وماذا إذا كان الاغتصاب مجندرا ؟ عمل المجتمع وخياره



رضا كارم
2020 / 4 / 13



لا يبدو أنّه ثمّة انفصال بين حدث اغتصاب فتاة تونسيّة منذ أيّام على أيدي مجرم، وجزء كبير من التّعليقات في العالم الافتراضيّ الّتي تناولت الجريمة من زوايا مكرورة تعوّد عليها الرأي العامّ. وتشير الوقائع منقولة عن بعض المدوّنين وبرنامج تلفزيّ، أنّ الضّحيّة توجّهت يوم 20مارس إلى محطّة نقل برّي لتسلّم حاسوبها، فاعترضها شخصان من عصابة واقتاداها عنوة إلى مكان مهجور أين اغتصبت بعد محاولة فرار فاشلة خلّفت لها كسورا بعمودها الفقريّ.
وقد تفاعل بعض النّاشطين مع الجريمة، وأثمر هذا التّفاعل تخصيص حصّة تلفزيّة أماطت جزءا من اللّثام عن جريمة الاغتصاب. لكنّ تعليقات كثيرة تلت البرنامج جرّمت الفتاة، ومنها كلام مدرّب تنس يدرّب الفتيات جاء فيه: "أنتم تتركون لنسائكم وبناتكم حرّية اختيار ملابسهنّ وتتركون لهنّ حرّية التّنزّه والخروج من البيت ثمّ أنتم تبحثون عن المساواة بين النّساء والرّجال... إذن، هذه نتيجة قراراتكم تلك. من تخرج من بيتها عليها تحمّل مسؤوليّتها. الزمن بيوتكنّ لقد تسبّبتم لنا في العار، أنتنّ لا دين لكنّ ولا انتماء لملّة".
تعليقات بلا عدد نشرت على صفحات التواصل تكشف أنظمة التّمثّل عند جزء واسع من المجتمع. لقد مررنا من التّعامل مع جريمة من التّضامن الطّبيعيّ والتّلقائيّ مع الضّحيّة إلى محاولة طمس معالم الجريمة ثمّ إلى تبريرها وتجريم الضّحيّة. وكشف السّياق البطركيّ الذي تنزلت فيه الحادثة عن جندرة العنف و ممارسة التّمييز داخله: بين ضحيّة /ذكر نتعاطف معه فورا، وضحيّة /أنثى نسائلها فورا، في أغلب الأحيان. ونتذكّر منذ سنوات ماذا حدث مع الفتاة الّتي اغتصبها أعوان شرطة، وما مضمون تعليقات أهل السّياسة في زمانه ومجموع مبرّراتهم للجريمة.
إنّ العقل ذاته، عقل التّبرير الذّكوريّ الّذي لا يرى في المرأة غير سلعة تكمّل بنيان الرّجولة مازال يشتغل في واقعة الحال. وهو يحدّد فضاء المرأة (المنزل) وعلاقة الرّجل بها (التّحكّم) ويعيد طرح مسألة الحرّيات الفرديّة طرحا جندريّا (حرّية اللباس وحرّية التّنزّه ليست متاحة للمرأة). فماذا يعني العار؟ أليس العار اعتبار الاغتصاب شأنا يمكن تفهّمه؟ واعتبار الضّحيّة مجلبة للعار، ألا يشير هذا المنطق التبريري إلى تواصل عمليّة اغتصاب الفتاة على أيدي المجتمع: رجالا ونساء يشاركون في الجريمة دون تحفّظ، ويكتبون سطور الهيمنة الذّكوريّة بعد أن تم دخلنتها فغدت جزءا من بنية العقل عندهم /هنّ؟
تشكّل تعليقات جمهور التّبرير العابر للجنادر هيكلا خطابيّا لصناعة الاغتصاب ومأسسته سوسيولوجيّا باعتباره جريمة يشترك في صياغتها المجرم والضّحيّة. وهو مواصلة لوطء الضّحيّة وعرض جسدها والإشارة إلى "فتنتها" و"عريها" بما هي حجج إدانة المغتصبة ووسائل تأثيمها. وهي إذ تزيّنت وامتكلت جسدها الخاصّ وانفلتت من التّكميم الاجتماعيّ، تكون قد هيّأت السّبيل لتشكيل ضحيّة ذكوريّة أعياها الكبت ولن يكون تصعيدها جريمة كبرى بقدر ما هو ضرورة بيولوجيّة وزينة زيّنها الشّيطان ورسّختها "الفاتنة الّني أسرته بجسد يتمايل". فكان أن "ارتوى" من ظمإ وكانت "ماء زلالا" أطفأ وهيجه. وربّما أصلحنا ذات البين وعقدنا قرانهما؟ ومن يدري، لعلّها فاتحة خير.
تعيد الحادثة فتح نقاش أصليّ يأبى الحضور باعتباره أصلا لكلّ نقاش: إنّها قضيّة موقع الدّين من الحياة. ينبغي أن نتسلّح ببعض الصّراحة لقول ذلك. مادام الدّين يقنن طريقة دخولنا بيت الخلاء مراحيضنا ويتدخّل في عوراتنا وسوءاتنا ونظافتنا ويضع شروطا عليا لأنظمة لباسنا وطعامنا وشرابنا وخطابنا وممارساتنا، فإنّنا نحتاج إلى إعادة استنطاق هذا الموقع المستبدّ للدّين. ولكنّ الأمر لا يتوقّف عند هذا، فإنّ الرّجولة المسيطرة الّتي تقبلها أغلب النساء عن طيب خاطر ويمارسها الرّجال دون ارتباك عقلانيّ، تتجاوز كلّ الأديان وتتّصل بأصول بعيدة في التّاريخ ومازالت فاعلة بقوّة في عصرنا. ولذلك سنحتاج أيضا إلى مساءلة الهيمنة الذّكوريّة في يوميّاتنا مثلما نسائلها في ما نكتب وما نفكّر فيه.