المرأة ودورها البناء في المجتمع المتحضر



بكر محي طه
2020 / 3 / 11

ثقافة المجتمع والتنشئة والتربية تلعبُ دوراً مهماً في إختلاف الاراء حول وصف مكانة المراة كجزءٍ فعال في أي تجمعٍ بشري، فبعض المجتمعات تقدر وتقدس دور المراة في تطورها ودفع عجلة تقدمها بإعتبارها (إنسان) منتج ومحترم في المجتمع، في حين إن بعض المجتمعات الاخرى تضع المراة في الصور النمطية المجردة، كونها مجرد دمية للتكاثر لا أكثر.
إن السبب الرئيسي الذي يدفع البعض الى نبذ وإحتقار دور ووجود المراة أو الترويج لذلك يعود لردات فعل تجاهها من قبل الشخص نفسه، ولعدة اسباب، اهمها تكرار الفشل في التواصل مع الجنس الاخر مما يخلق حالة نفسية تتبلور بشكل نقصٍ حاد في الشخصية البشرية، تجعلهُ ينظر الى جميع النساء بعين واحدة، مما يدعو الشخص الى التعويض عن هذا النقص وملئه باي شكل كان حتى يحس بنوع من الرضى وإن كان مؤقت، وخير مثال على ذلك حينما نجد من ينتقد المراة شكلاً، سواء كانت سافرة (غير محجبة) أو ترتدي النقاب، لمجرد التنكيل والتنمر وبث طاقة سلبية، بغض النظر عن المنجز المتحقق من قبلها والذي لم ولن يصل لحرف واحد منهُ، والكارثة الاكبر عندما يكون الانتقاد قادم من امراة فهنا عدو المرأة إمراة، تحت ذريعة العادات والتقاليد والخروج عن المألوف، فبدل ان تكون عون تصبح فرعون، والسبب يعود الى مقاييس النجاح والفشل كعوامل مهمة تتحكم في قرارات المراة وخاصة في المجتمعات الشرقية، حيث تكون نسبة الانتقاد والدعوة الى تقويض حريات المراة كبيرة نسبياً مقارنةً بالمجتمعات الاخرى، فمثلاً ان بعض النساء يرينَ بان أهم نجاحات المراة هي الزواج والبيت والسيارة والطفل الاول ولد!، في حين إن هناك نسبة كبيرة من النساء تعتبر ان الاعتماد على النفس وتوفير سبل الراحة من خلال العمل والاستقلال بإتخاذ القرارات بعيداً عن تدخلات الاهل او الاصدقاء او حتى الجيران أهم بكثير من الزواج والذي بات غطاءً شرعي للبيع العلني للنساء من خلال مهور خيالية او شروط تعجيزية، في حين ان التفاهم وتقارب الافكار هو المهم.
ان للمراة دور كبير في تلاحم الاسرة والتي تعتبر الخلية الاهم في بناء المجتمع المتحضر، فتربية الاولاد وزج الافكار التي تخص المراة تقع على عاتقها سواء كانت افكار ايجابية او سلبية، كالاحترام والخصوصية وكذلك حرية الاختيار وهو الاهم، كونها الاكثر قرباً منهم، وهذا ما يندر وجودهُ في الاسر الشرقية للأسف، حيث يعتبر نوع من التشبه بالمجتمع الغربي والابتعاد عن العادات والتقاليد والتي بدورها لاتتماشى مع التطور الحاصل للبشرية، لذلك يواجه نوع من الانتقاد يظهر بشكل تنمر او تحرش او حتى دعوات الى الاغتصاب للاشخاص الذين ينتهجون هذا النوع من التربية كونهم شواذ عن نمطية المجتمع، في حين نفس الاشخاص المنتقدين (المتنمرين) يتمنون ولو لحظة بجانب فنانة او راقصة لاجل صورة تذكارية لاجل التباهي وعيش لحظة دونجوانية على محيط مجتمعهم المحافظ!.
ان مجتمعنا الشرقي برغم ظلمهِ للمراة وتنكيلهُ بها بجوانب عديدة وخاصة الاعلام والتلفزيون، الا ان هناك خيوط املٍ بدأت منذ بداية القرن الواحد والعشرين، تمثلت ثورات الربيع العربي والانترنت والتواصل الاجتماعي وتبادل الافكار وريادة الاعمال والتبادل الثقافي والتجمعات والمنظمات المجتمعية ذات الصلة، صحيح دورها محدود بسبب الموارد القليلة او سوء الادارة في بعض الاحيان، الا ان التعافي البطيء مازال مستمراً، وان هذه الطفرة النوعية قد وعت جزءاً كبيراً من الناس باهمية ودور المراة في المجتمع، وخير مثال على ذلك ثورة تشرين التي انطلقت منذ نهاية عام 2019، في العراق والتي مازالت مستمرة، حيث إعتمدت بأساسها على المراة، والتي كان ومازال لها دوراً مشرفاً في التظاهر من اجل حياة كريمة وعدالة مجتمعية للجميع بعيداً عن الطائفة او المذهب او العرق، تمثلت بالطالبات والموظفات والخريجات والعاملات وكذلك ربات البيوت، ليسجل العراق إنخفاظاً ملحوظاً في حالات التحرش الجنسي او الاغتصاب، بالمقابل هناك حملات دعم وتوعية لدعم وتمكين المراة وخاصة في المناطق المحررة من تنظيم الدولة، كل هذا ما كان ليحدث لولا التوعية والارشاد الصحيح من قبل المراة نفسها، فعندما تربي او تنصح بان النساء اما اخت لك او زميلة، وليست مجرد كوم من اللحم او عورة، وانما انسان مثلك لها مشاعر واحاسيس وكيان وقرارات يجب ان تحترم لتأخذ حقها ودورها في المجتمع لاجل البناء والتطور.
لذلك نجد بأن المجتمع قد انقسم الى شطرين، من خلال تسمياتٍ كثيرة تطلق على المراة بشكلٍ عام و المراة الشرقية بشكلٍ خاص، فمنهم من يصفها بــ(الحياة - نصف المجتمع - العظيمة - نبع الحنان - الصدر الرحب - الامل)، والنصف الاخر ينعتها بــ(قليلة التربية - الرخيصة - العورة - ماكو وراها رجال)، حتى وصل الامر بالبعض الى الدعوة لتصفية بعض الناشطات في هذا المجال كونهن يدعن الى الانحلال والخروج عن الدين، في حين لانجد احداً يتحدث عن فساد رجال الدولة او حتى رجال الدين، وما سببتهُ سياساتهم او فتاويهم في البلدان الشرقية، وما له من تبعات اجتماعية واقتصادية على المدى البعيد، والجواب جاهز كالعادة كونه امر مفرغ منه "اصحاب الشان لايمكن مناقشتهم فهم اعلم منا!".
و الجدير بالذكر فان دور المراة في بناء المجتمع ليس مهماً فحسب، بل حساسٍ ايضاً، حيث ان وجودها ضروري، وعدم الاهتمام والاكتراث بها او بدورها الطبيعي في الحياة يسبب أزمةً بشرية، فهي سر الحياة كالماء.