لينا بن مهني : الماجدة التي طعنت الذكورية في مثواها الاخير



سفيان بوزيد
2020 / 2 / 5

يقول الأستاذ محمد الفيتوري : "واذا التاريخُ أغنى أُمَّةً بشهيد فأُلوف شهدانا واذا الثورة كانت بطلاً يطأُ الموت ويحتلّث الزمانا فلنا في كُلِّ جيل بطل مجدهُ يحتضن المجد احتضانا."

و كعادة رداءة الزمان و يبدو ان زمن يعادي الحرية و التقدم و بل ينتقم من حاملات لواء الفكر و التحرير و الكرامة بقتلهم ...انه زمن اللاعدل ، في تونس ان لم تقتل المناضلات بالرصاص و التعذيب فحتما ستتكفل البيولوجيا بقتلهن اما مرضا او وهنا ... و افاق التونسيات و التونسيون على رحيل الشابة لينا بن مهني ، تلك الجامعية صديقة الطلبة ، و صاحبة مدونة "بنية تونسية A TUNISIAN GIRL" اين كانت من الجيل الاول لمناضلي التدوين زمن الدكتاتورية ، حيث نقلت بحرفية انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 ، و حيث انها ايضا غطت و بل انها تحولت الى سيدي بوزيد زمن الدم و الرصاص لتنقل لحظة بلحظة نضال شبان الولاية ضد قوات البوليس الهمجية ، تواصل لينا بن مهني نضالها فيم بعد ثورة جانفي 2011 الى اعتصام القصبة 1 و 2 و الى التصدي الى المشروع الاخواني في تونس خاصة سنة 2013 اين كانت مشاركة بقوة في اعتصام باردو ، كما انها لم تغب البتة عن حملات مكافحة الفساد خاصة حملة "مانيش مسامح" سنة 2016 حيث كانت عنصرا مؤثرا في الحملة التوعوية لفضح الفاسدين من رجال اعمال و متنفذين في الدولة ، اخر الحملات الانسانية التي قامت بها لينا بن مهني هي التبرع بكتب للسجون التونسية و نظمت حملات تبرع معتبرة ان السجن هو مؤسسة اصلاحية بالأساس و من حقي السجين في العلم و القراءة و المعرفة ... لينا بن مهني اكبر بكثير مما كتبت عنها ، فمسيرتها الحافلة اعمق مما دونته ....

جنازة لينا بن مهني ، لم تكون جنازة مليئة بالبكاء و السواد ، او خفضا للهمم و بثا للاحباط ، بل كعادة اليساريين كان لجنازة لينا بن مهني رونقا اخر ، حيث كان اليسار فيها طاغيا ، يسار الحب و الأمل ، القاطع ابدا مع ثقافة الموت ، يسار التجديد و التمرد على الذكورية الساقطة و المتمكنة من أعشاش المجتمع ، فالنساء حملن نعش "لينا بن مهني" ، مرددات شعارات تعاهدها على مواصلة مسيرتها الحافلة بالمساواة و المزيد من افتكاك الحقوق النسوية ، تعاهدها على زرع الحب في ربوع الوطن و المشي مع رفيقها الرجل خطوة بخطوة نحو تكريس العدالة و الكرامة .

مشهد حمل نعش "لينا بن مهني" على اكتاف النسوة أرعب السلطة الذكورية ، فسالت المقالات و التدوينات للمشعوذين تدين هذه الجنازة بتعلة انها خروج عن الدين ، و انها هرطقة و بل ان البعض قال انها كفرا ، اثارتهم الجنازة فقط لانها اعلان عن تمرد واضح عن سلطة الذكور و أكثر أنها بناء جديد لعلاقة مجتمعية جديدة تربط بين النساء بالرجال على أساس السواء .

الذكورية السامة تمكنت من المجتمع التونسي منذالقدم ، بل ان التاريخ و تغييره يحتاج الى قراءة جديدة تقوم به النسوة ، ولفهم التاريخ بالتاريخ نفسه لا بتاريخ المهيمنين، قبل الذهاب لفهم الحاضر، بلا عدة الفهم. و حرب الحركة النسوية هي دائما ضد الذكورية المتشعبة في موروثنا و الاكثر ان الحركة النسوية التونسية تحمل مشروعا واضحا مبتعدة عن التصورات الاستشراقية للمرأة خاصة ولا سيما تلك التي تقف خلفها نسوية ليبرالية ساذجة تردّد المصطلحات ببغائياً.

كما من المهم لفت الانتباه الى أن مسار تحرر التونسيات هو مسار قديم و متشعب و مرهق و طويل و لكن يأتي بنتائج دائما ما تزعزع المجتمع التونسي و تدفعه اكثر الى التقدم اخرها مشروع المساواة في الميراث ...

و في الاخير دامت لينا بن مهني عنوانا للامل و التجديد و الروح النسوية