جمعيات سقط عتب



منهل السراج
2006 / 5 / 26

حقوق المرأة.. من أجل نهضة المرأة.. حرية المرأة..
وجمعيات نسائية من أجل..
تطلق النداءات على مواقع الانترنت وفي الصحف وفي النشاطات اليومية صباحاً ومساء. حملات لجمع توقيعات لتأييد هذه الشعارات والأهداف أو تلك.
الكل موافق. بلغ عدد الموقعين على أحد البيانات أكثر من مئتين خلال ساعات قليلة. لم أجد أحداً قال لا أريد أن أوقع، أو قال أنا ضد قضية المرأة.
قرأت الكلام الوارد في برنامج الجمعية الجديدة، وجدته مثل كل برامج الأحزاب والجمعيات التي مرت في التاريخ جميلاً ومقنعاً ومفصلاً بأماني وهمم متفائلة، تدفعك لاحترامها و مباركتها، وربّما تقرر الانتساب لإحداها.
فكرت: هل أنوي فعلاً أن أدعم هذا المشروع؟
ترددت فتريثت، ثم أجلت التوقيع. في اليوم الثاني قرأت برنامجهم من جديد. رغبت أن لا أوقع.
ورحت أقرأ الأسماء بفضول المرأة. فقفز إلى ذهني سؤال نسائي: ماهو عدد الذين يحترمون توقيعاتهم؟
يعني أنهم ينوون فعلاً تطبيق الأقوال الواردة على الأقل في حلقة حياتهم الأسرية؟
ما عدد الذين يؤمنون فعلياً بما أورده هذا البرنامج؟ أفترض أنّ معظم الموقعين يصدقون على الكلام الوارد فيه ويحترمون توقيعهم على هذا الكلام كقول فقط، لكن ما مدى إمكانية تطبيقه على أرض الحقيقة والواقع؟ وهل تكفي هذه الموافقات لتثبيت موقف أم مجرد تسجيل موقف؟
لعلّي أجزم، بعد الرصد والتفكير العميق، أن معظم الموقعين والموقعات لا ينوون فعلياً تغييراً جذرياً في حاضرهم.
ثم لمن يتوجّه هذا المشروع بالمساعدة؟ ومن سيستفيد من برنامجه؟ أفراد الجمعية؟ أم نساء أخريات؟ وهل يُتصوّر أن تأتي النساء المقهورات للقائمات به لنجدتهن؟ أم سيكون عملهنّ ميدانيّاً؟. أي يتجه للقيام بزيارتهنّ لتقديم النصح والإرشاد والتوعية. من أعطاهن حق التوعية؟ ومن يحدد شكل هذه التوعية؟ وما الذي يجعل أعضاء هذه الجمعيات متأكدات أن المصير الذي سيرسمنه للنساء مصير آمن؟ ثم ماذا حول الديموقراطية وحرية هؤلاء النساء في تقرير مصائرهن؟ وماذا حول العدد الأكبر من نسائنا ممن لا يرغبن بمن يضعهن أمام صراعات لا يحتملنها.
جمعيات نسائية عديدة. لا أدري فعلاً ما الأسس التي تميّزها، أوتلك التي تشكلت بموجبها؟ لعلّه التكوين البيولوجي لأعضائها؟ ولكن هل يمكن القبول بهذا الاختلاف البيولوجي البسيط سبباً للتمايز النضالي..؟
كيف لنا أن نقبل مقولة "نحن النساء"؟ ألا يعدّ هذا إقراراً ضمنياً بالتمييز بين الضحايا؟ ثمّ لماذا يجب أن نكون على الدوام ضحايا؟.
ربما يكون الجواب:
ـ نحن ضحايا، شئنا أم أبينا.
ـ ولكن هل يختصر المجموع النسائي بنموذج واحد؟ ألا تحتاج هذه المشاريع إلى لغة جديدة، غير لغة الحشد ثم الهجوم؟
من تحاربن؟ ومن استلب حرية المرأة؟
هل هو: الزوج؟ الأخ؟ الأب؟ الابن؟ صاحب العمل؟
لكن لا يوجد أحد مثل أحد، فهذا أخ متفهم وذاك متخلف.. لِمَ على هؤلاء النساء التجمع ومخاطبة هذا العدو؟ إذا افترضنا أنه عدو. لم لا تمضي كل منهن إلى هدفها؟ وهل هذا الواقع المملوء حتى الثمالة بالمتناقضات تنقصه هذه التجمعات والصراعات؟ لم علينا أن نختلق معارك إضافيّة، دون جدوى، وبخطاب واحد يلف النساء كلهن في إبط واحد، وكأنه سينجدهن لأن كلاً منهن غير قادرة على تقرير مصيرها.

لا أقصد أن تكف كل امرأة كأي إنسان عن العمل للتخلص من أسباب قهرها، إن كانت تحس بالقهر، فهذا أول أوليات الحياة، لكن ليس بطريقة التجمعات البدائيّة، وبمنطق الاستقواء، بما يوحي بأنّ كل امرأة تشبه أختها وقضيتها واحدة، مما يمعن في ترسيخ الخطابات التي أثبتت فشلها.
دعيت لندوة تحت عنوان ما، يخص قضية المرأة. العناوين المعهودة.. قرأت المُحاضِرة ورقتها التي بذلت جهدها بجمع أقوال المفكرين والكتاب والفلاسفة ورجال الدين بالمرأة. كانت لغة المحاضرة تتعامل مع المرأة موضوعاً هاماً جداً لكنه موضوع على أية حال، وليس ذاتاً تتنوع.
وبدأ الحوار. حين جاء دوري اكتفيت بأن أشكر المحاضرة على تعبها في تجميع هذه الأقوال. بصراحة وبعد انتهاء المحاضرة والحوار الرسمي بدأت الحياة بين الحاضرات. كل منهن كانت تلمح من بعيد أو قريب لمشكلة خاصة. همست امرأة مسنة: كم حلمت بارتداء المريلة الزرقاء والذهاب مثل بنت الجيران إلى المدرسة. لم تتحدث عن أهمية التعليم في نهوض المجتمعات. تحدثت عن حلمها الحميمي بالمريلة الزرقاء، والخروج من البيت، وخسارتها أنها لم تحققه. ولمحّت امرأة ثانية خائفة من أن يفهموا أنها تتعرض للضرب من زوجها، عن أن المرأة أضعف من الرجل جسدياً فكيف تصد ضربه لها؟ وأخرى عن اضطهاد رئيس القسم وتمييزه الرجل العامل عن المرأة العاملة. نظرت إلى الحاضرات و استبدلت بهنّ رجالاً. فوجدت أن الهموم نفسها والأحلام نفسها.

لم لا تكون هناك جمعيات تسمي قضيتها بشكل مباشر؟ لعل التجمّعات الحقيقيّة، هي تلك التي تبنى على أساس الأهداف والغايات الإنسانيّة البسيطة والمحدّدة، فلم لا نكون أصدق وأكثر شجاعة وندعو لجمعيات بأهداف صغيرة وبسيطة؟ جمعية الأشخاص الذين تعرضوا للإعتداء الجنسي مثلاً. جمعية النادمين الذين تراجعوا وتراجعن عن قضية قاتلوا وقاتلن العمر من أجلها واكتشفوا واكتشفن زيف القضية. ولنفسح مجالاً أيضاً لجمعية الفتيات المحبات للموضة والأغاني الجديدة.. قضايا ربما تبدو باسمها تفاصيل صغيرة، لكن إذا نبشت بثورة لطيفة مسالمة ومتسامحة، ستتضح السبل أكثر. ولنتجنب المشاريع الضخمة التي توحي بشعاراتها ووعودها بأنها ستنجد نساء العالم، فلا تنتج إلا ما ثبت فشله، وأحياناً استفزازه و تنفيره للناس.

ثم لِمَ لا تؤسس جمعية للنساء الهانئات؟ هناك زوجات سعيدات بدورهنّ، ربما لأنهن يعددن طعام الرجل ويرقصن ليلاً لمتعته، ما نسميه عادة "جواري السيد". لِم علينا أن نسرق منهن هناءهن، ونعظهن بمحاربة الزوج والامتناع عن هذه الممارسات؟ فقط كي لا يحملن هذا الاسم الذي رفض تاريخياً. كثيرات من هؤلاء الزوجات يشاركن الزوج الرأي، ويبوح بدوره لهن بهمومه و مشاكله، ويعتبرهن رفيقاً جميلاً في الحياة.
يؤسفني القول بوجود رجال يعدّون أنفسهم مناضلين، يرفعون شعار تحرير المرأة، وزوجاتهم أكثر نساء المجتمع بؤساً. ذلك لأن أعماق هذا الزوج ما زالت تحلم بأمه الرقيقة مثالاً للحب و بجارة الضيعة التي كانت مصدر متعة مراهقته. والزوجة الحائرة بين أن تكون موافقة لشعاراته كي لا تخذل مسيرته، أو موافقة لأعماقه التواقة، ولا يفتأ يطالبها دون كلام أن تكون أكثر أنوثة، أو سوبر امرأة.

لنعترف أن عدد النساء اللواتي لا يردن الخروج من واقعهن، لأنهن اعتدن نمط هذه الحياة، في تزايد، وبعضهنّ نلن الشهادات الجامعية. ولأني لا أؤمن بجدوى وعظهن بطريقة الخطاب الجماعي، أكتفي بدعوتهن لكي يعلن جمعياتهن التي تعنى بأمرين أساسيين: الثياب الفاخرة والطعام الفاخر. أكاد أرى عيون القراء المستنكرة لهذه الدعوة، لكن لا بأس من بعض الإحراج الذي تسببه فكرتي. وإلاّ ستكون دعوتي للجمعيّات لإجراء إحصاء يقارن بين من يؤمن من النساء بأهدافهنّ وغاياتهنّ، ويعملن حقاً من أجلها، وبين من يفضّلن البقاء على واقعهنّ.. وحينها سيكون الاستنكار والحرج أعظم وأكبر، لأننا سنتذكر معاً أنّ قرناً من النضال بهذه الطريقة نفسها في سبيل حقوق المرأة تمخّضت عنه هذي النتائج البائسة.
فهل تشاركونني بمزيد من الأسئلة؟