نجاحات أم اخفاقات نسوية



بشرى ناصر
2006 / 5 / 25

لا يكاد واحدهم يلتقي بي حتى يبادرني بالسؤال : ماذا أرمي من وراء الكتابة في القضايا النسوية ؟ فأجيب بتسرع : لا أدري ؛ لكنني امرأة ..... فهل يكفي هذا كتبرير؟
وللحق أيضاً فأنني كامرأة تحصل على قدر من حريتها (قدر ضئيل) وتمتلك بوصلة تقودها نحو مكامن الخطر الموجه ضد النساء وتستشعره مما يدعوني للكتابة مجدداً في الشأن النسوي ؛ إذ أعي جيداً أن مجتمعاتنا العربية تمضي بتسارع نحو التغيير؛ والحراك السياسي والاجتماعي في بلدان الشرق الأوسط ينطلق بتطورات لاهثة متلاحقة ومع هذا لا زلنا نحمل شعار أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم فشموا ريحها فهي زانية .... ولا تزال جرائم الشرف؛ ولا زالت دعوات الحجاب بالابتزاز مستمرة ولا زال الرجل المتحضر جدا والمتحرر جداً يصرخ في وجه زوجته : لا (تطولي لسانك) إن جادلته وناقشته ....ولا نزال نقرأ ونسمع عن نساء طردهن أزواجهن للشارع لأنه مل منهن؛ ولا نزال نلتقي بنساء يتعذبن يومياً لهجرانهن بعدما استعذب رجلهن فتاة صغيرة تزوجها وجاء بها من الخارج ؛ولا تزال نساءنا تخاف الخادمة وتخشى أن يتسلل زوجها ليلاً اليها؛ولا أزال أبحث عن وسيلة لأسافر لدول الجوار بسيارتي ؛ ولا زلنا نحن النساء نتحرك بقرار سياسي نحو التغيير وهذا ما يحزن أكثر من كل الأشياء ... وأعي جيداً أن (وضع المرأة) هو الثيرمومتر الوحيد للمجتمعات إذ كلما نالت المرأة حقوقها كلما انتشلت المجتمعات نفسها من مظاهر التخلف والتردي فالمجتمعات ليست غير نوعين من بشر : ذكور وإناث .... وأعي جيداً أيضاً أن العناد هو أفضل حافز لتحقيق الحلم الهارب ...وأعي جيداً أن نادي (العولمة) لا يصنع حرية النساء ولا يبشر النساء بقيامات ولا حتى فتوحات ... لأن ما نحتاج اليه هو ذاك التغيير الحقيقي القادم من الداخل لا من الخارج أو بمعنى آخر: تغييراً في نمط التفكير والثقافة ؛ ولذا يفترض بالنخب أن تغير تفكيرها ومصطلحاتها لأننا نعيش انقساماً حاداً بين الاعتقاد والممارسة .... وهو بالضبط ما ينعكس على تعاملنا بين بعضنا البعض وبالتالي يتحمل مسؤولية النظر للنساء باعتبارهن مواطناً من الدرجة الثانية ...ولذا سيظل وضع المرأة العربية مرتبكاً ومتناقضاً طالما (واجباتها) كاملة لا تنقص بل تزداد تبعاً لدخولها سوق العمل بينما حقوقها قليلة ومتراجعة على مستوى (الكيف والكم) باستثناء بعض الإنجازات الصغيرة التي حققتها و يتصدرها (قانون الخلع) ؛ فقد كشف تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 عن الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي : أن الدول العربية تتصدر وبجدارة المرتبة الدنيا في مجالات (الحرية) و(دور المرأة في المجتمع) ؛ فقد قطعت المرأة شوطاً بالتعليم لكن مشاركتها اقتصادياً وسياسياً متدنية ؛ وهنا في بلادنا (على سبيل المثال) يرتفع معدل إلمام النساء بالقراءة والكتابة عن الرجل حيث بلغت النسبة : 85 % للنساء مقابل 4 ,81 % للرجال؛ كما لوحظ أن التعليم الجامعي في قطر للعام 2000 أن نسبة 38 % للبنات مقابل 13 % لللبنين ؛ ومع ذلك فلا تزال أوضاع النساء متردية فمشاركة المرأة في الاقتصاد العالمي تجاوزت نفس نسبة مشاركة الذكور إن لم تزد : 55 % بينما مشاركة المرأة العربية قدرت ب : 29 % فقط ... فهنا في قطر بلغت مشاركة المرأة القطرية في الاقتصاد : 16 % فقط ؛ أما المشاركة السياسية فلا تزال أغلب دول العالم العربي لا تشكل ولا تمثل فيها المرأة شيئاً ؛ ومع أننا هنا أيضاً في قطرقد فتحنا باب (التدريب ) لتهيئة وتكوين كوادر نسوية عربية على خوض الانتخابات الا أن نسبة النساء المقيدات في جدول الناخبين عندنا يصل الى 45 % من الناخبين بينما نسبة المرشحات فقط : 3 % .
وقد أظهر التقرير السنوي (للمرأة والرجل في قطر) أن أجورهم متساوية تقريباً ؛ وأن أغلب النساء القطريات يعملن بإجور حيث 95 % منهن يحصلن على راتب شهري بينما نسبة نساء الأعمال لا تصل لنسبة 5 % ؛ وقد أظهر التقرير أيضاُ ضعف تمثيل المرأة القطرية في المراكز القيادية ومراكز صنع القرار في القطاعين الحكومي والخاص .
لقد تحسنت أوضاع المرأة العربية عموماً والقطرية تحديداً بالنسبة للتعليم لكن مساهمتها في التنمية تكاد تكون هامشية ؛ فقد شهد العالم في العقود الأخيرة اعترافاً متزايداً بدور المرأة لكن دول عالمنا العربي تخطو خطوات بطيئة وقصيرة في هذا النحو؛ خاصة في شأن (التشريعات) التي تشمل النساء والتي تلحق ضرراً كبيراً نفسياً وجسدياً على المرأة ..... بعد ذلك دعونا نطرح سؤال : ما المقصود بعملية التنمية ؟
التنمية هي عملية تحول شاملة لكل مظاهر الحياة اقتصادية وسياسية وثقافية ... هذا لو استخدمنا مصطلح تنمية كبديل أو مرادف لكلمة نهضة ... ولتبدأ المجتمعات عادة نهضتها ومشوار تنميتها فإنها تنحو نحو التحرر الاقتصادي والذي يستوجب مشاركة النساء سوق العمل ؛ فعمل المرأة لم يعد ترفاً بل ضرورة ولكن كيف نخلق كوادر نسوية قادرة على المنافسة وقادرة أيضاً على المشاركة في العملية التنموية ؟
وإذا كان خروج المرأة للعمل لتشارك الرجل في تحمل تبعات الحياة فذلك لا يمثل نجاحاً أو مجداً تحصل عليه النساء ولا يمثل فتحاً مبيناً خاصة اذا رافق خروجها شروط تعسفية كارتداء النقاب (مثلاً)أو عدم الاختلاط بالذكور؛ فعمل المرأة العربية لا يعني تحريرها من عبودية المنزل بل عبئاً إضافياً يقع فوق كاهلها وهو بالدرجة الأولى عملية استغلالية وذات طابع نفعي ... وقضية المرأة أولاً وأخيراً قضية اجتماعية لا يجب ولا ينبغي معالجتها عبر الخطاب الديني .... وتبدأ حرية المرأة والنضال من أجل تحقيقها بإحداث تغييرات كبيرة في ثقافة المجتمع بدءاً من مرحلة الطفولة وتكريس سلوك التضامن والتماثل بين الذكر والأنثى وإعدادهما معاً لمواجهة المستقبل بنفس التبعات والتطلعات والأحلام وتساعد في تحقيق ذلك كل المؤسسات المدنية في المجتمع .