ضحايا جبل الجليد الأسود



أحمد الهدهد
2020 / 1 / 21

تستمر المعلومات حول العالم عن الاعتداء على الفتيات الصغيرات والأطفال والنساء التي تكاد لا تمر دقيقة في جميع أنحاء العالم دون إن تشهد تجاوزا سوآءا أكان موثقا أم لا. العناوين العالمية للأخبار تمثل شاهدا متواصلا على ذلك، أقرب حادثة وليست الأخيرة لكنها مثال على كيفية وصول الرجال الأثرياء مثل الثري الأمريكي إبستين (Epstein) إلى من يريدون كما لو كان ذلك حقًا طبيعيًا معينًا. ناقوس الخطر يدق باستمرار داخل هيكلنا الاجتماعي، أذ تستمر أفعال إساءة معاملة المستضعفين في الظلام. لكن يبدو إن ما يطفو للسطح من هذه الاعتداءات يمثل قمة الجبل الجليدي فقط.
تتعرض النساء والفتيات العراقيات والإيرانيات والسوريات، وكذلك الأشخاص المثليون جنسياً، بشكل خاص للاتجار بالجنس. أدى انهيار العملة الإيرانية والتباطؤ الاقتصادي إلى تدفق أكثر من الألاف ما بين امرأة وشابة إيرانية إلى مدن كردستان العراق في الأعوام الأخيرة حسبما وثقت التقارير الصحفية المحايدة، كثير منهم كانوا ضحايا الاتجار بالجنس في المقاهي والفنادق ومراكز التدليك. يُزعم أن سائقي سيارات الأجرة المقيمين في كردستان يسهلون نقل هؤلاء النساء والفتيات من إيران إلى العراق تحت غطاء السياحة. على صعيد متصل العديد من التقارير الإعلامية في كانت قد بينت أن الفتيات في سن قد تناهز 11 عامًا يتم ملاحظتهن في النوادي الليلية والكازينوهات في بغداد كنادلات وراقصات وعاملات بغاء. وورد أن بعض مجموعات الميليشيات، وفرت الأمن في هذه المؤسسات واعتمدت عليها للحصول على الدخل. أبلغت إحدى المنظمات غير الحكومية كذلك عن وجود اتجاه جديد يستخدم فيه المتاجرون بالجنس الذكور تهديدات مختلفة كالإعلان عن صور تعرض النساء للخطر في سبيل الاستغلال الجنسي أو إجبارهن على ممارسة الدعارة. أبلغت العديد من المنظمات غير الحكومية عن حالات استغلت فيها الشبكات الإجرامية فتيات هربن من عائلاتهن خوفًا من جرائم الشرف في الاتجار بالجنس. كما ذكرت وسائل الإعلام أن عصابات الاتجار تستخدم مواقع وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد، وخاصةً فيسبوك، لبيع وشراء النساء والفتيات لممارسة الجنس والاستغلال في العمل. تشير التقارير من 2014-2019 إلى أن بعض المسؤولين عن إنفاذ القانون العراقي قد ترددوا على بيوت الدعارة المعروفة بتهريب الجنس أو قبلوا الرشوة للسماح بالاتجار بالجنس. تشير تقارير أخرى لوسائل الإعلام الأجنبية إلى تزايد اتجاه الاتجار بالجنس باستخدام الفتيات العراقيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 11 و16 سنة في سوريا والأردن والسعودية ولبنان والإمارات العربية المتحدة. وبحسب ما ورد تبيع شبكات الاتجار بالأطفال العراقيين في البلدان المجاورة وأوروبا للاستغلال الجنسي التجاري.

الممارسات التقليدية لا تزال مستمرة، بما في ذلك زواج الأطفال القسري و "المؤقت" والفصلية - تبادل أفراد الأسرة من النساء لتسوية النزاعات القبلية – حيث تتعرض النساء والفتيات بشكل متزايد لخطر الاتجار داخل البلد. على سبيل المثال، في أكتوبر 2016، ذكرت وسائل الإعلام أن فتاة من احدى قبائل مدينة ميسان جنوب العراق أُجبرت على الزواج من رجل من قبيلة أخرى كقرار لان رجلا من قبيلتها قتل رجلا أخر من قبيلة أخرى. لا تزال منظمات حماية الطفل تسجل حوادث زواج الأطفال - والتي يمكن أن تزيد من تعرض الطفل للاستغلال -. ازدادت أيضا الحالات المشابهة بين المشردين داخليا واللاجئين السوريين في كردستان، حيث سعى أرباب الأسر إلى إيجاد طرق لتوليد الدخل وتخفيف العبء الاقتصادي للأسرة. كما ذكر في السنوات السابقة، أجبر المتجرين بالبشر الفتيات السوريات على الخروج من مخيمات اللاجئين على “الزواج المبكر" أو المؤقت مع الرجال العراقيين أو غيرهم من اللاجئين؛ يُزعم أن بعض سلطات حكومة إقليم كردستان قد تجاهلت، أو ربما قبلت، رشاوي لتجاهلها، مثل هذه الحالات، بما في ذلك تلك التي تُباع فيها الفتيات عدة مرات.
حيثما تتواجد الحكومات الفاسدة تتفاقم ملفات الاتجار بالبشر، ملف أخر لم يكن مألوفا لبلدان هذه المنطقة سابقا تمثل بتعرض بعض الرجال والنساء من جميع أنحاء آسيا وإفريقيا الذين يهاجرون - بصورة قانونية وغير قانونية - إلى العراق للعمل القسري والاستغلال كعمال بناء وحراس أمن وعمال نظافة وعمال فنيين وعاملين في المنازل. يذكر إن في العراق حوالي 140،000 عامل أجنبي يفتقرون إلى تصاريح عمل رسمية؛ أفادت المنظمات غير الحكومية أن بعض أصحاب العمل ووكلاء التوظيف يستغلون الوضع غير القانوني للعمال عن طريق حجب الرواتب وتعريض العمال لظروف معيشية دون المستوى المطلوب. يتم تجنيد بعض المهاجرين الأجانب للعمل في بلدان أخرى أكثر أمانا في المنطقة، لكنهم مجبرون أو مضطرون أو مخدوعون للعمل في العراق وكردستان. على سبيل المثال تم الإبلاغ عن دخول 22 عاملاً من الفلبين قانونًا إلى كردستان العراق برعاية شركة مقاولات، لكنهم اضطروا لاحقًا للعمل في بغداد. ذكرت احدى المنظمات الدولية أنه إذا كان لدى عامل أجنبي شكوى من إساءة استخدام صاحب العمل، فإن وكلاء التوظيف ينقلون العامل إلى صاحب عمل مختلف ولا يشتكون صاحب العمل إلى الشرطة. على الأرض وكالات التوظيف تعمل سراً دون تصاريح وتتجاوز سيطرة الحكومة.
في العراق تم توثيق ما لا يقل عن 27 شبكة لتهريب البشر، بالإضافة إلى ستة أنواع مختلفة من الانتهاكات في بغداد والمحافظات العراقية الأخرى. كما أن معظم شبكات الاتجار بالبشر تعتبر كردستان العراق ملاذا آمنا لجرائمهم. كما تجدر الإشارة أن تلك الشبكات تستخدم التقنيات الحديثة لتعقب ضحاياها، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، والتركيز على الدعارة، وسرقة أجزاء جسم الإنسان والتسول.
كمعظم ملفات الفساد الأخرى يبدو أن السياسيين ضالعون في شبكات التهريب في البلاد أيضا. "المشكلة بدأت في عام 2005، عندما سيطرت ميليشيات المهدي على بغداد وأغلقت الحانات والنوادي الليلية وبيوت الدعارة، وتحولت العاصمة إلى مدينة مثل تلك التي يسيطر عليها داعش". وكانت تلك الميليشيات هي الأولى التي شكلها الشيعة بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. إن الحانات والنوادي الليلية وبيوت الدعارة نظمت خلال عهد صدام، لكن بعد انهيار النظام اعتمدوا على الميليشيات للحماية. وتشير التقارير أن واحدة من أكثر الميليشيات المهيمنة في البلاد، التابعة لحزب ديني مهيمن، كانت تحمي هذه الأماكن لسنوات، وتجني أموالاً أكثر من دخل البلاد من النفط في هذه العملية.
ترى منظمات حقوقية وفعاليات اجتماعية، إن نسبة ممارسة الدعارة فاقت الحد المعقول في السنوات الأخيرة. وتحولت الى ظاهرة يتم التسويق والترويج لها أمام أنظار المؤسسات الرسمية العراقية. لا بل يشير خبراء علم الاجتماع إن الطبقة السياسية أسهمت في إيجاد نمط جديد من البغاء من خلال سلطة المال والسلاح على الشارع لتحقيق رغبات تلك السلطة وأفرادها.