أحسن واحد في الدُّنيا!



مرثا بشارة
2019 / 10 / 23


"بابا أحسن أب في الدُّنيا"، "ماما أحسن أُم في الدُّنيا"، "إبني أحسن واحد في الدُّنيا" تُرى كم مِن المراتِ قولنا بعفويةٍ شديدةٍ وبدون مقدمات مثل هذه العبارات؟ بكل تأكيد جميعنا رددناها آلاف المرات وهناك مَنْ سيستمرون في تردديها إلى الممات، لأننا وببساطةٍ شديدةٍ لا نُدرك حجم ما تزرعه مثل هذه العبارات في دواخلنا من فوقية ونرجسية وتفاخر بالذات، حتى وإن لم نكن على حقٍ من أي وجه!
منذ الصغر تنشّئنا أمهاتنا على عبارة "أبوك أحسن أب في الدُّنيا" ظناً منهن بأن ذلك يأصِّل الولاء والإمتنان في قلب الصغار تجاه أبيهم، ثم تنسحب عبارة "أحسن واحد" على جميع الأحباء وكأن محبتنا لشخصٍ عزيز (أب أو أم أو زوج أو زوجة أو إبن أو صديق) أو ولائنا له لن يتحقق إلا عندما نقول عنه أنه الأفضل من دون الآخرين جميعاً! تلك الصورة المثالية وغير الواقعية التي قد يعيش الكثيرون على صداها، هي ذاتها التي تُصيبنا بالإحباط وتُفسد علاقاتنا بعضنا ببعض عندما تُخبِرنا تجاربنا المُتكررة مع مرور الأيام أن مَنْ نظن بأنهم الأفضل على الإطلاق، هم بشرٌ عاديون يخطئون ويفشلون ويكرهون ويسيئون التصرف.
فماذا لو تحليّنا بالمصداقية وحطَّمنا هذه الصورة الزائفة عن مثاليتنا، وعلَّمنا الطفل "أبوك إنسان، قد يُصيب وقد يُخطيء"؟ ماذا لو فكَّرنا جميعاً بأننا مهما اختلفت درجات الطيبة والتقوى الظاهرة مِنَّا إلا أننا بالأخير نحملُ بداخلنا بذرة فسادٍ إنساني لن يُنتزع إلا برحمة الله وفضله، وذلك دون فضلٍ مِنَّا في شيء؟
كُلنا بشر، تعني كُلنا لسنا مثاليين، فليس من بين البشر جميعاً مَنْ يجسر أن يقول بمليء الفم "أنا أحسن واحد في الدُّنيا"، عندما نفكر هكذا، سيقبلُ كلٌ مُنَّا الآخر دون أن ينظر له بتعالي، أو بالعكس، يتوقع منه أن يكون سوبر هيرو، حينها سنقول "أنا أُحِبُكَ كما أنت" وليس "أُحِبُكَ لأنك أحسن واحد في الدُّنيا".