قانون واحد للأسرة المصرية



نوال السعداوي
2021 / 3 / 23

العلاج الناجع الوحيد لأوجاع وأمراض الأسرة المزمنة المستعصية فى بلادنا هو إصدار قانون واحد للأسرة المصرية، يتسق مع الدستور المصرى، الذى يساوى بين جميع المصريين بصرف النظر عن الجنس والدين والطائفة والمذهب والطبقة وغيرها، ليست هى الأحوال الخاصة بالنساء والأطفال أو بالأسرة، فالأحوال الخاصة لا تنفصل عن الأحوال العامة، إنها حياتنا الكلية، نساء ورجالا وأطفالا من جميع الطبقات والعقائد والأديان والطوائف.

اتضح، منذ القرن الماضى، أن قانون الأسرة أو قانون الأحوال الشخصية فى مصر من أسوأ القوانين فى العالم، للمسلمين والأقباط معا، وكم تهدر حقوق الملايين من الأطفال والأمهات فى أغلب الأحيان، وحقوق الآباء فى بعض الأحيان.

كتبت كثيرا، منذ صدور الدستور الجديد، عن ضرورة إصدار قانون جديد واحد للأسرة المصرية، لا يفرق بين المواطنين والمواطنات لأى سبب يتعلق بالجنس أو الدين أو الطائفة أو الطبقة أو غيرها، فالدستور المصرى ينص على المساواة الكاملة بين المواطنين، فكيف يتناقض قانون الأسرة مع الدستور رغم أن الأسرة هى نواة المجتمع والحجر الأساسى للدولة؟ وشرحت كيف يعالج القانون الواحد الموحد أمراض الأسرة المصرية المزمنة، المسلمة والقبطية، ويحرر الأطفال والنساء من العبودية والهوان، ويمنع النزاعات العائلية والفتن الطائفية،

وقد أرسلت المنظمات والجمعيات المختلفة عددا من المشروعات الجديدة إلى البرلمان المصرى، منذ القرن الماضى وحتى اليوم، لإصدار قانون للأسرة أقل ظلما أو أكثر عدالة، دون جدوى، لماذا؟

لأن بعض السلفيين، من رجال الدين الإسلامى والمسيحى، يعترضون على أى تعديل للقوانين القائمة، تحت اسم عدم المساس بثوابت الدين، رغم أن ثوابت الدين هى العدل والكرامة والصدق والإخلاص، والتى هى غائبة تماما من قانون الأسرة المصرى الحالى.

تتراجع الحكومات المصرية والبرلمانات المتتالية أمام سطوة بعض رجال الدين، رغم مآسى الأسرة، التى نشهدها بالمحاكم والمستشفيات والملاجئ والشوارع، وكم من ضحايا تعدد الزوجات والطلاق الغيابى والشفهى والتلاعب بأمور النسب والولاية التعليمية والرؤية وغيرها، مما يهدر حق الطفل أولا، وحق الأم ثانيا، وحق الأب ثالثا، وحق الأسرة والمجتمع كله، لا يستفيد من القانون الحالى العبودى إلا بعض الفاسدين من الرجال، الذين يستغلون الدين من أجل مصالحهم الفردية الخاصة، يستغلون زوجاتهم ونساءهم اقتصاديا وجسديا، ويضحون بمصالح أطفالهم من أجل إشباع نزواتهم الجنسية.

وهناك ظاهرة بالمجتمع بدأت منذ عقود، زادت خطورتها مع اشتداد الفقر والبطالة والغلاء، أصبح الرجل يتزوج ثلاث أو أربع نساء، يشغلهن خادمات أو عاملات بأى مجال، وإن كان غير أخلاقى، ويشغل أطفالهن أيضا، وهو قابع بالبيت يدخن الشيشة.

وهناك الموظف بالحكومة أو القطاع الخاص، الذى يحال إلى المعاش فينخفض دخله، وتزيد سنوات عمره، ويشعر برغبة فى تجديد شبابه وزيادة إيراده، فيرمى يمين الطلاق على زوجته التى عاش معها ثلاثين عاما وأكثر، ويرمى معها أولاده، ويتزوج شابة تعمل، تخفف من وطأة الشيخوخة والغلاء معا.

هذا التدهور الأخلاقى الاجتماعى يصاحب التدهور الاقتصادى التعليمى الثقافى، وتنتشر التجارة بكل شىء: بالدين وبالأعضاء البشرية والطب والمحاماة والقانون والإعلام، ويصبح الإنسان أرخص سلعة بالسوق، خاصة الضعفاء: النساء والأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة.

2019 / 10 / 20