عاريات أو بالزي الرسمي



روزا ياسين حسن
2006 / 5 / 28

أعتقد إن ما حصل معي سيحصل مع أية امرأة أخرى تقع عيناها على صور تلك المظاهرة، أو لنقل المظاهرات، التي سيّرتها النساء الهنديات أمام قاعدة "أسام رايفلز" العسكرية: نساء عاريات ولافتات عملاقة تضجّ كأجسادهن. مئات الأجساد الأنثوية العارية تماماً، الغاضبة، والمتوفزة تصرخ محتجة على اغتصاب "مانوراما" المرأة الهندية من السكان المحليين، والتي تم اغتصابها وتعذيبها وقتلها على أيدي جنود القوات شبه العسكرية في ولاية "ماينبور" جنوب شرق الهند في العام 2004. تلك المظاهرات/ الصرخات، التي استمرت أياماً تحتج على العنف، عملت على تقليص الصلاحيات الواسعة والسلطات القانونية التي كانت القوات المسلحة تتمتع بها في الولاية.
في صورة مقابلة لذلك عملت عجائز كوريا الجنوبية، ولكن هذه المرة بأزيائهن التقليدية وليس بعريّهن، على تسيير مظاهرات يطالبن فيها بصرخاتهن الحادة وهتافاتهن بالتعويض والإنصاف لأنهن تعرضن للاسترقاق الجنسي على أيدي الجيش الإمبراطوري الياباني خلال الحرب العالمية الثانية!!.. كان الممتع في الأمر، إضافة إلى الإعجاب بذاكرة أجسادهن المتعرضة للعنف، هو محاولة البحث في وجوه أولئك النسوة العجائز عن ملامح الأنوثة الشابة الغاربة من زمن كنّ فيه صامتات أو مجبرات على الصمت.
إذا كان السؤال، وتحت يافطة العبارة التقليدية التي صمّت آذاننا: المرأة نصف المجتمع، ألا تكون هي نصف الحل أيضاً؟ وإلى متى ستبقى متشرنقة بالصمت مستمتعة بعقمها تحت ضغط العنف الذي لا تني تتعرض له: العنف الجسدي والنفسي والجنسي، وهذا يتبدى من خلال الحرمان والإهمال والتمييز، وليس من خلال أعمال العنف المباشرة فحسب.
الكارثة العالمية، التي تبدو أقرب إلى الدعابة، هي ما كشفته الإحصائيات الخاصة بالعنف ضد المرأة، حين تبين من خلال خمسين مسح ميداني من شتى أنحاء العالم، إن امرأة على الأقل من ثلاث نساء تعرضت في حياتها للضرب أو الإكراه على ممارسة الجنس أو غير ذلك من الانتهاكات المتعددة. وإذا اعتمدنا على تعريف منظمة العفو الدولية للعنف ضد المرأة، وهنا الطامة الكبرى، وهو: " كل فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية ". على هذا فالعنف ضد المرأة هو جزء من سلوكنا اليومي، وتطبّع لدرجة غدا فيها الشكل شبه الوحيد للتعامل مع المرأة: العنف في محيط الأسرة، التمييز على أساس الجنس، والقسر الجنسي.. والعنف في إطار المجتمع كالاغتصاب والتحرشات والمضايقات، والتعدي الجنسي في العمل والمؤسسات التعليمية.. هذا غير العنف الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه.. وهلمجرا
في تقرير آخر لمنظمة العفو الدولية، التي تتحفنا بالأخبار الكارثية، تتحدث فيه عن النساء الناجيات بعد عمليات الاغتصاب في الأزمة الإنسانية الواقعة في غرب السودان (إقليم دارفور) في عام 2003. وقد كان الاغتصاب سلاحاً مفضلاً في النزاعات. النساء المتزوجات تبرّأ منهن أزواجهن، وغير المتزوجات لا يجدن فرصاً للزواج، ذلك أن المجتمع المحيط أضحى ينظر إليهن كفاسدات!!! وكتطبيق حرفي للمثل: فوق الموته عصّة قبر، تحرم أولئك النسوة المغتصبات، العازبات والمهجورات، من (الحماية) والدعم الاقتصادي الذي اعتاد الرجال تقديمه للنساء في السودان.
الحديث عن العنف ضد المرأة بكافة أنواعه لن يقتصر، بالطبع، على السودان فحسب، بل سيكون عن ألبانيا وفلسطين والشيشان وأفغانستان، عن نيبال وسيراليون ورواندا وكولومبيا والخليج العربي... وإلخ، وباستطاعتنا إدراج اسم أي بلد ثالثي، أو غير ثالثي، على القائمة السوداء تلك. ذلك إن الانتهاكات في تلك البلدان أزيح عنها اللثام، إلا أن الكثير مم لم يُكشف بعد موجود في غيرها، بل ويعتم عليه قصدياً وبشكل منهجي محكم.
قانون العقوبات السوري، الذي يستمر العمل فيه حتى اليوم في سنة 2006، يلغي عقوبة مرتكب جريمة الاغتصاب في حال زواجه من الضحية!! وما لم ينته زواجه منها بالطلاق خلال ثلاث سنوات فحسب.. ما رأيكم؟! يا لروعة زواج كهذا، وكأن الاغتصاب لا يمس سوى عفة المرأة (الجسدية)، ولا شأن لنا بآثاره الفظيعة الأخرى. ولا تزال سورية حتى اليوم تفتقد إلى آلية لتسجيل حالات الاغتصاب أو الجرائم في محيط العائلة أو العمل أو الشارع أو الإبلاغ عنها، باعتبار أن حاميها غالباً ما يكون حراميها. كذلك تفتقد سورية إلى مراكز للنساء المعنفات، أو ملاجئ معروفة ومرخصة لضحايا الاغتصاب، بل إن جرائم الشرف، والأمثلة كثيرة، ما تزال حتى اليوم حقيقة واقعة ينعم مرتكبوها بالحرية و(رفعة الرأس)!!. هذا غير عمليات القتل باسم الخروج عن شريعة العائلة أو العشيرة أو الطائفة أو...
أستغرب دوماً، دون أن أملّ الاستغراب، كيف يثير كل هذا سخرية الكثير من النساء، ويجعلنه مادة للتندر!! وهنّ يعملن دائماً على تغطية عيونهن عما حولهن كساترات عيون البغال. وأستغرب أكثر كيف لا تخرج نساء سوريا عاريات محتجات ضد أشكال العنف اللانهائي المنتشر حولنا وعلينا كوباء صفيق. أنا شخصياً أقبل احتجاجهن بالزي الرسمي إن شئن.. فقط ليخرجن..