النسوان في قلب العمليّة الانتخابيّة



امال قرامي
2019 / 10 / 2

يبدو أنّ هذه التصوّرات والممارسات ستستمرّ بالرغم من المشاركة السياسية المكثّفة للنساء من أجل انتزاع حقوقهنّ المواطنية.ففي مجتمعات تغلب عليها النزعة المحافظة، ويهيمن فيها الفكر الذكوريّ لا ينظر إلى المرأة باعتبارها مواطنة كاملة الحقوق تترشّح وتنتخب بملء إرادتها وتمارس حقّها في التعبير عن آرائها والدفاع عن اختياراتها بكلّ مسؤوليّة إنّما هي في نظر أغلب الفاعلين السياسيين، رقما في المعادلة السياسية وخزّانا انتخابيّا لا يستهان به، ووسيلة لطمأنة الناخبين «المرعوبين» أو المتردّدين. ولذلك وجدنا من يُطلب منها الترشّح في قائمة «عائلية» خدمة لمصالح/العشيرة/الأمّة، وعثرنا على من تُؤمر بخلع الحجاب أو التمسّك بلبسه وفق السياق: الانتخابات البلدية أو الانتخابات التشريعيّة، وعاينا كيف تُختار هذه المترشّحة لتتكلّم باسم الحزب وتقصى أخرى لأسباب تتصل بـ«التكتيك» لكسب معركة الظهور الإعلامي، ورأينا من يمنع النساء اللواتي يخضعن لقوامته من زوجة وابنة وأخت من التصويت الحرّ ويجبرهنّ على انتخاب من يرى أنّه الأفضل موسّطا سلطة النصّ المقدّس لضمان طاعة النسوان.

وبما أنّ العلاقات الجندرية قابلة للتغيير وفق الرهانات الجديدة والسياقات المتعدّدة وموازين القوى فإنّ وسائل فرض إرادة الرجال قد تنوّعت من دورة انتخابيّة إلى أخرى. فقد استمعنا إلى من يهدّد بقطع النفقة، ومن يدعو إلى سرقة بطاقات التعريف الخاصّة بالنساء «المتمرّدات» إذ لابدّ من تنزيل عقوبة على العاصيات/الناشزات. والواقع أنّ العلاقات القائمة على التسلّط والهيمنة لم تقتصر على الفضاء الأسريّ إذ استمرّ العنف المسلّط على المترشّحات والناخبات على حدّ سواء في الواقع اليوميّ وفي الفضاء الافتراضيّ. فكم من رئيس حزب فرض ترشيح رجل على رأس القائمة ضمانا للانتصار، وكم من رجال هدّدوا بالانسحاب من الحزب إن اختيرت امرأة على رأس القائمة أو كانت الناطقة الرسمية باسم الحملة الانتخابية، وكم من سياسيّ سخر من ترشّح النساء لمنصب رئاسة الجمهوريّة، وكم من مؤامرات حيكت لتشويه هذه المترشّحة لإزاحتها من موقع الصدارة.

بيد أنّ التدخّل في إرادة الناخبات ومصير المترشّحات له أكثر من بعد ويتجلّى في صور مختلفة: من الأمر والنهي، والتهديد إلى التلاعب بعقول من ينظر إليهنّ على أساس أنّهنّ ناقصات عقل ودين أو أميّات أو جاهلات أو مكدودات لا يعين ما يجري من حولهنّ...، وهو تدخّل لا يقتصر،في الواقع، على الرجال .فمن خصوصيات انتخابات 2019 أنّها كشفت عن هيمنة أنثويّة معبّرة عن دخلنة intériorisation النساء للمعايير والقيم الذكورية. فرأينا من تتآمر فتسطو على حزب أنشأته أخرى، وتابعنا من توظّف الخطاب العدائيّ لإزاحة الخصم، ورصدنا من تستبدّ بالرأي وتفرض إرادتها مبرّرها في ذلك أنّ من يملك المال يهيمن...

ولئن عرفنا بروز بسمة الخلفاوي ومباركة البراهمي على الساحة السياسية في محاولة للضغط على السياسيين حتى تُكتشف الجهة التي «هندست» الاغتيالات فإنّ خروج «سلوى السماوي» كان لاستكمال مسار زوجها السياسيّ «الضحيّة»، وهو حضور نوعيّ قائم على مهارة الأداء، performance وبلاغة التواصل مع المنسيّات.. .

وهو أمر يلفت الانتباه إلى مسألتين: أوّلهما: تفوّق المرأة على زوجها على مستوى المحاججة، ولغة التخاطب مع الكادحات، وقرب المسافة التي توحي بسدّ الفجوة بين الطبقات، وثانيهما دخولها في لعبة تبادل الأدوار وانتزاع السلطة حتى أنّ بعضهم/هنّ اعتبر أنّه كان من الأجدى أن تكون هي مرشّحة حزب قلب تونس.

وبقطع النظر عن نوايا «السماوي» وتمثّلها للمهمّشات، واستغلالها لهنّ من عدمه فإنّ «الدهاء» السياسيّ لا غبار عليه إذ كانت التمثلات التي تقرن المرأة باالطبيعة/العاطفة/الرعاية حاضرة بقوّة في أدائها على أرض الواقع، وكان إصرارها على التسربل بثوب «مرت نبيل» العطوفة على المساكين والمبلّغة لرسالة زوجها إلى المكدودات «نبيل يسلّم عليكم ويقوللكم آش عاملين في رجوع أولادكم للقراية» مطمئنا المجتمع المحافظ/البطريكي الذي يخشى امرأة دخلت عالم السياسية الذكوريّ بامتياز، فاستأسدت.

وبين أنموذج استدرار العطف والحنان وأنموذج «الاسترجال»، وإرادة الهيمنة مسافة واضحة تدعونا إلى التدبّر بجديّة في أشكال حضور النسوان في المعارك السياسية القادمة فهل بإمكان التو