لماذا نزهد براغبنا و نرغب بزاهدنا ؟



راوند دلعو
2020 / 5 / 22

( لماذا نزهد براغبنا و نرغب بزاهدنا ؟ )

قلم #راوند_دلعو

سألني أحدهم عن التفسير العلمي للظاهرة التي تحدثت عنها في قصيدتي ( وداع الفيولا ) ... و هي الظاهرة التي تتجلى في المعادلة القاسية التي تسيطر على العلاقات في عالم الحب و الغرام ... و هي كالتالي :

{ يزداد تعلقنا بمن يتجاهلنا و يَزهَدُ بنا ، بينما نزهَدُ فيمن يبالغ في حبنا و الاهتمام بنا }

فكان سؤاله هل هذا نتيجة خلل بيولوجي أو عيب فينا ؟

لماذا نسعى دائماً وراء من يتجاهلنا بينما نتجاهل من يهتم بنا و يضحي من أجلنا ؟

الجواب :

هذا ليس عيباً بل ضغطاً تطورياً و سلوكاً وقائياً لضمان البقاء للأصلح و الأكثر تكيفاً .... مما يساعد على تطوير جنس الهوموسابيان على مختلف الأصعدة !


و نجد الجواب الدقيق في طيات علم السلوك التطوري الذي يأخذ على عاتقه تفسير كل سلوك بشري بمرجعية تطورية تستند إلى سلوكيات الإنسان القديم و أشباه البشر و الرئيسيات العليا كالقرود و السعادين ...

و بالعودة إلى علم السلوك التطوري نلاحظ أن من يُبالغ في طلبنا و السعي لإقامة علاقة جنسية معنا هو عادة لا يمتلك فرصة استثمار جيني رابحة نتيجة لمعاناته من ضعف ما في البنية الجسدية البيولوجية أو الجينية أو النفسية ... فهو يسعى إلينا لأنه في موقع الخاسر الضيعف استثمارياً و المُعرَّض للتنحي و الانقراض ... !

لذلك نزهد به ... و نرغب عنه لاشعورياً ، فسلوكياته اللاهثة وراءنا تصدر تنبيهاً واضحاً إلى جملتنا العصبية بأنه ليس وعاءاً ناجحاً للاستثمار الجيني فهو بالكاد قد يجد شريكاً ما ... فيتم التحكم بالإفراز الهرموني بحيث تقل الرغبة بالتواصل الجنسي معه !

أما من كانت سلوكياته تجاهلية بحيث لا يكترث لنا ، فهي علامات سلوكية واضحة على نجاحه في فرص الاستثمار الجيني مع عدة شركاء محتملين ... مما يشير إلى جملتنا العصبية بأنه يمتلك بنية جينية و جسدية جذابة و صالحة و قوية مقارنة مع الأقران و المنافسين ... فهو ناجح بيولوجياً إلى درجة تمتعه بعدة خيارات للشريك المحتمل مما انعكس على تصرفاته بسلوكيات التعالي ... لذلك نسعى وراءه لنستثمر جيناتنا معه !

و لا بد أن أشير إلى أن المنعكس الشرطي العصبي يتدخل بقساوة في هذا المشهد الكارثي و المحزن على المستوى العاطفي ، حيث يربط المنعكس العصبي الشرطي بين سلوكيات التعلق بالجنس الآخر من جهة ( كثرة التودد و الرغبة بالتواصل و كثرة الهدايا و الكلام الجميل و الشِّعر ... الخ ) و ضعف الامكانيات الاستثمارية الجينية للطرف الآخر من جهة أخرى !

و بناء على هذا الربط يتصرق الطرف المرغوب فيه بطريقة تحاشي و ترفُّع و تجاهل للطرف الآخر الراغب ... !

و العكس بالعكس ... أي يقوم المنعكس الشرطي بالربط بين سلوكيات التجاهل و الترفع من جهة ، و بين قوة الإمكانيات الاستثمارية الجينية من جهة أخرى فيتمسك الطرف الأول بالطرف الثاني الزاهد بقوة أكثر !

لذلك يفشل الشاعر في معظم قصص الحب التي يخوضها ... لأنه عاطفي كثير التعلق ... يعبر عن مشاعره بمنتهى الرّهف و الشفافية العالية !!!

فيتم كسر قلبه بسهولة ....

#الحق_الحق_أقول_لكم ....

{ ودَّعَتْنِي ...

ودَّعَتْنِي و الألَمُ

سفيرٌ لتلك اللَّحظاتِ الحزينةْ

و تساءلَ القمرُ عن لونِ البحر ؟

عن لونِ الموت في جُرحِ السَّفينةْ ؟! }

.... وداع الفيولا ...