المرأة والإبداع



زينب محمد عبد الرحيم
2020 / 3 / 18

كثيرا ما تتردد عبارة الإبداع تعبيرا عن العمل المتميز أو الفكرة الجديدة و المبتكرة و أيضا المتفردة ، فالإبداع في جوهره لا يوجد به ما يميز بين الرجل والمرأة أو حتى بين المراحل العمرية ولكني في واقع الأمر تعمدتُ التمييز خاصةً ونحن في شهر مارس /آذار شهر المرأة , فنجد أن نساء العالم يحتفلن بالعيد الأممي للمرأة في الثامن من آذار ،وفي السادس عشر من مارس تحتفل المرأة المصرية بعيدها والذي يحمل ذكرى ثورة المرأة ضد الاستعمار ونضالها من أجل الاستقلال وفي نفس اليوم 16 مارس 1923 دعت هدى شعراوي لتأسيس أول اتحاد نسائي في مصر وكان أول مطلب تحقيق المساواة للمرأة في الحياة السياسية والاجتماعية وضرورة حصول الفتيات على حقهن في التعليم الثانوي والجامعي ,وحصلت المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشيح .
ومن هنا يكمن التساؤل عن مدى أهمية الفكرة الإبداعية في واقعنا ،ولماذا يرتبط الإبداع بالمرأة تحديدا في هذا السياق?
كثيرا ما يستدعي واقعنا في شتى المجالات إلى تلك الفكرة الإبداعية التي ستجعل من صاحبها أيقونة متفردة عن النجاح وعادة ما نرى ان الفكرة الإبداعية إذا تم توظيفها بشكل صحيح ومناسب يتبعها نجاح وشهرة وتصبح مثالا يحتذى به وذلك وفقا لمعايير كل مجال ، ومن هنا كان من المنطقي أن نتعرف على معنى الإبداع في نظر علماء النفس والاجتماع وما علاقة الإبداع بالذكاء وما الفرق بينهما .
نظر العلماء إلى الابداع على أنه استعداد شخصي او أنه عمليه داخليه أو أسلوب حياه ،ونظر اليه آخرون على أنه موجود لدى الأطفال والمراهقين والراشدين وحتى لدى كبار السن ،وأن الإبداع أيضا ينتج عنه الابتكارات والاختراعات العلمية والنتاجات الأدبية والفنية والافكار الجديدة .
ويرتبط الإبداع بشكل مباشر بالذكاء والصحة النفسية والأصالة وأنه يكتمل من خلال عملية تحقيق الذات حيث اشار Whitifield إلى أن
الفكرة الإبداعية لابد أن تتسم بالجدة والبساطة والمناسبة والدقة والاكتمال ونظر ما كلير إلى الإبداع على أنه يجسد نوعا من التفاعل المركب بين التفكير الواقعي والتفكير الخيالي
وعرف بارون ن الإبداع في جوهره طاقة يتم توظيفها للعمل بطريقة بنائية ووفق لما عرفه بارون فأن لابد وأن يميز الانتاج الإبداعي المناسبة او الملائمة الجمالية خاصة في الفنون والادب ،فإن الإبداع هو المجال الأكبر الذي يحتوي بداخله عمليات وانساق معرفية متطورة ومتميزة منها الموهبة والاختراع والابتكار والاكتشاف والعبقرية.

وعند النظر إلى مجال الادب فهناك مميزات عديده تميز الشخصية الأدبية وهى في غالب الامر ما تتسم بالذكاء اللغوي فيكون لدى الفرد المبدع قدرة مميزة على استخدام اللغة وتكوين وتركيب الجمل وفهم المعاني وايضا له قدرة على صياغة العبارات البلاغية والتلاعب بالألفاظ ومما لاشك فيه إن اللذين يتميزون بهذا الذكاء هم الشعراء والادباء .
فلابد وان نفرق بين الإبداع وبين أنواع الذكاء المتعددة فالشخص الذكي البارع في العلوم والرياضيات ليس بالضرورة ان يكون مبدعا صاحب فكرة إبداعية مبتكرة ولكن الشخص المبدع لابد وان يكون متمتعا بنوع من أنواع الذكاء سواء لغوي ، وعاطفي او اجتماعي ...الى أخره من الذكاءات.
وهنا يكمن تساؤل آخر من هي المرأة المبدعة?
هي بكل بساطة الأخت والأبنة والأم والزوجة والصديقة هي التي أدركت أن لها عقل ورأي وكرمتها الأديان وكان عليها أن تواصل المسيرة لتكون أكثر تحققًا ولتشعر بلذة الإبداع والنجاح فالمرأة المبدعة نجدها في وقتنا الحالي تُبدع في كافة المجالات الطب ,الهندسة ,علم الأثار والحفريات ,البحث العلمي بكافة تخصصاته ,صحفية وإعلامية ,مناضلة وحقوقية
وايضًا فنانة ومبدعة تشكيلية ونحاتة وعازفة ومطربة وراقصة وغيرها من الفنون على مختلف أنواعها وتعدد مدارسها وكل ذلك الإبداع بالإضافة إلى مسؤولياتها تجاه بيتها وأولادها ومراعاتهم ومراعاة الزوج وأيضًا تراعي عقلها وطموحها وإبداعها وتسعى وراء شغفها بكل قوتها وإرادتها.
ونحن في شهر مارس يجدر بنا أن نتذكر الكثير من الرائدات ونماذج النساء المبدعات في هذا الشهر تإتي ذكرى وفاة المهندسة المعمارية العالمية زها حديد 31 مارس 2016 ذات الأصل العراقي التي حقًا كانت خير نموذج للمرأة المبدعة والقوية والتي تحدت كونها امرأة وعربية واستطاعت أن تفرض أعمالها المتميزة على العالم وعرفت بملكة المنحنيات والتي أطلقت العنان للتصاميم الحديثة أن تنفذ على أرض الواقع وكان شعارها دوما كسر الحدود وأفسحت لها ولاسمها مكان في صفحات التاريخ والإبداع المعماري على مستوى العالم.
ويحضرني في ذلك اليوم أيضًا 31 من مارس عام 1898ذكرى وفاة إليانورماركس الابنة الصغرى للفيلسوف والمفكر كارل ماركس والتي كانت تتبنى قضايا المرأة العاملة وتسعى لحقوقهن وكانت تقول دائمًا على النساء أن يعلمن بأن تحريرهن ينبع من أنفسهن .
وكتبت في مقالة صحفية تحت عنوان التعرق في مكاتب الطباعة
وذلك لأنها كانت تعمل بين صفوف النساء في المهن المتعرقة وقالت إذا كنت تريد أن تعيش بعملك يتوجب عليك أن تعمل في ظل ضغط عال وطيلة عدد كبير جدًا من الساعات تفوق ثمانية ساعات يوميًا !!! كم تبدو هذه الأسطر آنية رغم مرور أكثر من مائة عام على كتابتها .
وللنساء دورهن الريادي في كافة مؤسسات الدولة , فالمرأة تؤكد على كفاءتها وجدارتها بتلك المكانة الاجتماعية التي حصلت عليها وستواصل المسيرة لترتقي إلى المزيد من المناصب القيادية مؤكدة للعالم أن المرأة تستطيع أن تُبهر العالم و تقدم نموذج يحتذى به يتطلع إليه الكثير وكل ذلك تستطيع أن تحققه المرأة العربية رغم كل التحديات والأزمات إلا إنها لديها الوعي بحقوقها وواجباتها وستبقى رمزًا للرقي العملي والفكري محققة بذلك المعادلة الصعبة أن تكون إمرأة لديها مسؤوليات بالإضافة إلى الكثير من العقبات ومع ذلك تصبح مبدعة ومناضلة متحققة تُغير الكثير بكل جدية وفخر.
ولكن الذى حقا يثير التساؤل هل إبداع المرأة فردي تسيطر عليه النزعة الفردية أم إنه يتم داخل جماعة تتشارك في أنتاج هذا الإبداع ??? الواقع يعطينا إجابة ولكنها بالطبع غير مطلقة ،فنجد هناك ثقافات شرقية مثل الصين واليابان ودول شرق آسيا تعتمد على الجماعة ولا تعترف بالشخص أو الإبداع الفردي ، فالفرد في هذه المجتمعات لابد له وأن ينصهر داخل الجماعة و يتفانى من أجلها فالفردية ليست لها مكان ولا مكانة في هذه المجتمعات ولا تقابل إلا بالخروج والانشقاق عن المجموعة .
اما في المجتمعات التي يغلب عليها الرأسمالية فنجد النزعة الفردية هي من سمات المبدعين والانخراط في الجماعة لا يرى إلا من زاوية التنميط و إعادة إنتاج لنماذج متشابهة إلى حد التناسخ الذى لا جدوى منه إلا انتاج مزيد من القطعان تسير خلف الفرد الواحد المبدع .
ومما سبق عليك أيتها المرأة المبدعة أن تدركي جيدا في أي المجتمعات تعيشين وهل سيكون إبداعك اشتراكيا ثوريا ،أم إبداعا تحت وطأة الرأسمالية المتوحشة ومن هنا لزم الوعي بطبيعة المجتمع والحرص والاحتراس حتى لا تفقدي إبداعك داخل همجية القطيع!