قراءة في كتاب «النساء في الحركة العمالية»



سيد صديق
2020 / 5 / 1


يناقش كتاب “النساء في الحركة العمالية”، الصادر عن دار المرايا للإنتاج الثقافي، أواخر العام 2019، مشاركة النساء في الاحتجاجات العمالية في الفترة من 2006 إلى 2010.

يرجع اختيار هذه الفترة أولًا إلى الطفرة في مشاركة النساء في الاحتجاجات، وقد كانت هذه المشاركة سمةً جوهريةً (بحيث كان الاستثناء هو عدم مشاركتهن)، ولم تكن فقط مجرد إضافة كميَّة، بل ومثَّلَت تحديًا لثقافة تستبعد النساء من المجال العام وضربًا لقيودٍ تتجاوز قيود السلطة إلى قيود المجتمع. وثانيًا الأهمية الكبرى لهذه المرحلة من الحركة العمالية وارتباطها بتغييراتٍ مهمة تجاوزت المطالب والشعارات وعبَّرَت عن تحدٍ للقوانين التي صادرت أشكال الاحتجاج السلمي، ورفضٍ للسياسات الاقتصادية التي اتبعتها الدولة.

تنبع أهمية هذا الكتاب والجهد المبذول فيه من ثلاثة باحثين، بالإضافة إلى مشاركة آخرين في نقاش مائدة مستديرة من ثلاث جلسات، من أنه بمثابة نقطة انطلاقٍ لنقاشٍ طويل لا ينتهي مع انتهاء فصوله، وكذلك من المحاور والمشكلات التي يطرحها والتي هي بحاجةٍ إلى المزيد من النقاش وتحليل واستخلاص خبرات الماضي من أجل المستقبل. يناقش الكتاب أيضًا مشاركة النساء في سوق العمل، وأشكال مشاركتهن في الاحتجاجات وكيف تأثَّرت أوضاعهن بهذه المشاركة، والتأثير المُتبادَل بين الجهود والحركات النسوية ومشاركة النساء في الاحتجاجات.

كيف توصَد الأبواب في وجه النساء؟
يناقش الفصل الأول، الذي أعدَّته الصحفية والباحثة الاقتصادية بيسان كسَّاب، حجم مشاركة النساء في قوة العمل ومدى تمتُّعهن بحقِّ العمل في حدِّ ذاته. يستند الفصل إلى تحليل كمٍّ هائلٍ من الإحصاءات المتنوِّعة، من البنك الدولي والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وغيرهما من المصادر الموثوقة، ليكشف بادئ ذي بدءٍ عن تطوُّرٍ كبيرٍ في الفجوة بين بطالة الرجال وبطالة النساء.

يشير الفصل إلى تدني حجم مشاركة النساء في قوة العمل في مصر، إذ بلغت نسبة 22.8% في عام 2018، في مقابل 35.6% تمثِّل متوسط حجم مشاركة النساء في سوق العمل في الشريحة الدنيا من البلدان متوسِّطة الدخل، ليصبح حجم مشاركة النساء في قوة العمل في مصر ضمن أقل المُعدَّلات عالميًا (حوالي ثلث قوة العمل من الرجال في الفترة من 2005 إلى 2017)، بحيث لا يزيد عنه في دولةٍ كالمملكة السعودية، ذات القواعد الاجتماعية والقانونية المتشدِّدة للغاية بشأن خروج النساء للعمل وللمجال العام.

لعلَّ من أهم ما يكشفه هذا الفصل من الكتاب هو تدني أجور النساء في القطاع الخاص (متوسط 754 جنيه أسبوعيًا في العام 2018)، بالإضافة إلى تدني أجورهن عن الرجال في القطاع نفسه بنسبة تتخطَّى الـ17%.

يسلِّط الفصل الضوءَ أيضًا على العلاقة العكسية بين الزواج وعمل النساء، لا سيَّما في القطاع الخاص، في ظلِّ منظومةٍ اجتماعية تلقي الأعباء المنزلية بكلِّ ثقلها على النساء المتزوِّجات (34 ساعة أسبوعيًا في المتوسط أي نحو 5 ساعات يوميًا)، في إشارةٍ كذلك إلى ارتباط عمل المرأة في مصر بإمكانية تحسين ظروف العمل عمومًا، وبالذات في صورة خفض ساعات العمل.

ويلفت الفصل إلى أنه رغم التأثير الكبير لقضية العمل المنزلي غير مدفوع الأجر على حجم قوة العمل النسائية، ورغم أن هاجس “التوازن بين العمل والعائلة” يمثِّل التحدي الأبرز أمام النساء العاملات، ظلَّت هذه القضية خارج نطاق التناول تقريبًا في الأدبيات المؤسِّسة لعمل المرأة كمطلب نسوي.

“الستات أهُم”
اقتُبِسَ عنوان هذا الفصل، بقلم الصحفي والباحث العمالي مصطفى البسيوني، من الهتاف الشهير لعاملات وعمال غزل المحلة، ورغم ما يحمله الهتاف في طيَّاته من ثقافةٍ ذكورية، فهو في الوقت نفسه مؤشِّرٌ على الوجود البارز للنساء في الاحتجاجات، وهو موضوع هذا الفصل بالأساس.

على خلاف تاريخ الحركة العمالية قبل ذلك، ظَهَرَت النساء بقوة في الحركة العمالية خلال العقد الأول من الألفية، رغم عدم وجود توجه واعٍ ومُخطَّط لإدماج النساء في هذه الحركة. ولعلَّ المؤشِّر الأهم، حسبما يذكر البسيوني، هو انتقال النساء سريعًا للاضطلاع بأدوارٍ قيادية في الاحتجاجات، إذ لم يكن هذا ليحدث لولا الحضور الكثيف للنساء على المستوى القاعدي. هذا إلى جانب القطاعات ذات الطابع النسوي شبه الكامل، مثل قطاع التمريض، والرائدات الريفيات، وغير ذلك.

لكن أهم ما يركِّز عليه الفصل هو أن تلك المشاركة النسائية كان يمكن أن تنعكس في مطالب تخص النساء، غير تلك المطالب التقليدية التي ترى في النساء زوجةً أو أمًّا، مثل إجازات الوضع وساعة الرضاعة وتوفير دار حضانة -رغم أهميتها. والجدير بالانتباه هو اختفاء المطالب الأخرى التي تخص العاملة بوصفها عاملة، بصرف النظر عن وضعها الأسري، مثل المساواة في الأجر والتوظيف وفرص الترقي، بالإضافة إلى توفير بيئة عمل آمنة للنساء وحمايتهن من التحرُّش في أماكن العمل.

يتناول الفصل أربع تجارب ذات أهمية خاصة فيما يتعلَّق بمشاركة النساء في الحركة العمالية، وهي شركة النقل الخفيف في الثمانينيات، وغزل المحلة والحناوي للمعسِّل والضرائب العقارية في العقد الأول من الألفية. ويستنتج من هذه الأمثلة أن أبرز المشكلات التي تواجه مشاركة النساء في الاحتجاجات هي استهدافهن من القوى المضادة للاحتجاجات، علاوة على الصعوبات الأسرية التي تمنع النساء من الانخراط في العمل العام عمومًا، والاحتجاجات خصوصًا.

ويخلُص الفصل إلى أن تصوُّر أن تؤدِّي مشاركة النساء في الاحتجاجات العمالية إلى تغيُّر تلقائي في أوضاع النساء هو تصوُّرٌ غير واقعي، وهو ما يكشف الحاجة إلى جهدٍ واعٍ ومُنظَّم ومتواصل لإحداث التغيير.

علاقة الحركة النسوية بالمرأة في الحركة العمالية
تقدِّم الناشطة والباحثة علا شهبة الفصل الثالث من الكتاب باعتباره طرحًا لأفكارٍ وأسئلةٍ غاب بحثها في علاقة الحركة النسوية بالنساء في موجة الاحتجاجات العمالية 2006-2010.

يفكِّك الفصل المقصود بالمنتمين للنسوية، ومن ثم يتناول نظرة تنظيمات اليسار إلى الحركة العمالية والمرأة بها، وما إذا كان اليسار والحركة النسوية قد أحدثا تغييرًا في نوعية المطالب أو شكل التمثيل في الحركة العمالية.

ويلفت الفصل إلى أنه المُلاحَظ منذ بدء حراك النساء في الموجة الاحتجاجية هو مشاركة النساء للمطالبة بـ”المطالب العامة”، إذ جاز التعبير، في حين لم تتطوَّر الأمور قط حتى لمجرد فتح النقاش حول التمييز في الأجور على أساس النوع الاجتماعي. وفي حين وُلِدَت مشاركة النساء في الحركة العمالية الصاعدة كجزءٍ أصيلٍ منها، كانت هذه المشاركة أكثر مُكوِّنات الحركة تأخُّرًا وخضوعًا للقيود. وتشرح الكاتبة أن هذا قد انعكس في تفاصيل النضالات العمالية التي لوحِظَ بها على سبيل المثال تقسيم الأدوار في الاعتصامات تقسيمًا نوعيًا ملتزمًا بالأدوار التقليدية للنساء (إعداد الطعام مثلًا أو الشاي للمعتصمين)، حتى بدت ساحة النضال على نحوٍ أو آخر وكأنها مرآةً للأعباء المنزلية الواقعة على المرأة.

تشير شهبة أيضًا إلى أنه لم يكن هناك التفاتٌ أو تركيزٌ من تنظيمات اليسار والمجتمع المدني على مطالب وحقوق المرأة ودعمها بالحركة العمالية. وتستنتج أن قضية النساء العاملات لم تجد عمليًا من يتبنَّاها، أو بالأحرى أن يعتبرها جزءًا من هويته، وقد تاهت بين المعنيين بقضايا النساء والمهتمين بقضايا العمل، وهو ما انعكس في ضعف التأثير المُتبادَل بين الحركة العمالية والنساء بها.