( المساواة بين الرجل والمراة وذكورية العقل , نظرة نقدية)



ياسمين جواد الطريحي
2020 / 4 / 7

المقدمة: اتناول في هذه المقالة موضوع إجتماعي مهم وهو المساواة بين الجنسين وذلك من إجل إكتمال بناء فكرة الدولة الحديثة التى تلائم عصرنا هذا. وأوكد أن من دون تطور إجتماعي في العلاقات الإنسانية كمرادف للتطور العلمي وبناء البنية التحتية لن تكون هناك دولة حديثة بالمعنى الحقيقي.
نقاش قضية المساواة بين المرأة والرجل في مجتمعنا العربي بشكل عام وبالاخص في المجتمع العراقي ، يتسم بالهجوم والعدوانية .وبشكل يتحدى ويناقض كل النظريات الأيدولوجية والانسانية والتغيرات السياسية والاجتماعية والتجارب للمجتمعات الاخرى. ان كانت في اوربا الغربية أوافريقيا أواسيا والتي استطاعت ان تخطي خطوات شجاعة وواعية من اجل المساواة في المواطنة وبالإخص بين المرأة والرجل التى اقرتها مواثيق الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية ماعدا مجتمعنا العربي. الذي لايزال يصرعلى انها مفاهيم غير ذات اهمية ، وتتبنى السلطة الحاكمة هذا المفهوم بقوانين محلية خاصة لتعميق الفجوة بين المرأة والرجل. هذه المفاهيم تصر على ان المساواة بين الرجل والمراة بحد ذاتها هي وراء "الانحلال" ، "الفساد" "الإستعمار" ،بشكل او بآخر . مثلا " ماذا تريد المرأة أكثر من انها معززة ومكرمة وأحسن حالا من نساء العالم " (هنا يحتاج الى تفسير علمي وعقلاني) أو "هذه افكار غربية تتنافى مع حياتنا وجاءت من أجل فك الروابط الاسرية " ،" مجتمعنا محافظ " نخاف على نساءنا "( من ماذا وهذا يحتاج تفسيرا ايضا) ، "تقاليدنا وعاداتنا لاتسمح بذلك" وغيرها من التبريرات الإنفعالية بالدرجة الإولى وليس لها اساس علمي أو أخلاقي. وبهذا يغلق باب النقاش الى اجلا غير مسمى وتتسع هوة الجهل والعنصرية ودرجة التخلف تجاه المرأة مابين المتعلم وغير المتعلم بما يخص مبدأ المساواة . وهنا يعطى للدين مساحة كبيرة من الحرية لبث فتاوي ضد المرأة ، فاصبح الطفل والكبير يتدخل في ارشاد وتقويم شخصية المرأة لتصبح شخصية سلبية فارغة الارادة والمعنوية والثقة بالذات.
لا ياتي التهجم من الرجل فقط بل تشاركه المرأة ايضأ. وهذا ليس مستغربا ، لإن المرأة ذاتها تتلقى نفس الثقافة الذكورية التى يتلقاها الجميع على حد سواء.
نتساءل لماذا كل هذا الكم الهائل من ردود الفعل الغير عقلانية لمبدا المساواة بين المرأة والرجل وهو مشتق اساسي من قانون المساواة في المواطنة؟ الذي هو السبيل الوحيد لنشر العدالة الإجتماعية التى تطالب بها كل المجتمعات غربا او شرقا. وكل المجتمعات قديما وحديثا تحارب من اجل الوصول الى العدالة الإجتماعية التى هي اساس المساواة.
نظرة عاجلة الى أحد ركائز الدستور العراقي الذي هو الوثيقة المدنية التى تتداول فيها لغة متوازنة مع "الحداثة" ومع " المواطنة ". وهو : "ان مواطنين دولة ما متساويين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الجنس والدين والعرق" اي المساواة في المواطنة . بمعنى آخر ان ماللرجل حقوق وواجبات ، فللمرأة نفسها من اجل بناء الإنسان وجعل المجتمع مجتمعا مدنيا يضاهي يضاهي بقية المجتمعات . هذه الحقوق هي التصويت ، الترشيح في الانتخابات ، حرية الحركة ، حرية الرأي والتعبير ، حرية التملك ، التعليم ، الصحة ، العمل والضمانات الإجتماعية التى تقدمها الدولة الراعي الاول لمواطنيها كالاعاقة في العمل ، أو الفصل والتقاعد وغيرها من الحقوق. كيف اصبحنا كذلك وقد كان العراق اول مهدا للحضارات والتى اخذها الإنسان المتقدم كاساس لتطوره سياسيا اقتصاديا واجتماعيا.
إن التراكمات الاجتماعية والنفسية الكامنة في مجتمعنا على مدى عقود من الزمن ان لم نقل قرونا ، لم تحاول خلالها الإنظمة السياسية (منها العسكرية والجمهورية والملكية) التى تولت حكم العراق في ايجاد حلا لها. بل معظمها ان لم نقل مجملها بقيت محافظة تقليدية في تعاملها مع جنس المراة على الصعيد العام والخاص والشرعي .
من هذه التراكمات هي العقلية القبلية وهي عقلية تضع الرجل في المقدمة في التعامل وتضع القبيلة او العشيرة لتولي الدفاع عن الحاكم . هنا يضع الرجل ليقوم بالمهام الصعبة بحكم الفيزيولوجية جسديا اقوى / وتبقى المرأة في البيت لتقوم بوظائفها التى لاتتطلب قوة جسمانية كالرجل على إنها الإضعف بيولوجيا. وحصل ان ارتبطت القوة الجسدية بالعقل ، ومن هنا جاءت فكرة ان المرأة اضعف جسديا وعقليا لانها عاطفية أكثر من الرجل .
ومن هنا اعتمد النظام التعليمي بالإخص العراقي بتفسير كل شي على اساس بيولوجي . وهو لايمكن لعقل المراة ان يصبح كعقل الرجل . الله خلق بني آدم وحواء هكذا وليس هناك اي قوة ستغير من هذه الطبيعة. بقيت ولازالت هذه التفسيرات وعلى مدى عقود تقف كحائط من حديد أمام فهم او تقبل الإنسان لمبدا المساواة بين الجنسين . فالخلط بين قوة الجسد وقوة العقل وضعفه وضعف العقل اساس العقلية الذكورية واساس تخلف المجتمع العراقي ورجوعه الى الوراء وخاصة حين يكون هناك اي تحول سياسي جديد ، يبدا مباشرة بوضع القيود على المرأة وتمييع حقوقها الإنسانية.
فالحاكم الذي ياتي لحكم العراق يحمل عقل قبلي محافظ تقليدي متوارث وان كان متعلما فلا يستطيع أن يقوم بتأهيل المجتمع على مبدأ المساواة فهي غير موجودة في قاموسه العشائري التربوي ولا المرأة ذاتها تستطيع أن تقوم بهذه المهمة لإنها لم تتلقى لا التربية ولا التعليم يؤهلها لذلك.
ومن اجل ان يثبت المجتمع والحاكم صحة هذه االمفاهيم الذكورية او البيولوجية التى توارثها اصبح الدين الإداة لتبرير هذه العقلية والعنصرية البيولوجيه لمنع المساواة . وإن إضافة القدسية للنظرية الذكورية ، كالرجل هو الإقوى والاعقل ، هو الإفضل وهو العمود الاقتصادي للاسرة وهكذا ، أما المرأة فهي ضعيفة لإنها عاطفية ، هي لاتفهم ولا تتحمل ، كل هذا يبدا عند النشاة وفي فترة فترة الطفولة ذكرا وانثى ، ويستخدمها النظام التعليمي في نصوصه واساليبه ، فتبقى في الذاكرة الى مالانهاية. وتاتي الاسرة وفيها الأم التى نشات على هذا المفهوم وتعطيها لأولادها وهكذا يصبح ارثا لا يمكن ازالته.
بالرغم من التغيرات والتطورات السياسية والاقتصادية التى حصلت ولازالت للمجتمع العربي والعراقي بالاخص منذ أواخر القرن التاسع عشر والى لحظة كتابة هذه المقالة ، لايزال العقل العربي والعراقي خاصة سجين لهذا التمييز بين الرجل والمرأة ذكوريا. وكلما ازداد المجتمع جهلا كلما زادت فجوة التمييز بين الجنسين من اجل حكم السيطرة على مقدرات المجتمع بكامله. التعنت ضد موضوع المساواة بين الجنسين ، ياتي مناقضا لكل التغيرات والتطورات في المجتمع التى تحدث مابين ليلة واخرى وليس لها اي علاقة بالتطور العقلاني لعقل الإنسان بالمجتمع .
فالمساواة بين الجنسين ليست علاقة عكسية او طردية بمفهوم الإنحلال ولا بالحرية الفردية للمجتمعات الغربية ولا بالنظام الراسمالي أو الإشتراكي ولا إستعمار ولا بالتفكك الاسري ولا بالتقاليد ولا بالعادات ولا بالدين بل العكس للمساواة معنى انساني كبير وهو العدل الاجتماعي للمجتمع وللبشرية . المساواة تعني ان المرأة لها قيمة إنسانية لها نفس الدرجة من الحقوق والواجبات ، فالمرأة تمتاز بهبة انسانية طبيعية وهي الحمل والولادة والبقاء على الانسانية فالمرأة مكملة وليست ناقصة .
فالحقوق التى يحصل عليها الرجل بشكل تلقائي منذ الولادة لكونه ذكر نراه يتقبل كل شي من دون وعي ومن دون ان يسال لأنه مؤمن بالحق التقليدي المقدس ولايمكن المس به. والدليل على ذلك ليس هناك صوت مستقل للمراة في مجتمعنا. مانقرا او مانسمع عن المرأة ليس صوتها بل صوت الاسرة ، صوت المدرسة ، و صوت الجامعة ، صوتها هو الرجل الذي ينوب عنها ، صوت الحزب الذي تنتمي له ، وصوت الجمعية أو المنظمة المنتمية لها ، كيف يكون لها صوت وهذا مخالف للشرائع السماوية والقوانين العامة والخاصة.
وحين تطالب المرأة بحق من حقوق المواطنة المشرعة في الدستور أو تشير الى الكثير من الممارسات العنصرية ضدها على الصعيد الأسري ، التعليمي والعملي ، وماتتعرض له من ظلم قانوني عن طريق التشريعات العنصرية واستغلال هذه التشريعات وبشكل متعمد وواضح ضدها ، تطالب بالسكوت وذلك من خلال التهديد والابتزاز العاطفي والعائلي والاجتماعي والديني والذي يمارسه الجميع ضدها بوعي او من غير وعي. لأن بداية النشأة هي بداية سلبية فالطفل يرى كيف يتعامل المجتمع والاسرة والسلطة مع الأم والإخت والزوجه ليس كأنسانة بل " شئ او ملك أو عبدة " فليس من حق هذه الانسانة ان تطالب بشئ ، فهي التى تسمع ولا تتكلم ، وتطيع ولا تثأر، وتستعبد ولا تحتج.
لذلك عدم إيمان المرأة بإنسانيتها وعدم إيمان الرجل بهذه الإنسانية وان كان متعلما وإن كانت متعلمة يجعل موضوع النقاش بهذا الشأن غير عقلاني وانفعالي وغير واقعي. فالعلم لم يبدل هذه النظرة وخاصة في مجتمعنا العربي والعراقي بالإخص.
الحلول الإجتماعية كثيرة لهذه العقدة المتأزمة وهي أولا واخيرا الإيمان بالمساواة عقلا وقالبا وتوفر الارادة السياسية لهذه المساواة. ومن ثم ديمقراطية التعليم وحرية الراي والتعليم الواعي لمسألة المساواة في المواطنة ، وتقديم الامثلة الحية عن المجتمعات الأخرى وكيف وصلت المرأة في الدول الاخرى التى هي اقل تطورا في التكنولوجيا الى مرتبات عالية في الوظائف وفي اتخاذ القرارات السياسية في الحرب والسلم كالهند وباكستان الفليبين واندونيسيا .
نحتاج الى جهود متواصلة من النساء والرجال ذوي الإختصاص في العمل بشكل متواصل لتضييق هذه الفجوة بين المرأة والرجل وتقديم الحلول ذات المصير المشترك في بناء مجتمع حديث وسليم من وباء العقل الذكوري عن طريق انشاء مراكز توعية تتخصص في التعريف بمبدا المواطنة ومامعنى المساواة بناءا على إنسانية الإنسان وليس على جنسه او لونه او وضعه الاجتماعي . المساواة علم بحد ذاته متشعب في كل المجالات ويصنف المساواة في الاسرة المساوة في المدرسة المساواة في الجامعة والمساواة في العمل .
علينا ان نبدا بانفسنا الإول ، فليس هناك المستحيل بل الممكن. وقبل البدا بتثقيف العامة ، نبدا بالشخص المتعلم الذي يحمل شهادة مهما كان الاختصاص بتاهيله لهذا العمل الإنساني من اجل خلق اجيال وطنية تحب وطنها وتعمل لتطوير مجتمعها اسوة ببقية المجتمعات المتطورة في اشكالية المساواة بين الجنسين. علما ان هناك شواذ واستثناءات في هذا لكن لانعتبره مقياسا.
والمرأة ذاتها عليها مسؤولية المطالبة بحقوقها وعدم التنازل عنها ، وليس عملها المناشدة والتذلل والاستعطاف بل الوقوف بعقلها ومنطقها وبالقانون ، والحقوق لاتعطى بل يطالب بها لكن بالعقل والفكر السليم.