دور المرأة في ثورة ديسمبر والتحديات التي تواجهها



رحمة عتيق
2020 / 3 / 8

محتويات الورقة:

مقدمة.
المرأة السودانية والثورات الشعبية.
دور المرأة في ثورة ديسمبر
التحديات التي تواجهها
التوصيات
مقدمة:
على مر الحقب والعصور كان للمرأة السودانية دورها في قيادة المجتمع من أعلى هرم السلطة، فكانت الملكات والكنداكات من لدن “أماني شيختو”، و”أماني ريناس”، و”الميارم” في دارفور، حيث حظيت المرأة السودانية بمكانة عظيمة عبر التاريخ.

وتعود بداية دخول المرأة السودانية سُوح العمل العام إلى مطلع القرن العشرين. ففي العام “1924”، انخرطت رائدات التعليم في العمل بالمدارس الأولية، ومع تزايد فرص التعليم للفتيات ودخولهن سوق العمل في التدريس والتمريض والطب وبعض الوظائف الحكومية، كان الظهور الأول للجمعيات النسويةالمنظمة.

ويمكن القول أن نشاط المرأة في العمل السياسي المباشر يعود إلى بدايات تكوين الحركة الوطنية المقاومة للاستعمار في أربعينات القرن الماضي، إذ أنه وعلى الرغم من أن المرأة لم تشارك في الأحزاب السياسية التي تكونت في تلك المرحلة بصورة واضحة. إلا أن النساء اللائي تلقين تعليماً جامعياً وثانوياً كن قد شرعن في إنشاء الجمعيات الطوعية النسائية والانخراط في العمل النقابي مثل نقابة المعلمين والممرضات والعمال ونشطت الحركة النسوية بصورة عامة خلال الخمسينات والستينات التي شهدت تكوين الإتحاد النسائي السوداني في العام “1952”. فانتمت النساء إلى الأحزاب السياسية في فترة ما بعد الاستقلال بصورة واضحة.

ووصل نضال المرأة السودانية من أجل نيل حقوقها السياسية والاقتصادية إلى أوجه في ستينيات القرن الماضي، عندما انتزعت حقها في المشاركة السياسية في العام “١٩٦٤”، وحقها في الأجر المتساوي نظير العمل المتساوي في العام “١٩٦٩”. وكانت علامات فارقة في مسيرة العمل النضالي النسوي في الإقليم. ورغماً عن كل ذلك تعرضت حركة المرأة السودانية لتراجع كبير عقب انقلاب الإنقاذ في العام “1989” بفعل سياسات “الأسلمة” الإنقاذية، والتي استهدفت الحركة النسوية بشكل ممنهج مما أدى إلى إضعافها. ولم تخلُ حقبة الإنقاذ من أنشطة نسوية مقاومة للمشروع الإسلاموي الرجعي من قبل كيانات سياسية ومدنية شكلت جماعات ضغط وكان لها بالغ الأثر في التراكم النضالي للحركة النسوية.

المرأة والثورات الشعبية في السودان:
في العام “1964”، وبعد ثورة أكتوبر المجيدة، حصلت المرأة على مقاعد فى البرلمان ممثلة لعدد من الدوائر. وذلك بعد أن أطلت بقوة على الخطوط الأمامية للثورة ضد نظام “إبراهيم عبود” الديكتاتوري، والذي استولى على السلطة بإنقلاب عسكري في العام “1958”. وكان للحركة النسوية السودانية دور بارز في نجاح ثورة السودان الشعبية الأولى.

وفي أبريل من العام “1985”، اندلعت الثورة الشعبية الثانية ضد نظام مايو الديكتاتوري بقيادة “جعفر نميري”، والذي استولى على السلطة عبر إنقلاب عسكري في العام “1969”، وكانت النساء قد اكتسبن مزيداً من الحقوق حينها، وعملن كوزيرات ومحاميات وطبيبات ومعلمات. وفي ثورة أبريل كانت مشاركة النساء في الأحزاب السياسية قد تزايدت بصورة ملحوظة، وكن عضوات نشطات في النقابات المهنية واتحادات العمال، التي قامت بقيادة الاحتجاجات والإضرابات حتى سقوط النظام المايوي.

دور المرأة في ثورة ديسمبر:
في يوليو من العام “2005” تم توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام، والتي أعادت للمرأة السودانية حقها في المشاركة السياسية بصورة واضحة تمثلت في دستور السودان الانتقالي للعام “2005” حيث ورد في المادة (32) من وثيقة الحقوق وهي المادة المتعلقة بحقوق المرأة والطفل ما يلى:

“تكفل الدولة للرجال والنساء الحق المتساوي فى التمتع بالحقوق المدنية، السياسية، الإجتماعية، الثقافية، والإقتصادية بما فيها الحق فى الأجر المتساوي للعمل المتساوي “. وللمرأة وفقاً للدستور الحق فى تولى المناصب السياسية الرفيعة، حيث لم يفرق الدستور بين المرأة والرجل. لهذا يمكن أن تتولى المرأة فى السودان عضوية البرلمان أو الوزارة أو حاكم الولاية أو رئاسة الجمهورية. لكن ظلت بعض هذه الحقوق حبيسة الورق ولم تجد حظها من التطبيق. تواصل نضال المرأة السودانية بعدها حتى تجلى في المشاركة الواسعة للنساء في ثورة ديسمبر المجيدة.

وعند اندلاع الثورة في 19ديسمبر 2018، رافقت النساء الرجال وتقدمتهم أحياناً في الخروج الى الشارع، وكان ذلك نتيجة لعدة عوامل منها القمع والقهر الذي شهدته النساء خلال حكم المؤتمر الوطني. بعد أن سيطرت جماعة “الإخوان المسلمين”، والموالين لهم على الاقتصاد، وعرفت أحوال السودانيين تدهوراً معيشياً كبيرا، كانت النساء اكبر ضحاياه، بالإضافة إلى حزمة القوانين التي تمتهن كرامة المرأة من قبيل قانون النظام العام الذي يُعاقب بالجلد والإذلال، ومصادرة وسائل الرزق المتاحة التي تمتهنها النساء مثل بائعات الشاي والأطعمة، وإرهاقهن بالعقوبات التي تتضمن السجن والغرامات الكبيرة. وتم استعمال إغتصاب النساء كسلاح في حرب النظام في دارفور ومناطق النزاعات، ليزيد من المعاناة التي ظلت تعايشها المرأة في تلك المناطق جراء الحرب، فضلاً عن التحرش الذي كان يُمارس في كثير من الأحيان داخل معتقلات جهاز أمن النظام، وغيرها من الممارسات العنيفة التي تستهدف النساء بشكل مباشر. وبدأ أفراد الأجهزة الأمنية في اقتحام البيوت في الأحياء السكنية، دون اعتبار لأي عرف أو قانون، حيث تم ضرب الاطفال والنساء داخل البيوت مما أفقد الحزب الحاكم أي شرعية.

تقدمت النساء التظاهرات المطالبة بسقوط النظام البائد بشكل لافت. ففي الأشهر الأولى للثورة تم اعتقال أعداد كبيرة من النساء مما زاد من حجم السخط الشعبي، وتزايد عدد النساء المشاركات في التظاهرات، وظهرت مجموعات نسائية جديدة في مواقع التواصل الإجتماعي دعماً للحراك الثوري، وتحول بعض ما كان قائماً منها من الاهتمام بالموضة الى خدمة أهداف الثورة مثل مجموعة “منبرشات” على فيسبوك، والتي أسهمت في كشف هوية عدد كبير من المخبرين السريين لجهاز أمن حكومة المعزول البشير. وكان للمرأة حضورها وبصماتها الواضحة في اللجان المهنية التي أنشئت كنقابات موازية لنقابات السلطة في المؤسسات والمرافق الحكومية، وساهمت في إنجاح كافة الفعاليات الثورية من تظاهرات وعصيان مدني وغيرها، وشكلت هذه اللجان النواة الأولى لتجمع المهنيين السودانيين الذي تولى قيادة الثورة في بداياتها. فتواجدت المرأة بفعالية في لجان الأطباء والمعلمين والمحامين والصحفيين والمهندسين. كما ساهمت ربات البيوت في إذكاء شعلة الثورة عبر المشاركة في المواكب الاحتجاجية، ودعم المتظاهرين بالأطعمة والمياه، وتوفير ملاجئ آمنة للمطاردين من قبل الأجهزة الأمنية، مما كان له بالغ الأثر في رفع وتيرة العمل الثوري ونضوجه واشتداد عوده. وكانت هناك مساهمات كبيرة للنساء في معسكرات النزوح واللجوء، والمناطق المحررة، بتنظيم الوقفات الإحتجاجية والتظاهرات. ولم تكن نساء السودان بالمهجر بعيدات عن نبض ثورة ديسمبر فقد قمن بعمل الوقفات الإحتجاجية أمام سفارات السودان بالخارج وعدد من سفارات العالم الحر، وأوصلن صوت الثورة السودانية لأسماع العالم. وفي أرض اعتصام القيادة العامة والذي نفذ في الفترة من السادس من أبريل 2018 وحتى الثالث من يوليو برزت المرأة بشكل لافت، فبالإضافة لمشاركتها في كافة اللجان المنظمة للاعتصام كان للمرأة حضورها في جلسات النقاش والأنشطة المصاحبة للاعتصام عبر الإذاعة والندوات والفرق الموسيقية والمسرحية التي كانت تقدم عروضها داخل الاعتصام وكانت المرأة بحق أيقونة الثورة السودانية.

التحديات التي تواجه المرأة السودانية:
السلام:
يظل تحقيق السلام هو أبرز التحديات التي تواجه الثورة السودانية في مرحلة الانتقال، وهو بالضرورة تحدي كبير أمام النساء في مناطق النزاعات، باعتبار تواجدهن في مناطق تعاني من شح المواد الغذائية، وضعف الرعاية الصحية، وغياب التنمية. ومن هنا تأتي ضرورة عودة النساء في مناطق النزوح واللجوء إلى قراهن الأصلية، واستقرارهن الذي لا بد منه للمضي قدماً في مجالات التنمية والتعليم والإنتاج على حد سواء، وهو ما يجعل من تحقيق السلام حجر الزاوية في بناء المستقبل.

التعليم:
على الرغم من مرور عقود على دخول الفتيات للمدارس في السودان، تظل نسبة الأمية كبيرة وسط النساء، مما يجعل التعليم أحد التحديات التي تقف بصلابة أمام نهضة وتطور الحركة النسوية.

نظام الكوتة:
إرتفعت نسبة مشاركة النساء في العملية السياسية من “25%”، والتي أقرتها إتفاقية السلام الشامل الموقعة في العام “2005”، إلى “40%” في الوثيقة الدستورية الموقعة بعد ثورة ديسمبر المجيدة، في الثامن عشر من أغسطس للعام “2019”، وعلى الرغم من أن ذلك يعد تطوراً في مسيرة الحقوق السياسية للمرأة، لكنه يظل أمراً نتطلع لزواله بالسعي الدؤوب لخلق واقع جديد تصل فيه النساء لمرحلة لا يحتجن فيها لتمييز إيجابي على أساس النوع للتواجد في مضمار العملية السياسية.

ذكورية المجتمع:

ذكورية المجتمع السوداني وسيادة بعض العادات البالية والتقاليد الضارة حرمت العديد من النساء من فرصهن في دراسة كليات بعينها، أو العمل في مجالات معينة بزعم عدم ملاءمتها لطبيعة النساء.

القوانين المعادية للمرأة:

يأتي تعديل وإلغاء القوانين السارية والتي تستهدف المرأة كتحدي حقيقي أمام الحركة النسوية السودانية، وتبرز الحاجة لسن قوانين جديدة تحفظ للمرأة حقوقها من تغول العادات الضارة كختان الإناث وزواج القاصرات وغيرها، وإجراء الإصلاحات القانونية اللازمة لحماية وحفظ كرامة النساء.

التوصيات:

التأكيد على ضرورة تحقيق السلام كأولوية في الفترة الإنتقالية والعمل على الإلتزام التام بإنجازه.
تعديل وإلغاء القوانين السارية من العهد البائد والتي تحط بكرامة المرأة.
زيادة فرص التعليم والتدريب للنساء خصوصاً في الأرياف ومناطق الحروب والنزاعات.
رفع المستوى المعيشي للنساء بتوفير فرص عمل وإيجاد تمويل للمشروعات الصغيرة يستهدف النساء بشكل أساسي.
العمل على رفع نسبة مشاركة النساء في العمل العام والسياسي عبر التأهيل والتدريب وبناء القدرات.
التوعية بمخاطر العادات الضارة عبر وسائل الإعلام المختلفة وتبيان دورها في القعود بالنساء والبلاد.
حث النساء اللائي يتبوأن مناصب كبيرة في الدولة والأحزاب السياسية على الاهتمام بالقضايا النسوية ووضعها في الإعتبار.
التوقيع والمصادقة على القوانين والمعاهدات الإقليمية والدولية التي تهدف لإزالة كافة أشكال العنف والتمييز ضد المرأة.