكثير من سجون النساء وتحديداً في المديريات النائية عبارة عن بيوت لأشخاص يقبلون العمل على إيواء السجينات لديهم مقابل أجر معين، كما هو الحال في كل من عبس وحرض بمحافظة حجة والزهرة واللحية في محافظة الحديدة، وهذه نماذج فقط، في حين يمكن وصف سجن النساء في بيوت عائلات بأنها ظاهرة موجودة في كثير من المديريات على مستوى الجمهورية.


يتحدث الشارع عن الكثير من القصص والمضايقات التي تتعرض لها السجينات، وأعمال تتنافى مع القانون خصوصا في ظل انعدام وجود وعي قانوني عام، وعدم تمكين المرأة من الدفاع أو توكيل محام للدفاع عنها. وهنا ينبغي على الجهات المسئولة التحقق من صحتها والعمل الجاد للقضاء عليها في حال ثبوتها


الأمن الخائف


حاولت زيارة قسم النساء في السجن المركزي بأمانة العاصمة فرفضت إدارة السجن السماح بذلك إلا بموجب تصريح خطي من مصلحة السجون ولا ندري متى ستكون هناك حرية صحافة تمكن الصحفي من الإطلاع على الحقيقة دون عوائق أو قيود وروتين؟ وحتى متى سيظل بعض مسؤولي الأجهزة الأمنية يتعاملون مع القضايا العامة بعقلية شمولية خائفة؟ ثم لماذا الخوف إذا كانت الأمور عندهم على ما يرام؟.


«... النساء السجينات أكثر عرضة للاستغلال والعنف والحرمان...البعض منهن يتم إيداعهن السجون إما بدون محاكمة أو أن من تحاكم منهن تقضي فترة العقوبة ثم تبقى فيه لعدم تقبل أسرتها لها، كونها تمثل عارا بالنسبة لتلك الأسرة...» (بتصرف من ملخص عن دراسة أوضاع السجينات في اليمن).


وتضيف الدراسة «... العديد من الإحصاءات تؤكد وجود علاقة طردية بين وجود أطفال إناث في الأسرة وحالة فقرها، وبينت أن مساهمة المرأة في قوة العمل متدنية وقد بلغت بين الإناث 15.6% فقط. كما تؤكد الإحصاءات اتساع التفاوت بين الذكور والإناث ففي التعليم - مثلاً - تبين أن التحاق الفتيات بالمدارس (في التعليم الأساسي عام 1999م) لا يتجاوز 32.8% من إجمالي الإناث مقارنة بـ 67.2% للبنين. كما بلغت نسبة الأمية بين الإناث 74% لنفس العام مقارنة بـ 44% فقط بين الذكور، علماً بأن نسبة السكان من الإناث بلغت 50.05% من إجمالي سكان الجمهورية...» المصدر السابق.


الفقر والبطالة


في حين أكدت دراسة نفذها كل من «المجلس الأعلى لشؤون المرأة » و«اللجنة الوطنية للمرأة» حول أوضاع السجينات في اليمن على أنه لم تنفذ أية دراسات علمية ميدانية حول مشكلات وأوضاع السجينات وهذا يعني غياب الاهتمام بقضاياهن.


مدارس للانحراف


أكثر النزيلات يتحولن إلى محترفات للجريمة بسبب غياب التأهيل الحقيقي وكذا الخلط بين السجينات في قضايا وجرائم مختلفة، ما يحول السجون إلى مدارس للجريمة المنظمة.


وإذا ما علمنا أن غالبية السجون لا يوجد بها أخصائيون اجتماعيون أو نفسيون لمتابعة السجناء من الذكور والإناث، بالإضافة إلى أن مباني السجون خصوصا سجون النساء بحاجة إلى إعادة نظر في التصميم والتجهيزات، كما بينت الدراسة محدودية الخدمات المتوفرة للسجينات داخل السجن مما يتعارض مع أبسط قواعد حقوق الإنسان.


بلا تأهيل


كما تشكو كثير من السجينات - بحسب الدراسة ذاتها – من طول فترة التحقيق معهن، وبقائهن لفترات طويلة دون محاكمة، ثم أن أأأأبقاء السجينة داخل السجن أكثر من فترة العقوبة المقررة يؤدي إلى شعورهن برغبة حقيقية في الانتقام من المجتمع والدولة بسبب الإهمال، سواءً في تطبيق القوانين أو في عدم وجود سياسات وبرامج لإعادة استيعابهن في مؤسسات خاصة لإعادة إدماجهن في إطار المجتمع.


وتؤكد الدراسة المذكورة آنفاً أنه لا توجد أي برامج للرعاية والتأهيل الحقيقي، وهو ما ينعكس بدوره سلبا على نفسيات السجينات واستمرارهن في سلوكياتهن السابقة، بل وتطوير مهاراتهن كما أسلفنا من قبل بسبب معايشتهن لذوات السوابق والخبرات الإجرامية الكبيرة داخل السجن.


أين منظمات المرأة ؟


أحمد زيلعي : طالب جامعي قال «...أتمنى أن أجد من منظمات المجتمع المدني العاملة في إطار حقوق المرأة من تولي السجينات جزءاً من الاهتمام الذي يتم إعطاؤه من قبلها للحريات السياسية للمرأة والدعوة إلى تمكينها من المشاركة في الحياة السياسية ودخولها الانتخابات، بحيث يكون لتلك المنظمات دور ملموس من خلال تبني قضايا السجينات إلى جانب الأنشطة التي ذكرت سابقاً، وكذا العمل على إخراجهن من السجون خصوصاً أولئك اللواتي انتهت فترة سجنهن أو اللواتي ليس عليهن جرائم تقتضي بقائهن داخل السجون، وذلك بتوكيل محامين ولجان خاصة بالدفاع عن السجينات...»


ويظل غياب الحقوق الإنسانية الحقيقية وانعدام برامج التأهيل للسجناء والسجينات ومحاولة إعادة الدمج داخل السجون وقوداً للاستمرار في الانحراف والسلوك الخطأ وعدم الاندماج في المجتمع لغالبية السجينات عقب خروجهن من السجن، واستمرارهن في الطريق الخطأ، إلا القليلات منهن