أقصوصة من وحي المجتمع... لهذا تم ضربي...!!



عائشة العلوي
2020 / 5 / 7

هذه المرة كانت الأسوأ! سبَّب لي عنف زوجي كسرا على مستوى الساق!

عندما انتهى من ضربي، انزوى إلى مكانه المعتاد، وارتشف كأس شاي بارد متناولا غليونه (السِبْسِي)...أبنائي الأربعة، تعودوا على الشجار الدائم بيننا، لكن هذه المرة كان عنيفا... عيونهم حزينة وباكية... لم يتجرأ يوما على تعنيفي بهذا الشكل !

لقد كان المطبخ مكان العراك. امتزجت الأصوات بين البكاء والشتم والصراخ... وما زاد من هيجان الوضع وجود ابن أخيه ذو الإعاقة معنا، كأن المكان يتسع لي ولأبنائي حتى يقطن معنا هذا الطفل ذو 14 ربيعا، لينضاف همُّه إلى همومي. كيف لشقة بمساحة 54 متر مربع مكونة من غرفتين ومطبخ أن تتسع لنا جميعا؟...

العنف يبقى عنفا، لن أغفر له ما فعله بي ولو عن طريق الخطأ... كما لن ألتمس لنفسي الأعذار عندما ضربت الطفل ذو الإعاقة الذهنية الذي يتقاسم الغرفة مع أبنائي الذي أصبح جزءا من حياتنا. هذه المرة، لم أعد أتحمل...

منذ أن فرض علينا الحجر الصحي بسبب كوفيد-19، وحالتنا العائلية أصبحت في تأزم. كنت معتادة أن أبقى في البيت رفقة م.م ذو الإعاقة أنتظر قدوم أبنائي من المدرسة وعودة زوجي من عمله في المساء... على الرغم من العوز والحاجة المستمرة لتوفير المتطلبات الأساسية لعائلتي إلاَّ أني كنت راضية وأحلم بالغد المشرق عندما يكبر أبنائي ويعوضوني عن كل سنوات العجاف التي أمر بها. ابنتي الكبرى، ستحصل على شهادة باكالوريا هذه السنة وسوف تساعدنا على مصروف العائلة وتشتري كل ما ينقصنا!...

شجاري مع زوجي، كان غالبا بسبب المصاريف.. أنت مبذرة؟ من أين تريدينني إحضار هذا؟ كرهت حياتي بسببك؟ لماذا فاتورة الكهرباء والماء مرتفعة؟ أنت لا تعرفين سوى أريد هذا، أحضر لي هذا؟ وهلّم جرى..

اعتبرتها حياة عادية... كل مرة نسمع صراخ في العمارة التي أقطن بها أو في العمارة المجاورة... حتى أننا نعرف ما يتم طبخه يوميا في كل شقة. لما لا، ونحن كجيران لا تفرقنا سوى أسوار وضعت فقط لتعيين حدود الشقق، وليس لأي شيء آخر... يكفي أن تطل من الشرفة أو النافذة لتعلم ما يشاهده جارك على القنوات التلفزيونية أو ما يقوم به في المطبخ أو حتى في غرفة النوم.. شقق ندفع أقساطها كل شهر لا توفر لك الحد الأدنى للعيش بكرامة... حالتي هي حالة العديد من الناس الذين يقطنون شقق لا تتسع سوى للنوم. الحمد لله على كل حال، يجب ألا أتدمر فغيري لا يجد مأوى!...

للأسف كوفيد-19 خنق حياتي، جعلها كالجحيم... لقد تسببت هذه الأزمة في نقص حاد في دخلنا اليومي. ليس لنا مدخول قار كباقي الموظفين أو المستخدمين أو العاملين في القطاع الخاص، زوجي بائع متجول. سلعه تتغير بتغير الفصول والمواسم، نفرح كثيرا بقدوم الأعياد وبشهر رمضان لأن مدخول زوجي يتضاعف؛ نعيش خلالها أيام جد سعيدة. يمنحني من خلالها مصروف مضاعف، وأحيانا تكون فرصة للقيام بنزهة في إحدى حدائق المدينة أو الذهاب إلى الشاطئ، نتناول خلالها البطاطس المقلية أو الفول السوداني أو الذرة المشوية. وإذا ساعدت الظروف زوجي وذهب إلى إحدى الأسواق العمومية، فإنني أنتهز الفرصة لأطلب منه شراء متطلبات للأولاد بعدما يكون قد مرّ عليها زمن وهم ينتظرون بفارغ الصبر لتحقيقها، وكذا متطلباتي. كم هي جميلة تلك الأيام! فمدينة الدار البيضاء كبيرة والرزق متوفر، لكن ليس مع كوفيد-19. فزوجي "فرّاش"، يعرض سلعته بالمساء. فالزبائن لا يخرجون إلاّ في المساء بعد صلاة العصر... ماذا سيكون مصير أسرتي إذا ما استمر الوضع؟ هل سيصبر علينا "مول الحانوت" حتى تمر الأزمة؟ هل ستتحول مملكتي الصغيرة إلى ساحة حرب، من جهة، بيني وبين زوجي ومن جهة أخرى، بين أبنائي حيث الصراع يشتد بينهم حول من سيحصل على هاتفي الذكي؟ هاتفي الذي اقتنيته بعد 6 أشهر من "دَارِت"! ماذا لو علم زوجي بأني أشتري لأبنائي بطاقات تعبئة الأنترنيت ب"الكريدي"؟ إنني أفعل ذلك من أجل الدروس عن بعد، هذا ما يخبرنني به؟ فأنا لست بالمتعلمة حتى أراقبهم وأهيئ الدروس معهم خاصة مع ابني الصغير؟ ...

ماذا فضحت يا كوفيد-19؟ فضحت هشاشة أسرتي. كنت راضية بحياتي التي أعيشها بمرارتها وبحلاوتها، وربما مُرّها أكثر من حُلوها... أريد أن أصرخ بأعلى صوتي، فمن يسمعه يا ترى؟... أنا الممرضة والحاضنة لطفل ذي إعاقة في شقتي الصغيرة... أنا الأم التي يجب أن توفر وتلبي حاجيات أبنائها وبنتها ... أنا الزوجة التي يجب أن تخفف من آهات ومعاناة زوجها وتتفهم ضيقه الاقتصادي... أنا المرأة-الإنسان التي يجب أن تهتم بجمالها وأناقتها... طبعا، حصلنا على مساعدة مالية جراء تبعات الوباء العالمي، لكن لمن ستكفي؟...

كل أسبوع، كنت أذهب إلى "الحمام الشعبي" رفقة ابنتي وجاراتي. نجعله يوم استحمام وأيضا فرصة للكلام والتحدث في كل شيء (الأزواج، الأبناء، المشاريع المستقبلية...)... كم يحلو الكلام في الحمام الشعبي!... وأحيانا كنت أستمتع مع جاراتي في المساء للتحدث في كل شيء ولا شيء رفقة كؤوس الشاي بالنعناع... أفتقد لعاداتي القديمة. لقد كانت تمنحني جرعة أمل وشحنة إيجابية لاستقبال زوجي وأبنائي والعناية بالطفل م.م... هل فعلا كنت أعيش حياتي كما حلمت بها عندما كنت طفلة ؟ أم كنت أتظاهر بأني أعيش وأنتظر الغد الذي رسمته مشرقا مع زوجي، وحياة مؤجلة إلى حين أن يكبر الأولاد؟... زوجي بسيط وحنون، إنه ابن عمّي، لقد تربينا معاً في إحدى القرى المجاورة لسطات قبل أن نستقر في الدار البيضاء... ضيق الحال يجعله غاضب ومنفعل، لا يستطيع تفجير غضبه إلاّ عليّ وأحيانا أبناءه؛ هذا سلوك عادي لأن عليه تحمل غلس وتنمر بعض الزبائن وأصحاب "الحال"... لكن اليوم انفجرنا معا، لم يستطع أحدنا الصبر للآخر... ضاق صدري ولم أستطع تحمل الحاجيات الخاصة لطفلي ذي الإعاقة وأطفالي الذين يطالبون بالحاسوب والهاتف الذكي والانترنيت؟ هل أصبحوا لوازم مدرسية؟ وخوف ابنتي وبكاءها من عدم مسايرة الدروس، فهي مقبلة على امتحان باكالوريا... ماذا أفعل؟... وماذا سيفعله زوجي؟...

مع كوفيد-19، أصبحت مقتنعة بأن حجر الصحي في عائلتي مختلف عن حجركم الصحي...

مع كوفيد-19، حجر أبنائي الصحي ليس كحجر أبنائكم الصحي، فهم لا يملكون حاسوب أو شاشة تلفاز ذكية أو هواتف ذكية...
مع كوفيد-19، أصبحت مقتنعة بأننا لا نسكن شقق في عمارات اقتصادية، بل نحن في جحيم يومي. فليس في شقتي مسافة كافية ليختفي كل واحد منّا في زاويته ويحظى ببعض من الخصوصية... لم أعد أطيق نفسي، فكيف سأطيق أحبتي، مَنهم حولي؟...

حوّلت بناظرها عنّي وتوكأت على ابنتها وابنها الصغير، وقالت مسرعة: "اعذريني علي تحضير الفطور، رمضان كريم أختي"... وتركتني أراقب خطواتها المشدودة إلى الأرض...