التلاعب بالمرأة في بلادنا



ياسين المصري
2019 / 8 / 24

حدثان يقعان في وقت واحد ويبعدان عن بعضهما البعض حوالي 3577 كم تبعًا لما أشار إليه الأستاذ جوجل،
الحدث الأول كان موضوع حلقة خاصة في قناة ”فرانس 24“، يقول المذيع:
« نعرض عليكم في هذه الحلقة الخاصة من برنامج هي الحدث تحقيقا حصريا فيه من الألم والوجع ما يكفي ليهز جبالا بحالها. هي قصة لاجئة إيفوارية نطلق عليها اسم مريم عمرها لا يتعدى الـ16 عاما. هربت مريم من قريتها برفقة أختها الصغيرة ذات الأعوام الستة، هربت من الفقر والعوز نحو أوروبا فوجدت نفسها جارية تباع وتشترى في سوق نخاسة في العاصمة الليبية طرابلس باعها أحد المهربين إلى رجل ليبي في الأربعينيات. رجل أقل ما يقال فيه إنه متوحش فقد سجن مريم وأختها في منزله ومنعهما من الخروج خلال أكثر من أحد عشر شهرا وواظب على اغتصابها والاعتداء
عليها جسديا ومعنويا.
https://www.france24.com/ar/20190802-2019-08-02-1510-هي-الحدث-ليبيا-تقرير-استعباد-جنسي-امراة-حقوق-هجرة?fbclid=IwAR0MN75qvXIP3-rVt74Gh1Gxxs8B4Ky7Tau2nEKUEOcG-tgeXDnuHfOh9WY&ref=fb_i
والحدث الثاني عن سيدة عراقية في الخمسينات من عمرها ظهرت في فيديو، نشره ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تتحدث عن واقعة تعرضها للضرب وسقوطها على الأرض من قبل ضابط إيراني في مطار مشهد، أثار غضبا واسعًا، ووثق الفيديو أثار كدمات واضحة قرب عين السيدة، التي أكدت أنها لم تعرف سبب تعرضها للضرب، متحدثة عن سوء معاملة أبداه الضابط الإيراني.
لمشاهدة الفيديو:
https://www.alhurra.com/a/الخارجية-العراقية-تعلق-بعد-فيديو-لسيدة-ضربها-ضابط-إيراني/509438.html
ما هي العلاقة التي تربط بين الحدثين رغم بعدهما الجغرافي؟
ما الذي جعل رجلين من بلدين مختلفين يقومان بالتعدي على كرامة المرأة وإذلالها بلا رحمة أو ضمير؟
لا شيء سوى الإلتزام بثقافة التلاعب بالمرأة القائمة على أيديولوجية دينية قديمة وبالية ولا إنسانية. والتلاعب على غير اللعب، يعني العبث واللامبالاة والاستخفاف بكل القيم الإنسانية. التلاعب همجي وفوضوي، واللعب مضبوط بقواعد وأسس، مع أن كلاهما له غاية وهدف.
للمرأة في بلادنا - بلاد العربان والمتأسلمين - وضعًا خاصًا يختلف تمامًا عن وضعها في جميع دول العالم من حيث الوسيلة، وتبرير الغاية لها؟
إنها هنا ليست كرة فحسب يتم ركلها في ملعب الرجال، بل هي الملعب ذاته، هي الفضاء الذي يتسع لفكرهم الصحِّي والمريض وتصرفاتهم الحميدة والمرذولة، وهي وسيلتهم وغايتهم في نفس الملعب، إنها هي الحاضنة لحالة لأضطراب العقلي والبلبلة الفكرية التي تعيشها مجتمعاتنا.
الغايات دائمًا واضحة ومحددة المعالم، بينما الوسائل التي تتاح لتحقيقها إشكالية في ذاتها، فغاية لاعب الكرة في الملعب هي تسجيل الأهداف، ولكن المشكلة هي كيف ومتى يمكنه ذلك؟. بمعنى أن الغايات إما شخصية أو عامة وإما ضارة أو نافعة (خيِّرة أو شرِّيرة)، بينما الوسائل فهي شخصية فحسب، وهلامية لاختلافها بشدة بين البشر، وترتبط إلى حد كبير بالثقافة السائدة وبالتعليم المتبع وبالخبرات الحياتية، وتتطلب قدرًا من الإنضباط وإعمال العقل وتعميق الفكر، فهي تنضوي تحت لواء الجدل والمراء الدائمين بيت الناس، وتخضع إما لنواياهم الخيِّرة أو لنواياهم الشريرة، فضلا عن مصالحهم العامة أو مصالحهم الشخصية. ومع أن ميكيافيلي كان يفترض أن حياة الإنسان تهدف دائمًا إلى الغاية الخيِّرة والنبيلة، لذلك قال بأنها تبرر الوسيلة، إلَّا أنه لم ينتبه إلى الوسائل التي يمكن أن تكون حقيرة ولا إنسانية وربما قاتلة ومدمرة، ولا يمكن أن تبررها غاية مهما كانت؟، مما جعل البشر على مر العصور يبتدعون لها ضوابط وقواعد وأسسًا ومبادئ وقوانين (حتى في اللعب نفسه) بهدف تحقيق حتى أبسط الغايات المرغوبة، ولكي لا يكونوا مثل الدب الذي أراد أن ينش الذباب عن وجه صاحبه (غاية) فرماه بالحجر (وسيلة)، وقتله!
قدماء المصريين انتفت عنهم خاصية الغاية والوسيلة في تعاملهم مع المرأة فلم يكونوا في حاجة على الإطلاق لوضع شرائع أو قوانين لتنظيم العلاقة معها، حيث لم تتعرض قط للأذى أو الإجحاف أو التمييز والعنصرية الجنسية، وإنما كانت تنعم بالمساواة وتنال حقها الإجتماعي دون قيد أو شرط. وكان لها الدور الأساسي في جميع المجالات، وتحظى بسلطة قوية على إدارة البيت والحقل واختيار الزوج، وتتمتع بمنزلة كبيرة في الحياة العامة والخاصة. وبحق البيع والتجارة والتملك والوراثة والتوريث وحضانة الأطفال. وبلغت مكانتها القصر الفرعوني، فكانت ملكة تشارك في الحكم وتربي النشأ ليتولى العرش، كما كانت تشارك في المراسم الكهنوتية في المعابد. كانت علاقتها بالرجل علاقة شراكة وممارسة طبيعية للحياة وللمشاعر والرغبات المتبادلة بمبادرات من الطرفين لا يحدها سوى الاحترام والتقدير. ويلاحظ المرء في التماثيل والرسامات الجدارية الكثيرة التي تركوها لنا أن الزوجة تظهر وهي متأبطة زوجها أو تلف ذراعها حول خصره، كعلامة صريحة على الوفاء والود والإخلاص.
ولم تكن تضحيتهم بامرأة كل عام للنِّيل إلَّا تعبيرا عن مكانة المرأة بينهم، إذ يضحون بالأفضل والأجمل لديهم في سبيل الحصول على رضى الآلهة. وكان للإناث دور كبير في تعدد آلهتهم، منهن هاتور وإيزيس وموت وتفنوت ونوت وغيرهن.
وقد ورد في النصوص الدينية المصرية القديمة أن كلا الزوجين يلحق بالآخر بعد الموت، ليهنآ معًا بالحياة الأبدية، خاصة عندما تكون أعمالهما في الحياة الدنيا أعمالا طيبة، فتمنح لهما في الآخرة حديقة (جنة) يزرعانها سويا ويعيشان من ثمارها ويستمتعان بجمالها بعيدًا عن تعب وعناء الحياة الدنيا، إذ يمكنهما نداء خدم مخلصين يسمون "وجيبتي" أي المجيبين أو المستجيبين فيساعدونهما في أعمال حياتهما الأبدية.
في ذلك الوقت الموغل في القدم وبينما كان التعامل بين الرجل والمرأة في مصر الفرعونية راسخًا وقويًّا ويتم على قدم المساواة بينهما، دون النظر إليها على أنها وسيلة أو غاية، كانت المرأة في المجتمعات الأخرى خاضعة في الغالب لقدسية "الأمومة"، وكانت في البداية لها السلطة العليا في كل شيء. ولكن ومع مرور الزمن وانحراف البشر وتعرضها للأذى، أي إختلال وسائل التعامل معها، تحول وضعها من الحرية المطلقة إلى الاحتجاب المُبَرَّر شرعًا. فبدأت تظهر الشرائع والقوانين المحدَّدة لتلك الوسائل في بلاد الرافدين (العراق حاليًا) على يد ملك السومريين أورنامو (نامو من مدينة أور) في حوالي 2100-2050 ق.م، راجع رابط فيكيبيديا التالي:
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/قانون_أورنامو
ثم أعقبتها شرائع وقوانين أخرى أهمها شريعة أو قانون حمورابي بهدف حمايتها من الأذى والحفاظ على حقوقها وكيفية التعامل معها في حالات الزنا والطلاق ومعالجة شؤون الأسرة وحقوق الأفراد … إلخ. فرض القانون ارتداء الحجاب على طبقة النبلاء وميّز “البغايا المقدّسات” في بابل في طبقات، وألزمهنّ بالزواج من آشوريين فحسب، وأن تبقى الأرامل والزوجات والنساء الآشوريات الحرات محجبات في الشوارع، وإذا خالفت إحداهن هذه القوانين أمُر الرجل بضربها بالخيزران أو قطع آذنها، ومنعها من الخروج من المنزل، أما العاهرة والجارية فلا تحجّب نفسها، حتى لا تتعرض لعقوبات قاسية حيث تجلد خمسين جلدة ويصب القار على رأسها، أو أن يقوموا برجمها وسجنها، وبيعها في أسواق النخاسة وخاصة في سوريا والعراق.
ومع أن تلك الشرائع أو القوانين لم تحرمها من حقوقها بالمطلق، لكنها لم تضعها على قدر المساواة مع الرجل، فظلت بالفعل مواطِنة من الدرجة الثانية. وكانت قيمتها، بحسب التصوّر السائد، تكمن أساسًا في دورها المفترَض كحاضِنة لبذور الرجل. وبناءً عليه، كانت حياتها الجنسية تخضع لرقابة مُحكَمة من أسرتها؛ فطهارتها وإخلاصها مسألةٌ مرتبطة بشرف العائلة. ومع أن بلاد آشور في هذا السياق كانت تملك قواسم مشتركة كثيرة مع ممالك أخرى في تلك الحقبة، إلَّا أنها كانت تتفرّد بهمجية كبيرة في فرض القانون والطريقة التي يُطبَّق بها على المنظومة الأسرية والاجتماعية.
وجاء الملك الأشوري تغلات فلاصر الأول (1076 - 1114 ق.م) ليزيد التفرقة الاجتماعية ضد المرأة ويرسخ التمييز بينها وبين الرجل بحجة حمايتها عند الخروج من المنزل أو عند غياب زوجها، فكان من أوائل الملوك الذين استخدموا الإرهاب والمعاملة الهمجية للمرأة لغايات سياسية، وذلك كسلاح من أسلحة الدولة، فصدرت في عهده مدونة قانونية عن المرأة جاء فيها أنه: "إلى جانب العقوبات التي تُفرَض على الزوجة [المشار إليها آنفاً]... بإمكان الرجل أن يجلد زوجته، أو يقتلع شعرها، أو يبتر أذنَيها، أو يضربها، ولا تترتّب أي عقوبات عن سلوكه هذا".
من المتبع لدي أية سلطة حاكمة - عندما تواجه أزمة تهدد وجودها - أن تسخر كل الموارد والإمكانيات للهدف الفوري المتمثل في إحكام سيطرتها على البلاد وإخضاعها للعباد لضمان بقائها، عندئذ يصبح التبرير الأيديولوجي (الديني حصريًا) ضروريًا لهذا النضال الوجودي، مستحضِراً في ذلك صراعاً مانوياً بين الجهل والمعرفة أو النور والظلام أو الخير والشر أو الحلال والحرام. وفي مثل هذا السياق السياسي يجرد الأشخاص من حقوقهم، ويستخدمون لأغراض سياسية معينة، وهذا الواقع يطال بشكل خاص المرأة إذا كانت مغلوبة على أمرها، أو هي على الأقل في موقع ضعف بنيوي، فتكون أكثر عرضة للاستغلال.
مزيد من التفاصيل في مقال الباحث الألماني ”روبرت باين“، بعنوان : ”المرأة والأصولية والإرهاب: أصداء من بلاد آشور القديمة“ على الرابط التالي:
https://lb.boell.org/ar/2017/02/15/lmr-wlswly-wlrhb-sd-mn-bld-ashwr-lqdym
بطبيعة الأحوال لم يكن وضع المرأة في الثقافات الأخري بأفضل من ذلك، فقد عاشت في العهد الإغريقي مسلوبة الإرادة ولا مكانة اجتماعية لها، وحرمت من الإرث وحق الطلاق ومنع عنها التعلم. وما عدا مدينة إسبارطة اليونانية، وبسبب انشغال الرجال بالحروب والقتال منحت المرأة فيها بعض الحقوق والمكاسب التي ميزتها على النساء في بقية المدن اليونانية. وفي العصر الروماني حصلت المرأة على حقوق أكثر مع بقائها تحت السلطة التامة للأب أو لحكم سيدها أن كانت جارية، أما المتزوجة فقد كان يطبق عليها نظام غريب هو: إما أن تكون تحت سلطة وسيادة الزوج أو أن تعاشر زوجها وتبقى مع أهلها وتحت سيطرتهم.
أما في الصين فقد عانت المرأة من ظلم كبير، فقد سلب الزوج ممتلكاتها ومنع زواجها بعد وفاته، وكانت نظرة الصينيين لها "كحيوان معتوه حقير ومهان". وفي الهند لم تكن المرأة بحال أحسن فقد كانت تحرق أو تدفن مع زوجها بعد وفاته.
وفي فارس منحها زرادشت حقوق اختيار الزوج وتملك العقارات وإدارة شؤونها المالية.
وجاءت اليهودية لتُنصِف الرجل على حساب المرأة، لأنها هي التي بدأت بالمعصية (خرافة آدم وحواء وطردهما من الجنة) فكانت هي المسؤولة عن الخطيئة البشرية الأولى، ومن ثم عاملتها معاملة "الغانية" و"المومس" و"المخربة للحكم والملك"، ولم تخلُ كتبهم الدينية من الاستهانة بها وتحقيرها ومنعها من الطلاق دون موافقة زوجها. في حين بإمكان الزوج أن يطلقها إذا ما اختار ذلك.
المسيحية اعتبرت المرأة والرجل جسدا واحدا، لاقوامة ولاتفضيل بل مساواة تامة في الحقوق والواجبات. واعطت لمؤسسة الزواج تقديسا خاصا ومساواة في الحقوق بين الطرفين. ولكنها حرمت الطلاق وتعدد الزوجات، الأمر الذي أوجد ثغرة لابتزاز أحد الطرفين للطرف الآخر في حال عدم التوافق بينهما.
الإسلاموية نشأت في بلاد الفرس على أيدي مجموعة من اليهود المنشقين الهاربين، وتمت بلوتها وصياغتها بشكلها الحالي فيما بعد في العصر العباسي الأول في العراق،
راجع كتاب ” الإسلام جاء من بلاد الفرس“ على العنوان التالي:
https://www.4shared.com/web/preview/pdf/gbkhNw0Oee?
أو
http://download963.mediafire.com/eb50fmhvigrg/snc121oanvast49/%E2%80%8E%E2%81%A8الإسلام+جاء+من+بلاد+الفرس%E2%81%A9.pdf
لذلك نجد بين الشرائع الثلاث: الأشورية واليهودية والإسلاموية قاسمًا مشتركًا، فجميعها أبصرت النور من رحم العنف في نفس البيئة السياسية التي تتسم بالقسوة وعدم الاستقرار، حيث كان النجاح العسكري فيها ولا يزال شرطاً أساسياً للبقاء. كل منها كان ولازال مشروعًا سياسيًا عسكريًا بغطاء أيديولوجي ديني، وتستخدم الإرهاب لمضاعفة القوة من أجل تعزيز مآربها السياسية. وليس من الغريب أن وزر الأذى الأكبر في هذه المشاريع السياسية الثلاث تتحمّله المرأة لكونها تشغل الموقع الأضعف على المستوى البنيوي في مجتمعات قائمة على نظام أبوي أو ذكوري شديد الوطأة.
في الإسلاموية وهي الديانة الأخيرة، والمفترض أن تعمل على إنصافها وإعادتها إلى وضعها الطبيعي في المجتمع، تغير كل شيء، وزادت الطين بلة كما يقولون، على العكس تمامًا لما يزعمه رجال الدين والفقهاء المتأسلمون. هنا تجدر الإشارة مرة أخرى إلى أن كل شيء يقال في الديانة الإسلاموية كذب وتلفيق وتدليس، وأن العكس منه هو الصحيح بالمطلق. ففي سعيهم لتبخيس ما قبل التأسلم والذي يسمى بالجاهلية والرفع من شأن الإسلاموية، يقولون بأن الإسلاموية كرَّمت المرأة، وحسَّنت وعزَّزت حقوقها، إلَّا أن النصوص الدينية المقدسة صريحة وواضحة في قول غير هذا، والواقع يشير بوضوح إلى العكس تمامًا.
ففي ما يسمونه بالجاهلية كانت المرأة تشارك بفاعلية في الحياة الاجتماعية والثقافية بما فيها الدعارة لصاحبات الرايات الحمر، وكما كان الحال في العالم آنذاك سبيت وبيعت واشترت، بالضبط كما بيع العبيد من الرجال. وكانت لها حقوق كثيرة مثل التجارة وامتلاك الاموال والعبيد، كما كان الحال مع خديجة زوجة محمد. وكان لها الحق في اختيار الزوج أو رفضه. وكان منهن الشاعرات المشهورات. كما تولت الكثير من النساء الحكم في بعض مناطق شبه الجزيرة، مثل الملكة زنوبيا في تدمر أو الملكه بلقيس في اليمن.
ومَع دخول البدو العربات إلى البلاد المجاورة لهم واحتلالهم لها وسلب ثقافتها وتجريد شعوبها من هويتها الوطنية، بدأ وضع المرأة يتخذ شكلا آخر يتسم بالتخلف والانحطاط من ناحية وبدأت وسيلة التعامل معها تعاني من الاضطرابات والتناقضات من ناحية أخرى، مما يجعل المتلقي أما أن يقف حائرًا بين الحلال والحرام أو أن يتخذ قراره بنفسه دونما اعتبار لما يترتب عليه من عواقب.
دعونا أولًا نقرأ، بعض آيات التلاعب القرآنية بالمرأة المتأسلمة، ونحاول أن نفهم:
يقول القرآن: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهم درجة}. البقرة 228
ويفسر ابن كثير (1/363) بقوله :
" أي : ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن ، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف.
عظيم جدًّا، ولكن المشكلة في: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ}
هنا يقول الشيخ ابن عاشور ، في "التحرير والتنوير" (1/643) :
" إن في هذا الاهتمام مقصدان :
أحدهما : دفع توهم المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق ، توهما من قوله آنفا ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ).
إذن المساواة بينهما وهم!
وثانيهما : تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص؛ لإبطال إيثارهم المطلق الذي كان متَّبَعا في الجاهلية. 
إذن لا تقديم ولا تفضيل لها على الرجل بل العكس!
فكيف إذن يحدث المعروف بينهما؟
https://islamqa.info/ar/answers/134114/تفسير-قوله-تعالى-ولهن-مثل-الذي-عليهن-بالمعروف
الآية مثل طبخة جيدة، بعد نضجها تم وضع التراب عليها، فلم تعد تصلح لتناولها.
{ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24]
هذه الأية فسرها الشيعة على أنها تصريح بزواج المتعة، بينما السنة يتخبطون في تفسيرها، على أساس أن المقصود بالأجر هو المهر، وفي كل الأحوال هي تصريح بالدعارة.
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ … وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. [النساء: 34]
يقولون بأن الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن، فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم. فالرجل قَيّم على المرأة، أي: هو رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدبها!
ويفسون {واللاتي تخافون} (مجرد الخوف من النشوز، قبل وقوعه)، على أنها (واللاتي تعلمون نشوزهن)،
و{ نشوزهن } على أنها تعني : استعلاءهن على أزواجهن، وارتفاعهن عن فرشهم بالمعصية منهن.
هجرهن في المضاجع تعني لدي المفسرين أن يرقد عندها ويوليها ظهره، ويطأها (ينكحها) ولا يكلمها!
أما ضربهن فيكون ضربا غير مبرح. حديثًا تفزلك شيخ الأزهر ”الطيب“ بقوله: يضربها بالمسواك أو بفرشة الأسنان، هكذا!
طبعًا القرآن لم يتحدث عمَّا تتركه الإساءة إليهن من أثر سيّء في نفوسهن، فضلًا عن الإساءة إليها باللفظ.
وإذا كان من آيات كاتب القرآن { أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } [الروم: 21]،
فلماذا كل هذا العناء في معالجة الدوس بأقدام الرجال على المودة والرحمة المزعومتين ومعاملتها بازدراء واحتقار؟
التحقير هنا واضح وصريح، مهما تبارى المفسرون في التلفيق والتدليس:
{ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } [البقرة: 282].
القارئ المحايد والمتعمق والمثابر للتراث الإسلاموي يدرك مدي تفشي الفاحشة في بيت النبوية وفي المجتمع المتأسلم من حوله بسبب موقف النبي من النساء، فجاءت آيات كثير لمعالجة هذا الأمر، منها على سبيل المثال:
{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} [الأحزاب:32 و33]
يقول المفسرون يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال
فَلَا تَلِنَّ بِالْقَوْلِ لِلرِّجَالِ فِيمَا يَبْتَغِيه أَهْل الْفَاحِشَة مِنْكُنَّ.
كما نجد في القرآن آية واضحة تمامًا في تحديد الوسيلة تقول: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } (البقرة 223) ولكن كما هو الحال في جميع النصوص الإسلاموية المقدسة أزيح بها إلى الإبهام والالتباس ليخرج المتلقي من تفسيرها خالي الوفاض ولا يبقى له إلَّا ما يفعله هو بنفسه. راجع الرابط التالي:
http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura2-aya223.html
وما يفعله المرء بنفسه يتم دائمًا خلف الجدران وربما في الظلام الدامس، ولكن لابد وأن يكون برضا الطرف الآخر الذي هو الوسيلة والغابة في نفس الوقت. إن عدم رضا المرأة يحقق غاية ما للرجل وقتية مبتورة لأنه يفسد الوسيلة بالمطلق، فالثقافة الإسلاموية ترخِّص صراحة لذكور العربان بأن يأتوا نساءهم من حيث شاؤوا، وليس من حيث شئن؟ وفي هذا تجريد صريح للمرأة من الغاية، وجعلها خاضعة للوسيلة!
عندما يتجرد الملعب من الغاية ويخضع فقط للوسيلة، يصبح اللعب فيه مجرد فرضي، والوسائل مجرد همجية تتعدد بتعدد الأمزجة والأهواء. وهي همجية ليست غاشمة فحسب، بل وحرب نفسية مدروسة الهدف منها الإلتزام بثقافة التلاعب بالمرأة القائمة على أيديولوجية دينية قديمة وبالية ولا إنسانية، وبدلا من وضع الضوابط، توضع العراقيل والقيود للمرأة في الغالب والأعم.
الإنسان في هذه المجتمعات لا يتلقى التربية على أساس إنساني، بقدر ما يتلقاه على أساس ديني هش وقابل للكسر، حتى أصبحت المرأة المتأسلمة نفسها تستملح وتحب التلاعب بها مادام الملعب بين يديها وفي جسدها.
قد يقول البعض إن العنف ضد المرأة والنيل من حقوقها وتجريدها من إنسانيتها وسلب كرامتها مازال يمارس في العديد من المجتمعات بالرغم من التقدم الكبير الذي يشهده العالم حالياً، ولازالت الكثير من المجتمعات تفتقر إلى العدل والمساواة بين الرجل و المرأة حتى في الدول الأكثر ديمقراطية. وهذا صحيح إلى حد ما، فالعديد من دول العالم الحر تخلصت من أهم إشكالية في العلاقة بين الرجل والمرأة وذلك بعزل معاملتها كسلعة في عالم الدعارة المقننة والمراقبة سلوكيًا وصحيًا بدقة شديدة، وفي كل الأحوال يتم التعامل معها كإنسانة حرة لها كرامتها على قدم المساواة مع الرجل، وتحت رعاية الدولة وحماية صارمة من القانون. بينما في مجتمعاتنا التي مازالت تُجرّم الحب، وتحتقر الجنس، تكمن المشكلة في أنّ الثقافة الدينية واللإنسانية الطاغية قد اختزلت الغاية والوسيلة في مجرد صفقة، المرأة فيها هي الجسد والجنس والغنيمة والرجل يمكنه الاستحواذ عليها إما بالمال أو بالعنف، والمرأة من جانبها تنظر لنفسها على أنها مانِحة للجسد والجنس والغنيمة في مقابلٍ المال، حتى في الزواج، فتقدّم للرجل خدمة المتعة وكأنها في بيت دعارة؛ هناك يعطيها مقابل الخدمة أجرًا، وهنا المقابل زواجا بالأجر! وما عدا ذلك الاغتصاب بالقوة، العلاقة غالبًا جنسية، تحت شعار "منْح بالمال أو أخْذ بالعنف "، بالتأكيد ليست كل القواعد عامة بالمطلق، ولها استثناءات فردية، فالأمر برمته يتوقف على ما إذا كان المرء يلتزم بالثقافة الدينية الغاشمة التي يعيش بين أحضانها أو أن ينسحب منها بهدوء.
إن أكثر ما تقوله المرأة في مجتمعاتنا حال الخلاف مع زوجها أنها ضحت بكل شيء من أجله وسلمته نفسها وأعطته جسدها، وكأنها بضاعة يستلمها مقابل شرائها. ومن ثم تحوّل الارتباط "العاطفي" لعمل ميكانيكي يَشترط المنح مقابل الدفع.
والبضاعة يجب أن تختفي خلف غلاف كثيف عن الأعين الزائغة والنفوس الجائعة والوحوش الضارية، فالتغليف أهم من المحتوى.
من الطبيعي لمثل هذه الثقافة أن ترهق الشباب والشابات وتنهك قواهم العقلية، فلا عجب إذا ظهرت علينا ممارسات لم نعهدها من قبل ليس أقلها التحرُّش اللفظي والجسدي والاغتصاب المعنوي والمادي، والضلال المبين من ليبيا إلى إيران وما جاورهما.