8 آذار يوماً عراقياً بامتياز



عبدالحميد برتو
2020 / 3 / 8

تحتفل البشرية منذ عقود بيوم المرأة العالمي، إعترافاً وتقديراً ودعماً لدورها في كل المجتمات. رفعت المرأة خلال نضالها المديد الكثير من أصناف الحيف الذي أصابها، وبدرجات متفاتة، حسب درجة تقدم كل مجتمع ودرجة الوعي الإجتماعي فيه.

تحملت المرأة النصب الأكبر من الظلم الإجتماعي في كل الحقب التاريخية. وفي العصر الصناعي أخذ الظلم طابعاً جديداً. وكذلك بالمقابل نضال المرأة ضده وضد القوى والأفكار التي تسانده. ومن باكورة ذلك النضال المجيد كان خرج آلاف النساء عام 1856 في الولايات المتحدة الأمريكية للإحتجاج، وفي شوارع نيويورك على وجه التحديد، ضد ظروف عملهن اللاإنسانية. وتكررت التظاهرات في 8 آذار 1908. شارك فيها الآلاف من عاملات النسيج في ذات المدينة. طالبت المتظاهرات بتخفيض عدد ساعات العمل، ووقف تشغيل الأطفال، والمطالبة حقوق أخرى ذات طبيعة سياسية. يقف في مقدمها المطالبة بمنح النساء حق الإنتخاب. منذ عام 1909 بدأ الإحتفال بالثامن من آذار كيوم للمرأة الأمريكية.

إرتبطت الإحتفالات الواسعة بعيد المرأة العالمي من الناحية العملية، بتصاعد نفوذ الأفكار الإشتراكية. وساهمت الأحزاب الشيوعية في فترات صعودها بدور أساسي. وتجسد ذلك النفوذ على هذا الصعيد، من خلال المنظمات الإجتماعية والمهنية: نقابات العمال إتحادات الطلبة والمنظمات النسوية التقدمية. كان الإنطلاق الأول عند عقد المؤتمر الأول لإتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، في عام 1945 بالعاصمة الفرنسية ـ باريس.

بديهي أن يُشكل تبني الأمم المتحدة منذ عام 1977 ليوم الثامن من آذار كعيد عالمي للمرأة نقلة كبيرة الأهمية. وقد أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد يوم للإحتفال بالمرأة. قررت غالبية دول العالم اختيار الثامن من آذار. ومنذ عام 1996 تطرح المنظمة الدولية موضوعات تكون أساساً للإحتفاء باليوم أو العيد العالمي للمرأة. كان من بين الموضوعات التي طُرحت: المرأة وحقوق الإنسان، النساء متحدون من أجل السلام، عالم خال من العنف ضد المرأة، المساواة بين الجنسين والأهداف الإنمائية للألفية، المرأة في عملية صنع القرار، إنهاء الإفلات من العقاب على العنف ضد النساء والفتيات، النساء والرجال متحدون لإنهاء العنف ضد النساء والبنات، تمكين المرأة الريفية والقضاء على الفقر والجوع وتحقيق المساواة للمرأة هو تقدم للجميع... الخ.

أعد منذ عام 1981 في يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر من قبل أعداد من النشطاء إعلاناً عالمياً لمناهضة العنف ضد المرأة. وجاء الإختيار تأسيساً على حدث مؤلم، هو الإغتيال الوحشي عام 1960 للأخوات ميرابال الثلاثة، وهن ناشطات من جمهورية الدومينيكان. وجاء الإغتيال بناء على أوامر من حاكم الدُّومِنِيكَان رافاييل ترخيو (1930-1961). وفي وقت لاحق في 20 كانون الأول/ ديسمبر 1993، اتخذت الجمعية العامة قراراً اعتمدت فيه الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة. وفي هذا السياق، حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1999 يوماً دولياً للقضاء على العنف ضد المرأة.
وقد تم الإحتفال باليوم العالمي للمرأة لأول مرة في 8 آذار/مارس 1909 في أميركا وكان يعرف باليوم القومي للمرأة في الولايات المتحدة الأميركية.

أحتوى تاريخ نضال النساء سجلاً حافلاً بالمفاخر العظيمة والإنتصارات الكبيرة. ويعتبر نضال المرأة الفلسطينة خلال أكثر من قرن كامل الأكثر عذاباً وإشراقاً في الوقت ذاته. ومن الصعوبة بمكان أن نلم بهذه العجالة حول أدوار النساء في كل الحركات الثورية البارزة مثل الحرب الفيتنامية ـ الفرنسية في الفترة بين 1946 و1954 بين قوات الإحتلال الفرنسي والمجموعات العسكرية الموالية له، ضد فيت مين برئاسة هو تشي منه (اتحاد استقلال فيتنام). خاصة في الثلث الشمالي لفيتنام ثم توسع النزاع ليشمل كامل فيتنام وبلدان الهندية الصينية المجاورة مثل لاووس وكمبوديا.

حرب فيتنام من (1945 - 1946)، وهي من أخطر النزاعات المسلحة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. شاركت فيها كل من بريطانيا والهند وفرنسا واليابان في مقابل حركة التحرير الوطني الفيتنامية فيت مين من أجل السيطرة على البلاد بعد استسلام اليابان غير المشروط. وثانيها حرب السيطرة على جنوب فيتنام التي تضمنت تدخل الولايات المتحدة الفاشل والمروع. وانتهت عام 1975. وكان دور المرأة الفيتنامية في كل تلك العدوانات وأهدافها غير المشروعة غني عن التعريف.

أثناء حرب الإستقلال الجزائرية (1954 ـ 1962. حملت سجلات الثورة الجرائرية أسماء نحو 11 ألف مقاتلة بمهمات مختلفة. ونال الظلم الذي تعرضت له المناضلات الجزائريات إدانات واسعة وتضامناً عالمياً كبيراً، وظلت ذاكرة الأجيال تحمل أسماءً بارزة مثل: جميلة بوحريد وجميلة بوعزة و زهرة بو ظريف.

كان لكل التقدميين العراقيين أدواراً مهمة في الدفاع عن حقوق المرأة. وبالأخص يُذكر أقدم حزب سياسي وأوسعهم إنتشاراً ـ الحزب الشيوعي العراقي. خاضة في فترات قيادة الرفيقين فهد وسلام عادل. لا يقف دور الحزب وأجنحته الإجتماعية عند حدود التضامن مع المرأة وحقوقها، بل زجها في معترك الدفاع عن الحقوق.

يذكر الرفيق آرا خاجادور القائد الشيوعي والعمالي في مقالته الموسوم بـ"حال المرأة العراقية في عيدها العالمي" ما يلي: "في ظل ظروف قاهرة اجتماعيا، ضم الرفيق فهد مؤسس حزبنا الشيوعي العراقي الحقيقي، المناضلة الرفيقة "أمينة الرحال" الى عضوية اللجنة المركزية للحزب، وفي ظل ظروف أكثر انفراجا نسبيا، ضم الرفيق سلام عادل الدكتورة المناضلة "نزيهة الدليمي" الى عضوية اللجنة المركزية، من أجل المساهمة المباشرة من جانب النساء أنفسهن في معركتهن العادلة، التي هي في الواقع معركة المجتمع بأسره، وهي معركة عادلة ومشرفة وبناءة." (الحوار المتمدن - العدد: 1848 - 2007/3/8).

سعت "الطبقة" السياسية الفاسدة الحاكمة، ومَنْ يقف خلفها، فرض قانون الصمت المافيوي صوب الإنتهاكات الظالمة، التي تعرضت وتتعرض لها المرأة. مستخدمين كل ما هو سلبي ومقيت في الأعراف الإجتماعية المتخلفة والظالمة لسب الحقوق المشروعة. بما فيها حقوق أقرت في أوقاتٍ سابقة. ولكن حين طفح الكيل ظهر الوجه الحقيقي للمرأة العراقية.

قبل الإنتفاضة كان جهد كل مناضل حقيقي ومنصف ينصب على الدعوات الى حق المرأة في التعليم والعمل وصيانة الكرامة الإنسانية. وفي بعض الحالات، وكأن الدعوات تنطوي على نوع من التفضل إتجاه النساء، تحت تأثير ما علق في الأذهان من شذرات الفكر التقدمي والإنساني عامة وموروات التخلف. إن الصرع عند الشخص الواحد الذي لم يكتمل وعيه الطبقي والحضاري والإنساني، يتطلب المصارحة الواعية. هذه جبهة تتطلب الكثير من النضال الأصيل والصارم ومواجهة الذات.

مازل الظلم على النساء قائماً وواقعاً، وبصيغ مختلفة ومتفاوتة من مكان الى آخر. الاعتداءات الوحشية على كرامات النساء العراقيات. ويستخدمون المفروض من الأعراف البالية والتفسيرات الأكثر أنانية وتخلف لكل ما هو مقدس، عبر تعميم الجهل المقدس. وذلك كله من أجل تحقيق المزيد من استغلالهن، والمزيد من هدر كرامتهن، تحت منطق الحياء المعوج، الذي لا ينطوي على أي عدل أو حياء.

وعلى الرغم من أن تاريخنا حافل بأسماء الكثير من المناضلات الرائعات في قيادة المظاهرات، وفي ادارة البيوت الحزبية، ونقل البريد والسلاح، والدفاع عن السجناء، وفي النضال النقابي والطلابي، الى جانب المساهمات الجليلة في خدمة الثقافة والعلم والمعرفة والبحث والعلمي والأدبي والفني. كان أول ظهور للمراة العراقية العاملة بدأت في مجال الصناعة والزراعة. وخلال صمودهن في السجون، وتحت التعذيب البربري، أو في مواقع الدفاع عن أبنائهن. كان ظهوراً رائعاً أغنى النضال الوطني بصفة عامة. علينا أن نفخر بالأمهات الذين هبوا الى ىسوق العمل من أجل عوائلهن في معامل الطابوق والفلاحات، وفي أحزمة البؤس والحرمان على حواف وهوامش المدن. وفي كل الأحول، لم ينحدر وضع المرأة الى هذه الدرجة التي وصلت إليها اليوم، حيث أضحت المرأة العراقية تحت ظل الإحتلال المتعدد الأطراف وعملائه، عرضة للإغتصاب، والتجهيل، والحرمان، والقتل، والتشريد، والبطالة، والخوف، والضياع، على أيدي حثالات المنافي والوطن، الذين وزعوا نذالاتهم على كل الشعب.

في الختام أقول: إن المرأة العراقية أربكت كل حساباتهم. نزلت من الجامعة والبيت الى ساحات الشرف المرؤة لتعلن بصوت عال: كفى. وكانت شريكاً باسلاً لكل أبناء العراق في نضالهم من أجل مستقبل أفضل. ومن أمجادها اليوم أن يوم المرأة أو عيدها العالمي قد تحول بامتياز كأنه يوم للمراة العراقية، حيث تتوجه عيون النساء في كل العالم الى ما تسطره المرأة العراقية من أمجاد. إنه البلد الوحيد الذي تنزل في المرأة بتظاهرة مليونية من أجل الحقوق الوطنية.