بين هند الحناوي ومنى حلمي



لطيفة الشعلان
2006 / 6 / 22

الفارق بين الفعل والاستعراض هو الفارق بين هند الحناوي ومنى حلمي حتى وإن وجدت المرأتان جمال البنا يضعهما على قدم المساواة كرمزين للشجاعة النسائية. منى حلمي التي فشلت حتى في اقناع مجلة كـ "روز اليوسف" في أن تقبل بتوقيعها الجديد الذي تنسب فيه نفسها لأمها ليصبح اسمها (منى نوال حلمي) تقابلها هند الحناوي التي كسبت قبل أيام معركة نسب ابنتها، التي من المتوقع أن تفتح باب الأمل أمام الآف من ضحايا الزواج العرفي في مصر ممن يعانين مع أطفالهن من قضية اقرار النسب. فزوبعة منى حلمي التي تفتقد الطعم واللون وتشبه بعض فرقعات والدتها السيدة نوال السعداوي مرت دون أن يشعر بها أحد في حمى الانشغال بقضية هند الحناوي التي فتحت بشجاعتها النادرة الباب لزخم حوار طال مؤسسة الزواج وحقوق المرأة وقضايا النسب وقانون الأحوال الشخصية حتى انتهى الأمر بعد عامين من المواجهة بالحكم النهائي الذي صدر من محكة الاستئناف باثبات نسب إبنة هند الحناوي إلى أحمد الفيشاوي. فإما أن منى حلمي اختارت التوقيت الخاطئ لاطلاق البالونة ناسية ان هند الحناوي في تلك اللحظة الزمنية هي مالئة الدنيا وشاغلة الناس، أو أن الناس شبّوا وما عادت الاثارة السمجة تثيرهم، لكن النكات بلاشك تضحكهم، ومن ذلك إتكاء منى حلمي في تبريرها لمطلب يفترض أنه حداثي على عوالم الغيب والماورائيات " إننا يوم القيامة سننادى بأسماء أمهاتنا فلماذا لايحدث الاتساق بين الدنيا والآخرة " !
لكن سعد الدين ابراهيم كان من غير ذرة شك واحدة معنيا بأمر الدنيا وحدها وهو يطلق قبل بضعة أشهر نبوءته قائلا "موقف والديّ هند سيدخل التاريخ الاجتماعي المصري، وستكون الطريقة التي عالجا بها الأمر بمثابة مافعله جيل كامل من رواد الدفاع عن حقوق المرأة في بداية القرن الماضي".
والدة هند الأستاذة الجامعية سلوى عبدالباقي كانت تعرف أنها مع أسرتها تقف على عتبة هذه اللحظة الفاصلة التي وصفها سعد الدين إبراهيم حين قالت "من حظ أحمد الفيشاوي أنه وقع مع عائلة مثقفة ولوكان غير ذلك لأنتهى الموضوع بأرخص مما نحن فيه الآن وكانت حياته الثمن ".
طبعا هي بقلب الأم وعاطفتها لم تضف في العبارة حياة ابنتها إلى الثمن، مع أن الواقع العربي يثبت أن دم البنت سيراق هو الأول لغسل الشرف، لكن الأهم بلا شك من الكلام هو أن هذه الأسرة اختارت ألا تدسه في التراب فذهبت إلى وسائل الإعلام حتى تحولت محنتها الشخصية إلى قضية رأي عام وجدل نسوي وفقهي وقانوني واجتماعي، ولاشك أن هند أحسنت توظيف الإعلام فحصدت التعاطف، مما يدلل على أن الاعلام المعاصر الذي يشيء المرأة ويبتذل جسدها هو ذاته الذي قد يناصر حقوقها ويدفع بقضاياها إلى الواجهة. كما ذهبت هند وأسرتها إلى ساحة القضاء لتدشين حق جديد للنساء تصنعه الإرادة الحرة، فكان الحكم القضائي هزيمة نكراء للفحولة الغاشمة ولمنظومة الأعراف التي تحرسها أو تغض الطرف عنها، وانتصارا للانسان والمرأة والأسرة والطفولة التي لاعلاقة لها بزلات الكبار، وانتصارا لقيم العدل والحق في المطلق، وشهادة تصب في صالح القضاء المصري.
حتى نزار قباني أثبت له القاضي المستشار أحمد رجائي دسوقي لا سعد الدين ابراهيم ومركزه الحقوقي أنه مع حقوق المرأة قبل أن يكون مع فساتينها الشفيفة وقوارير عطرها، فقد اختار القاضي من على منصته أن ينطق بالحكم الذي جاء لصالح هند مشفوعا بقصيدة نزار (ليراتك الخمسون تضحكني .. لمن النقود.. لمن يجهضني .. لتخيط لي كفني .. هذا إذا ثمني.. يا بؤرة العفن..) مما أدخل هذه القصيدة إلى تاريخ القضاء وأدخل معها بطبيعة الحال النكد والغم إلى قلب الناقد جهاد فاضل.
لقد تجلت بؤرة العفن في نفاق الكثيرين وازدواجية معاييرهم وفساد ضمائرهم، فمن رمى الحجارة على الأستاذين الجامعيين ربما كانت جدران بيته تنطوي على شتى صنوف المشكلات التي يتورط فيها الأبناء ويقاسون ويلاتها وحيدين أو يعالجون تبعاتها مندفعين متهورين بما يدمر حيواتهم أو حيوات غيرهم لأنهم لم يجدوا أباء متفهمين مثل حمدي الحناوي وسلوى عبد الباقي.
هند في اعتبار هؤلاء كانت " بجحة ووشها مكشوف" ووالداها يجاهران بالفضيحة لأنهما جابها منظومة القيم الاجتماعية الفاسدة التي استند عليها أحمد الفيشاوي وعائلته ورفضوا بملء أفواههم فتوى الاجهاض وذبح الجمال وصيام الستين يوما.. ثم ماذا ؟! لابد أن تكون الخطوة اللاحقة التدليس أو الغش الذي ذكرته الأستاذة الجامعية " نحن لم نوافق هند على مافعلته ولكننا رفضنا الحل التقليدي: اجهاض ثم ترقيع ثم تزييف على رجل جديد" !
المعنى أن ابنتنا أخطأت لكن معالجة الخطأ لاتكون بخطأ آخر. هل هناك قاعدة تربوية أبسط من هذه وأعظم في الوقت نفسه لكن الناس يخرقونها كل يوم؟ هل تبرعت سمية الألفي التي تحرص في مسلسلاتها على تصوير مشكلات البيت المصري فذكّرت ابنها الشاب المتدين الذي يُذكّر الناس بهذا الأصل الأخلاقي؟!
والد هند قال بأنه مثل أي أب صُدم وانجرح في الصميم حين أخبرته ابنته بحملها من زواج عرفي، اعترف أن كفه هوت على وجهها، دفعها فوقعت على الأرض، لكنه سرعان ماتذكر " لقد ربيتها على الحرية المرتبطة بالمسؤولية، قالت لا أريد الاجهاض لأن هذا يساويني بأية ساقطة، موقفها الشجاع جعلني لا أستطيع أن أخذلها".
أنماط التنشئة الإجتماعية تتباين ويتباين معها الأبناء، فالتنشئة التي علّمت أحمد الفيشاوي نمطا عابثا من الحرية تقابلها التنشئة التي تعلمت منها هند أن المسؤولية قرينة الحرية، وبهذا احتملت مالا تحتمله أقوى النساء لتصلح خطأها وتثبت حق ابنتها وترد الاعتبار لذاتها وأسرتها.
وأخيرا فإن سلوى عبد الباقي النزيهة بشهادة كل من زاملها أثناء فترة تدريسها بجامعة الملك سعود بالرياض حين قالت " نحن نمارس قيمنا ولانقولها مجرد شعارات مثل العديد من الناس الذين يتصرفون بعكس مايقولون" لم تكن تعطي للأسرة الفنية (فاروق الفيشاوي وسمية الألفي) درسا أكاديميا في التربية والقيم الانسانية والعائلية أو ضرورة التماهي بين الفكر والسلوك بقدر ماكانت توجه رسالة مفتوحة تهز فيها المجتمعات العربية من كتفيها علها تتنبه من سباتها فتعالج تلك الشيزوفرينيا التي سببت لها الانشطار إلى نصفين: نصف يقول الجميل ونصف لايفعل غير القبيح.