مفهوم(البغاء) عند نوال السعداوي1/2



داود السلمان
2020 / 4 / 11

مخاطر البغاء
يؤكد الطب الحديث أن ثمة مخاطر جمة تصيب البشر الذين يمارسون البغاء، تصل هذه المخاطر حد الموت، وقد نشرت تقارير دولية عديدة مصورة عما فعله "الايدز"، هذا المرض الخطير الذي يصيب الجهاز التناسلي بسبب ممارسة البغاء(الجنس)، حتى فتك بآلاف البشر في العالم، وبالخصوص في الدول الاوروبية. وكذلك غير الايدز ثمة امراض كثيرة لا تقل خطورة عن هذا المرض، من التي تصيب الجهاز التناسلي، جراء الجنس خارج المنظومة الصحيحة للجنس.
"وحينما اشتد خطر البغاء بسبب انتشار الأمراض التناسلية وبسبب ازدياد البغايا (بسبب ازدياد الفقر من تزايد السكان وانخفاض المستوى الاقتصادي لهم)، واضطراد تزايد أعدادهن فأصبحن يمثلن مشكلة اجتماعية واقتصادية وطبية؛ اضْطُرَّت بعض المجتمعات في أماكن مختلفة في العالم إلى إصدار قوانين بمنع البغاء تمامًا، لكن هذا المنع لم يحدث إلا على الورق فقط، وظل البغاء يمارَس كما كان ولكن في الخفاء. وأوضحت الدراسات أنه في أي مكان يُحرَّم فيه البغاء قانونًا فإن ذلك لا يعالج المشكلة، وإنما يدفع بها إلى الممارسة السرية وما ينتج عن ذلك من مشاكل أخطر".
حل يلوح بالأفق
فما هي الحلول الجذرية لمعالجة هذه الظاهرة، او على الاقل التخفيف من واطئتها؟.
وتجيب السعداوي مستشهدة برأي احد الخبراء المختصين بهذا الجاني، فتقول:" إنه قد ثبت أن ظاهرة البغاء هي ظاهرة غير قابلة للمنع، وليس لها من حل في أي وقت قبل المسيحية أو بعدها، ولا حتى في تلك الأوقات التي حصلت فيها الكنيسة على أقصى قوة سياسية".
فليس ثمة جدوى والحال هذه. "لقد اتضح لعدد من العلماء أن البغاء ظل جزءًا متمِّمًا للحياة الزوجية في العصور الوسطى، وقد وصف إدوارد الأول سنة ١٢٨٥ كيف أن الزواج في العصور الوسطى لم يكن ناجحًا بسبب افتقاده الحب، وبسبب الوضع الأدنى للنساء والأطفال".
وتضيف السعداوي: "ويعتقد بعض العلماء أن البغاء ظاهرة اقتصادية، وأنه لا بدَّ أن يوجد في البلد الذي لا يوفر العمل لجميع أفراده رجالًا ونساءً، أمَّا البلاد التي تتيح العمل لجميع أفرادها رجالًا ونساءً فإن البغاء ينقرض بغير قوانين. لقد انقرض البغاء في معظم المجتمعات الاشتراكية، وأصبح من المعروف الآن- للرجال الذين يزورون هذه البلاد- أن عملية البحث عن المومسات عملية يائسة تمامًا، وأن عليهم أن يبحثوا عنهن في البلاد الأخرى حيث تكون الدعارة (وحوانيت الاتِّجار بالجنس والفن الجنسي الرخيص) جزءًا لا يتجزأ من النشاط التِّجاري والرأسمالي في البلد".
وهذا الرأي الاخر للسعداوي لا نتفق معها عليه، فالبغاء بشكل خفي لا يزال في المجتمعات العربية والاسلامية قائما على قدم وساق، ولعوامل كثيرة واسباب متعددة؛ فالإحصائيات في هذا الخصوص تشير الى ارقام مرعبة، وهو ما اشارت اليه بعض التقارير وأن كانت على قلتها، لكون الخوض في هذا الشأن هو من المسكوت عنه، ويدعو الذي يخوض فيه للحظر، وربما للمسائلة القانونية، سيما وأن هذه المجتمعات التي ذكرناها لا تتمتع بالديمقراطية، ولا تؤمن بالرأي والرأي الآخر، حتى وأن ادعت ذلك.
"إن عملية بيع الجسد نظير المال عملية غير إنسانية، لا يقدم عليها الإنسان (امرأةً أو رجلًا) إلا اضطرارًا لحاجة اقتصادية معينة. ومن المعروف أن تجارة الدعارة في أي مجتمع في أيدي الرجال أساسًا، والمرأة في معظم الأحيان ليست إلا أداة في يد رجل قَوَّاد، يشغِّلها ويستغل المال الذي تكسبه بجسدها وهوانها، ولا يعطيها إلا ما يسدُّ رَمَقها … إن الرجال هم الذين يكسبون من وراء البغاء ماليًّا أو جنسيًّا، أمَّا المرأة فهي التي تدفع الثمن وتؤدي الضريبة، وتتحمل العار وحدها والهوان، وتُساق عند اللزوم وحدَها إلى السجن والعقاب". نعم، جدا صحيح، وهو هذا ما يحصل وللأسف الشديد، برغم التشديد والرقابة الامنية وغيرها. "إن هذا القطاع من النساء اللائي أُطلق عليهن «المومسات» لسن إلا إحدى الظواهر الاجتماعية للحضارة الذكورية القائمة على الأبوية، وكان على هؤلاء النساء التعيسات أن يكُن كبش الفداء لهذه الحضارة من أجل أن تقوم وتستمر وتزدهر".
ظلم وقسوة
وبعد هذا الظلم وهذه القسوة وهذا التراجع بحق المرأة، وعدم مساواتها بأخذ حقوقها كشريكة للرجل ويد فاعلة بديمومة وبقاء المجتمع، والنهوض به نحو آفاق مستقبلية منشودة، هل هناك شيء آخر؟. تقول السعداوي: نعم:" وكان هناك أيضًا قطاع آخر من البشر لا بدَّ أن يكون كبش فداء لهذه الحضارة القائمة على الظلم والاستغلال وعدم المساواة بين الجنسين، هذا القطاع من البشر هم الأطفال، الذين يَنتجون عن ممارسة الرجال للجنس خارجَ الزواج أو الأسرة الأبوية، والذين أُطلق عليهم (الأطفال غير الشرعيين). إن هذه الظاهرة ليست إلا مظهرًا من مظاهر التناقض الأخلاقي والإنساني للحضارة الذكورية غير الأخلاقية وغير الإنسانية، لكن شهوة السلطة تُفقد الرجال المنطق، وتصبح قوانينهم متناقضة، وتنتج عنها ظواهر لا معقولة وقيم عكسية؛ ففي الوقت الذي يدَّعي فيه الأب الإنسانية والأبوة والحب في علاقته بأطفاله، نجد هذا الأب نفسه يقسو ويتنكر لأطفاله، لماذا؟ لأن أطفاله من النوع الأول، وُلدوا من المرأة التي اختارها الرجل للزواج، أمَّا أطفاله من النوع الثاني فقد وُلدوا من المرأة التي اختارها الرجل للعشق فقط!".
وتشير السعداوي الى" إن الرجل في كلا الحالين (الزوج أو العشيق) هو الذي يختار، وهو الذي يحدد العلاقة زواجًا أم عشقًا فقط … وإن الرجل في كلا الحالين هو الأب لجميع الأطفال الناتجين عن زواجه أو عشقه، ومع ذلك فإن هذا الرجل الواحد لا يعامل أطفاله بالتساوي، لماذا؟ والسبب واحد، وهو توريث أطفاله من داخل الزواج فقط من أجل استمرار بقاء النظام الأبوي". وهذا مشكلة اخرى تعتري المجتمع فوق تلك المشكلات، فلا ندري يكشف عن ماذا؟" وهذا يكشف أن الرجل في علاقته بأطفاله لا يعرف الحب ولا الإنسانية ولا الأبوة الحقيقية؛ لأن الحب بين الأب وأطفاله لا يمكن أن يكون حقيقيًّا إلا إذا منح هذا الحب للأطفال جميعًا، وليس لجزء منهم دون الجزء الآخر، خاصةً أن الطفل المولود يأتي إلى الحياة بغير إرادته، وليس من العدل ولا المنطق ولا الإنسانية جعله كبش فداء للنظام الأبوي القائم".
فالأمر ينذر بالخطورة، خطورة جسيمة يتحملها المجتمع نفسه، وستبرز في فجواتها جرائم لا يمكن تفاديها أو حلها، الامر الذي فكك وسيفكك المجتمعات، ومن الصعوبة بمكان أن نجد حلول جذرية لها. "وكم من قصص أليمة عن حياة الأطفال الذين عُرفوا بالأطفال غير الشرعيين، كم يُحرَمون من جميع الحقوق الأخلاقية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية التي يحظى بها إخوانهم الشرعيون. والغريب أن الرجل مهما تنوَّر ومهما بلغ من الثقافة أو العلم أو الفن فإنه يتهرب من أطفاله غير الشرعيين، ويحرمهم من المال مهما بلغ ثراؤه".
النتيجة
وتخلص السعداوي بالنتيجة التي توصلت اليها من خلال دراستها لمشاكل المرأة بصورة عامة، ومسألة البغاء بورة خاصة. "وهذا يدلنا على أن ممارسة المرأة للجنس خارج الزواج قد يُقدَّس (البغاء المقدس)، وقد يُلعَن ويصبح عارًا على المرأة وحدَها وأطفالها، فالمسألة هنا ليست الفعل ذاته، وإنما هي نظرة الرجل إلى هذا الفعل، قد يقدسه وقد يلعنه حسبما يتراءى له ذلك".
وهل سيعي الرجل هذه المسؤولية التي تقع على عاتقه؟. الجواب للقارئ الكريم.