الخيار الغذائي وهيمنة الأبوية ملامح أولية في رواية النباتية لهان كانغ



كادي حكمت
2019 / 10 / 23


تبدأُ الروايةُ بوصفِ البطلةِ "يونغ هي" بالمرأةِ العاديةِ جداً، فهي امرأةٌ غيرُ مثيرةٍ ولا ذكيةٍ ولا حتى ذاتِ وظيفةٍ تمنحها مركزاً اجتماعياً مرموقاً أو تهبها الأملَ بذلك. تقررُ "يونغ هي" تغييرَ نظامها الغذائي والتحولَ للنباتيةِ بسببِ "حلمٍ" إذ يستيقظُ زوجها ذاتَ ليلةٍ ليجدها قدْ ألقتْ بكلِّ اللحومِ المخزنةِ في ثلاجتهما بالقمامةِ ، الأمرُ الذي يدفعهُ للشكِ في قدراتها العقلية.
تُركزُ الروايةُ على معاناةِ النساءِ ؛ فالمرأةُ في المجتمعاتِ الشرقيةِ الذكوريةِ لا تملكُ من أمرها شيئاً ، حتى تحولها للنباتيةِ قدْ يخلقُ مشكلةً على مستوى الأسرةِ والعائلةِ بلْ والمجتمعِ كاملاً . يقابلُ زوجها قرارها بتغيير نظامها الغذائي بالرفضِ ويقابلهُ والدها بالصفعِ والتعنيفِ على مرأى زوجها والعائلةُ كُلِها. بلْ إنَّ والدةَ "يونغ هي" ستقدمُ الاعتذارَ مراراً وتكراراً لصهرِها بسببِ تحولِ ابنتها للنباتيةِ وإهمالِها واجبِها تُجاهَ زوجها وصحتهِ وغذائهِ وتغذيتهِ ، ثمَّ يقعُ الطلاقُ وتُنقلُ "يونغ هي" للعلاجِ في مصحةِ أمراضٍ نفسيةٍ وعقليةٍ .
"يونغ هي" المرأةُ الصامتةُ المسالمةُ التي تنطقُ بجملٍ معدودةٍ طَوالَ أحداثِ الروايةِ تجدُ في العزلةِ والسكوتِ طَريقَتها الخاصةَ للتمردِ، فهي تتمردُ بالصمتِ على عنفِ البشريةِ بشكلٍّ عامٍ وعنفِ عائلتها (والدها) بشكلٍّ خاصٍ ، تتمردُ على ذلكَ العنفِ بتحريمِ اللحومِ على نفسِها كما تتمردُ على العُرفِ، بخلعِها المستمرِ لملابسِها وكشفِها المستمرِ عن صدرها وتتمردُ على الوجودِ بمحاولتِها الانتحارَ بشكلٍّ مباشرٍ مرةً ، وبطريقةٍ غيرَ مباشرةٍ حينَ تقررُ التحولَ لشجرةٍ مرةً ثانيةً . إنَّ الروايةَ بالمجملِ تدورُ حولَ فكرةِ تمردِها كامرأةٍ ، لكنهُ تمردٌ فريدٌ مِنْ نوعهِ ، تمردٌ بلا ضجيجٍ ، حيثُ تواجهُ العنفَ بالسلامِ والصخبَ بالصمتِ والتحريمَ برسمِ الورودِ.
العنفُ من المحاورِ الرئيسةِ التي يدورُ حولَها العملُ ويطرحُ التساؤلَ الأهمَّ : هل سينتهي يوماً عنفُ البشرِ وتطغى على البشريةِ صفاتُ البراءةِ والسلمِ ؟! في الروايةِ لا احدٌ يحاولُ إيقافَ العنفِ الموجهِ ضدَّ "يونغ هي" رغمَ استنكارِهم الداخلي لهُ ففي اللقاءِ العائلي لا أحدَ يحاولُ إيقافَ عنفِ الأبِّ الموجهِ ضدَّ ابنتهِ بلْ يتعاملُ معهُ الجميعُ وكأنهُ حقٌّ مشروعٌ لهُ . في نفسِ الوقتِ ، استنكرَ الجميعُ عنفَها ضدَٰ نفسِها حينَ حاولتْ الانتحارَ بقطعِ مِعصَمِها وحينَ توقفتْ عن تناولِ الطعامِ واكتفتْ بالماءِ وأشعةِ الشمسِ لتتحولَ بذلكَ (حسبَ قناعتها) إلى شجرةٍ و"تخرجَ –منْ وجهةِ نظرها- منْ مأزِقِ العنفِ البشري" كما تقولُ هان كانغ في أحدِّ مقابلاتِها.
تطرقتْ الكاتبةُ أيضاً للعنفِ الجنسي الذي تتعرضُ لهُ المرأةُ في المجتمعِ البِطرياركي على يدِّ الزوجِ. حيثُ يبدو اغتصابِ الزوجةِ أمراً شائعاً لا تواجههُ المرأةُ إلا بالصمتِ ومتابعةِ حياتها بشكلٍّ طبيعي في اليومِ التالي كأَنَ شيئاً لمْ يحدثْ رَغمَّ ألمِها ونفورها.
خلالَ أحداثِ الروايةِ تعودُ البطلةُ إلى طفولتها لتتذكرَ حادثةَ الكلبِ ، يعضها ذلكَ الكلبُ الذي كانتْ تتبناهُ العائلةُ فيعذبهُ والدها عقاباً لهُ حتى يموتَ ثمَّ يطهوهُ ويقدمُ لها طبقاً فيهِ قطعٌ منْ لحمهِ . فتبدو علاقةُ والدها العنيفةَ تجاهها تشبهُ علاقتهَ العنيفةَ بذلك الحيوانِ الذي أحبتهُ طفلتهُ وتأثرتْ بتعذيبهِ وقتلهِ وطهوه. ولعلَّ القارئَ يدركُ جيداً كمْ يبدو الأبُ شخصيةً عنيفةً وغاضبةً طَوالَ الوقتِ .فهل كانتْ الكاتبةُ ترمزُ بهِ لبطشِ وغضبِ وعنفِ المجتمعِ الأبوي عموماً؟!
بينَ السطورِ تطرحُ الكاتبةُ أهميةَ استقلالِ المرأةِ المادي. فشقيقةُ البطلةِ الكبرى امرأةٌ أكثرُ تحملاً للمسؤوليةِ ، وأكثرُ عقلانيةً ، وأكثرُ قدرةً على اتخاذِ قرارِ الإنفصالِ عن شريكٍ خانها وسببَ لها الأذى ، وفي حالِ قارناها بالبطلةِ "يونغ هي" سنجدُ الثانيةَ ، الحلقةَ الأضعفَ ، المتمردةُ بالصمتِ والتابعةُ وغيرِ القادرةِ على الانفصالِ عن رجلٍ يتحملُ هوَ تكاليفَ عَيشِهما ويمسكُ زِمامَ الأُمورِ ، لأنهُ صاحبُ المالِ . ولكنْ على الرغمِ منْ أنَّ الشقيقةَ ذاتِ استقلالٍ مادي وهي منْ تتحملُ الأعباءَ الماديةِ لحياتها هي وزوجها وابنها ، ومع أنها هي من يتكفلُ بمصاريفِ الاستوديو الذي يعملُ بهِ زوجها إلا أنها هي "التابع" فهي الأنثى في مجتمعٍ شرقي. تقومُ في الحقيقةِ بدورين وتديرُ شؤونَ حياتهِما وبيتهِما وتتحملُ تقريباً كاملَ المسؤوليةِ وتظلُ "التابع" مع ذلك.
الروايةُ تأخذكَ إلى عوالمِ الصراعِ بينَ العنفِ البشري والجنوحِ إِلى السلمِ بشكلٍّ عامٍ ، وصراعِ المرأةِ ومعاناتها وتمردها بشكلٍّ خاصٍ. من الجديرِ بالذكرِ أنَّ الروايةَ كانتْ في الأصلِ قصةٌ لذاتِ الكاتبةِ بعنوانِ " The fruit of my woman " حيثُ تتحولُ فيها البطلةُ لتصبحَ نبتةً ، ليضعها زوجها بعدَ ذلكَ في أصيصٍ يَسقيها ويعتني بها.