الاعلام وجرائم قتل النساء في المجتمع المحافظ



فراس عوض
2019 / 9 / 2


خبر قتل امراة يمر مرور الكرام في المجتمع التقليدي، وعادة ما تكتفي وسائل الإعلام بنقل الخبر دون إعطاءه مساحة كافية لإبراز خطورة الظاهرة و بيان أسبابها وكيفية الحد منها، بل هناك اعلاما واعلاميين يزيدوا الطين بلة، ومنابر تحرض الذكور على النساء بربطها مفاهيم الرجولة بالهيمنة والسيطرة على المراة، سواء منابر دينية او عرفية، فتبرز الذكورية السلبية وتعززها بدلا من ابراز المنظومة القيمية والشرف باعتبارها قيم جوهرية للإنسان، بوصفه انسان، سواء كان رجلا او امراة، وينشغل المجتمع بتفاصيل براءة المراة من عدمها بدلا من رفضه جريمة القتل من اساسها مهما كان الفعل.
الشرف قيم للإنسان وليس لجنس دون آخر، ولا سيطرة او أفضلية جنس على آخر، وما يعاب على المرأة بجب ان يعاب على الرجل من حيث المبدأ، ان كان ولا بد ان يصف مجتمع نفسه بالمحافظ، والقتل فعل مدان من حيث المبدأ.

يعتبر قتل المرأة أقصى درجات العنف ضد المراة، العنف القائم على الجنس او النوع، في مجتمع يعطي حق الوصاية للذكر على المرأة نتيجة اختلال موازين القوى التي تعززه الثقافة والاعراف الذكورية السلبية السائدة، و التي تمنح الرجل حق بسط نفوذه وسيطرته على جسد المراة بوصفها ضلع قاصر وجزء من ممتلاكته، يعكس مفهوم الشرف بقوة العنف ضد المراة! اكثر من ثلث الجرائم في الاردن ضحيتها نساء ، وخمس النساء الضحايا هن طفلات اقل من 18 عام، ثلث النساء الضحايا يتم قتلهن بذرائع الحفاظ عل الشرف او يسمى غسل العار، ولكن في الواقع تستخدم تلك الذريعة لقتل المراة لاسباب أخرى كحرمانها من الأرث مثلا! القاعدة الأسمى من كل ذلك، ان لا يجوز قتل انسان مهما كان الفعل الذي ارتكبه بحق نفسه هو، فهناك وسائل للتقويم والنصح في حال أسرة محافظة تعتبر الفرد عضو في عائلة وليس فرد فيها له حقوقه الطبيعية، على اقل تقدير.

من اهم اسباب قتل النساء العنف الاسري والخلافات العائلية، شكوك في سلوك الانثى، اي مجرد اعتقاد في نفس الجاني تجاه سلوكها وغالبا يكون اعتقاد خاطئ لا وجود له، خلافات نتيجة الفقر والحالة الاقتصادية ، الزواج المبكر، واسباب أخرى، كالخوف من فضح اغتصابها و مراودة الجاني للضحية.
اكثر من 86 بالمئة من مرتكبي جرائم القتل ضد المراة هم الذكور. كالاخ ، الزوج، الاقارب والاب، والنسبة التي ترتكبها نساء تكون بالاشتراك وتحريض الذكور، اكثر من80 بالمئة من الضحايا اللواتي يقتلن بداعي الحفاظ على الشرف ومحو العار هن بريئات مما اتهمن به، وخاصة بعد الكشف عليهن من قبل الطب الشرعي، للاسف ان العنف ضد المراة يواجه في احيان كثيرة بقبول مبطن يأخذ شكل الصمت وتبرير الجريمة، والذهاب لتجريم ولوم المرأة الضحية، حتى في غياب السبب، ويواجه بتسامح في مجتمع يعتبر فيه الرجل مناط به حماية الشرف، الذي يختزل في جسد المراة دون الرجل، وكأن الشرف شأن أنثوي خالص، الرجل يثأر والمراة تحمل شرف العائلة والعشيرة والقبيلة، جسدها ليس ملكها، بل امتداد للعشيرة والقبيلة، المراة تقتل لمجرد اعتقاد وشك في سلوكها والرجل تغفر نزواتهالجنسية دون ادانته ولومه وتجريمة لذات الفعل، وهنا يصبح المجتمع جاني ايضا!

القتل مرفوض شرعا وقانونا، مهما كان السبب، ولا يجب ان بتم تنفيذ اعدامات ميدانية باسم اعراف ظالمة يرتكبها ذكور مغرر بهم عادة وبمباركة شعبية، او بسبب فهم مغلوط للدين والقانون! لينصب ذكرا نفسه الشرطي الشرطي والحاكم والجلاد بمعزل عن القانون والأخلاق والتربية.

الحد من قتل النساء يكون بفك هيمنة و وصاية وسلطة الرجل على كيان المراة، والاعتراف بكينونتها واهليتها و هويتها المستقله عنه، واحترام تلك الكينونة، وعدم التمييز في الحقوق والمعاملة بين الجنسين منذ الصغر، في البيت والمجتمع، ومهما كان الفعل جسيما فهناك خيارات و وسائل قانونية واخلاقية وقيمية للتعامل مع اي سلوك، فالدين النصيحة، سواء في التعامل مع الذكر او الأنثى.

المراة كائن لم يخلق ليقتل ولم يخلق ليهان ولم يخلق ليتم اعتبارها انسان او مواطن من الدرجة الثانية، ولا انسان قاصر ولا ليتم التمييز ضدها في اي حق انساني طبيعي وميول عاطفية طبيعية، بل هي انسان كما الرجل، لها ما لها وعليها ما عليها على اساس حق المواطنة والإنسانية وحق الحياة وتقرير المصير، في القرن الواحد والعشرين، لا زالت المراة تقتل لأنها إمرأة!