غلاء المهور عنفٌ موجعٌ بحق الفتاة .



يوسف حمك
2020 / 3 / 19

تمجيد المال و تقديسه هو نتاج الجهل الخائب العاثر المنهزم ،بالاعتقاد أن التنافس في الإسراف ، و الغلو في إنفاق الأموال برهانٌ على علو المقام و الرفعة . و أن العامل المادي ورقةٌ رابحةٌ للفت الأنظار ، كما يحتل المقام الأول لخطف الأضواء .

مجتمعٌ فيه الغرور يغزو العقول ، و الخيلاء يجتاح الأفكار ، و التعالي يحتل الأذهان ، و التبختر يستوطن النفوس .
الناس كل همهم التبجح و التكبر و بريق الأضواء ، و الانصياع خلف المظاهر الزائفة .

من ألمع الاعتقاد قبحاً ، و أكثر السلوك سوءاً أن يطلب الأب مالاً باهظاً ثمن زواج ابنته ، كسلعةٍ نادرةٍ أو درةٍ نفيسةٍ ، تُعرض للبيع في مزادٍ علنيٍّ ، يحصل عليها من يدفع أكثر .
يتعمد الغلاء و لسان حاله يقول : " أنا الأرفع مقاماً و الأعلى منزلةً ، بل أنا الأكفؤ و الأنسب و الأرقى ....

نعم الفتاة قد تكون جوهرةً مرصعةً بالرقة و الجمال ، و درةً مكتنزةً بالملاحة و النضرة .... و ناهيك عن أن الأنثى نعيم العيش و رغد الحياة و فردوسها .
فبدلاً من أن يُنظر إليها بترفعٍ و ارتقاءٍ ، يعاملها ولي أمرها باستخفافٍ و سفولٍ حينما يرفع مهرها غالياً ، كي يرضي غروره ، مغتراً بالزعامة ، متبختراً في مشيته بتعجرفٍ .... معتقداً أن غلو مهر ابنته من علو مقامه و سمو منزلته و ذروة شهرته .

المهر من حق الزوجة نعم ، لكن ليس لدرجة البلوغ إلى إرهاق كاهل الشباب و تعجيزهم عن الدفع ، أو لجوئهم للاستدانة أو الاقتراض و الاستلاف .
و ناهيك عن العزوف عن الزواج و العنوسة ، كردة فعلٍ لعادة إنفاق المال الطائل في البذخ و التبذير لتجهيزات الزفاف ، و إقامة الحفلات التي تنبض بالرفاهية و الترف في أفخم القاعات و أكثرها تميزاً ....و التباهي بتقديم الأطباق الشهية و المقبلات اللذيذة التي تتناسب تطلعات دعاة الشهرة الزائفة و هواة المفاخرة المذمومة .
و علاوةً على الاستخفاف بالآراء التي لا تتوافق و نهجهم الاستعلائي اللامبالي .

نهجٌ عنجهيٌ ، و تسفيهٌ لذات المرأة و التدني لمنزلتها و الهبوط بقدرها إلى الحضيض .
لأن قيمة الذات تكمن في أفكارها النيرة و أهدافها النبيلة و عطائها المتفاني ، كما ثراء عفتها ، بعيداً عن جعجعات الأضواء الكاذبة و زيف الشهرة .
أهو تعويضٌ لعقدة النقص ، أم هو مرضٌ نفسيٌ ؟!
ملعونةٌ هي الثقافة العتيقة ، دنيئةٌ تلك العقلية المغموسة بطينة التقاليد البالية ، و سافلٌ ذاك الذهن الخائب الذي يعتقد أن كل شيءٍ قابلٌ للبيع و الشراء حتى الإنسانية نفسها .

لو اقتصر الأمر على بضع أفرادٍ لهانت المسألة و لانت ، أما أن يصبح فيروساً يتفشى في كل مفاصل المجتمع ، و يصب داءه على كل طبقاته فتلك مصيبةٌ . و حينما يغدو ذلك عادةً و تقليداً ، و المحاكاة تطبعاً تصبح المصيبة أعظم .

للآباء و أولياء الأمور نذكرهم :
ليس كل شيءٍ يقاس بالمال في الوجود . فالمال أداةٌ لحفظ الكرامة و العيش الهانئ ، لا مبلغ الحياة و منتهاها .
قد يكون الفقر مقيتاً كالحاً . لكن كنز المال و تكديسه أو العبادة له و التبختر به عهرٌ للفكر ، و قهرٌ للذهن ، و فناءٌ للعقل ، و الهبوط بمنزلة الإنسان إلى أدنى من مرتبة الحيوان .