نضال الكويتية



فاخر السلطان
2006 / 5 / 31

نضال المرأة الكويتية لنيل حقوقها السياسية تَجسد نظريا في القرار التاريخي الذي صدر عن مجلس الأمة في مايو عام 2005. غير أن هذه الحقوق ظل ينقصها شيء أساسي وهو كيفية تفعيل النظرية إلى واقع عملي. فالمراقبون، في الكويت وفي خارجها، يتوقعون إخفاقا نسائيا في الوصول إلى كرسي البرلمان في انتخابات مجلس الأمة المقررة في 29 يونيو. ويعزون ذلك إلى أسباب عديدة أبرزها استمرار هيمنة الثقافة الأبوية الذكورية على الواقع الاجتماعي مما يعرقل وصول المرأة إلى مقاعد كانت لعقود حكرا على الرجل. وهي ثقافة مدعومة من التيار الديني السلفي والتوجه القبلي، وتدفع بوصاية الرجل على المرأة، وتسير بموازاة التحليل الذي يصف المجتمع الكويتي بأنه مجتمع محافظ تسيطر عليه العادات والتقاليد الذكورية.

ويتوقع المراقبون أنه بسبب هذه الثقافة لن تستطيع أي امرأة في مرحلة الانتخابات الراهنة الوصول إلى كرسي البرلمان، ويعتقدون بأنه لو حدث ذلك فإنها ستعتبر طفرة سياسية واجتماعية لابد من قراءة وتحليل أسبابها بدقة. ورغم هذا التوقع شكل مرشحو التيارات الدينية السلفية والمحافظة، وهم من الرجال، لجانا نسائية لدعم حملاتهم الانتخابية، لكنهم امتنعوا عن طرح أو دعم أسماء نسائية للترشيح. في حين برزت مرشحات في المناطق القبلية الخارجية ليعكس حضورهن ومنافستهن للرجل تحديا للعادات والتقاليد الذكورية أكبر من التحدي الذي يمثله خوض المرأة للانتخابات في المناطق الداخلية. على الرغم من ذلك فإن المرشحين في المناطق القبلية شكلوا لجانا نسائية لحصد صوت المرأة الذي بات يفوق في عدده صوت الذكور وأصبح يلعب دورا رئيسيا في نجاح أو فشل المرشح.

إذن، المشكلة الرئيسية التي باتت تزعج المرشحة الكويتية، خاصة في الدوائر الانتخابية ذات النفوذ القبلي وذات الهيمنة الدينية نسبيا، أنها أصبحت شبه متأكدة بأنها لن تنال كرسي البرلمان لكنها باتت مصرة على خوض هذه التجربة. لذا التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يجب تغيير الواقع الاجتماعي المتأثر بالتفسير الديني والقبلي الذكوري المعادي للمرأة قبل خوضها الانتخابات لكي نضمن وصولها بعد ذلك إلى البرلمان، أم أن خوض المعركة الانتخابية هو جزء من معادلة التغيير؟

باعتقادي الشخصي أن خوض المرأة للمعركة الانتخابية هو جزء من معادلة التغيير، بمعنى أنه بموازاة ترشح المرأة لانتخابات مجلس الأمة لابد للقوى الداعية إلى تحرر المرأة والداعمة لمبدأ المساواة بين الجنسين أن تسعى إلى التأثير في الوقع الاجتماعي الذكوري بغية تغييره، وهذا ما لم يحدث لا من قِبل أنشطة المرأة نفسها ولا من قِبل القوى. ومن يتحدث عن أنشطة تغييرية في الكويت سوف يشير إلى جهد متواضع لا يستطيع من خلاله أن يواجه ويجاري حجم المشكلة وتبعاتها المؤثرة على استمرار ذكورية المجتمع.

إن من صفات المجتمع الذكوري الأبوي، كما يشرح المسألة في جريدة الحياة فيصل دراج، أنه يؤسس الحياة على مبدأ "الحاكم الأعلى" وهو الأب، الذي يرتب الحياة على مبدأ التفاوت. ولهذا يتساوى الأبناء في خضوعهم للإرادة الأبوية الذكورية، من دون أن يساوي هذا الذكور بالإناث، الأمر الذي يدفع بالأنثى الى خضوع مزدوج: فهي خاضعة للأب كغيرها، وهي خاضعة للأخ – الذكر، لأنه أب ضروري قادم. وبسبب ذلك يكون المجتمع الأبوي، لزوماً، هو المجتمع الذكوري.

ويؤكد دراج أن تلك ايديولوجيا وأساسها "الذكر – الفارس"، لا بمعنى البطل المقدام في المعركة، بل بمعنى الذكر الذي يهاجم الأنثى منتصراً، ويدكّ حصونها قبل الوصول اليها. وتؤسس هاتان الصفتان لحالات عنوانها: العبودية السعيدة، التي ترضي الأب وتسعده، وتساوي بين احترام الأب والعبودية. وينقل دراج عن "حنا أرندت" وصف النظام الذكوري الأبوي انه نظام قديم مستبد، منقطع عن زماننا الحديث الذي يقوم على الفردية الحرة المتحاورة. أي الحوار والاعتراف المتبادل وتساوي الحقوق والواجبات بين الجنسين واستبعاد مبدأ القوة والعنف، فالحوار يتأسس على لغة متساوية يتبادلها الجميع.

وهذه الصفات المؤسسة للايديولوجيا "الذكر" هي التي يجب أن يصار إلى تغييرها في المجتمع الكويتي بموازاة خوض معركة الانتخابات، لكن ذلك للأسف ما لم يحصل لأسباب متعددة، أهمها أن هناك سعيا للقفز على عوامل التغيير باتجاه تحقيق هدف ثانوي هو وصول المرأة للبرلمان من دون تحديد الهدف الرئيسي في مسعى لتفعيله وهو المساواة بين الجنسين على أساس الحقوق والواجبات. فهذا الهدف الرئيسي هو مدخل حصول المرأة، ليس على حقوقها السياسية فحسب بل، على حقوقها العامة من سياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها.

فالتيار الديني السلفي والمحافظ والتوجه القبلي في الكويت، حيث فيهما من يزعم بأنه يناصر المجتمع المدني ويدفع بوسائل تحقيقه، يكون في موقفه من حقوق المرأة السياسية (وغير السياسية) كالذي يرفع شعارا ثم يتخاذل عن تطبيقه، والسبب في ذلك هو أن هذا الشعار يتناقض مع موروثه الثقافي والاجتماعي والديني. لذا معركة تحرير المرأة وحصولها على حق المساواة تقع على عاتق الرجل والمرأة معا. لأنها حقوق إنسانية. فإذا ما كان أحدهما (أي المرأة) حريص على تلك الحقوق والآخر (أي الرجل) غير مبال إلا بمصالحه الذكورية، فإن وعيه الديموقراطي الزائف سيتشكل على هذا الأساس. كما أن من أبجديات تغيير النظرة "الدونية" إلى المرأة والمعرقلة لأي جهد يهدف تحقيق المساواة، هو السعي إلى خلق رؤية دينية جديدة تتواكب مع تغيرات الحياة، وفق تحليل "أرندت"، لتضمن أنسنة التفسير. فبسبب غياب المحور الإنساني في التفسير الديني باتت المرأة أحد الضحايا الرئيسيين بالنسبة لموضوع حقوق الإنسان في واقعنا الاجتماعي.



كاتب كويتي