دعوة للبغاء.. -الملابسية- وبلاغة النصف السفلي



سيد طنطاوي
2020 / 7 / 9

كل عام نرى واقعة تحرش جديدة وربما اغتصاب، كأن أكثر الناس شرًا لا يعرف إلى أين سيصل مؤشر الإجرام.
من فتاة العتبة إلى فتاة المنصورة وفتاة ميدان التحرير والقائمة تطول، لتأخذنا إلى قائمة طويلة من التبريرات من نحو لبس الفتاة هو السبب، "إيه اللي وداها هناك"، خرجت دون داعٍ".
رغم فظاعة كل الحوادث التي ظهرت على السطح بداية من حادثة فتاة العتبة عام 1992، إلا أن الجرائم تأخذ منحنى السواد تصاعديًا، وكل ما اعتبرناه نهاية، ما كان إلا بداية لما هو أسوأ.
مسلسل الأسوأ يمكن أن تراه واقعيًا في تصاعد ردود الفعل، ففي حادثة فتاة العتبة 1922، ذهبت الممثلتان أمينة رزق ونادية لطفي إلى منزل الضحية وخرجتا بها إلى المجتمع، وكان ذلك إعلانًا بأنه لا لوم على الضحية، والذنب كله على المجرم أيً كان موقعه.
الآن في 2020 الوضع أكثر سوءً، فالشيوخ من أمثال أبو إسحاق الحويني ونجله حاتم، وعبدالله رشدي، وآخر يُدعى سعد عرفات قد جعلوا الفتاة مشاركة في الجريمة، وتبعهم في ذلك جمهور عريض من رواد السوشيال ميديا بعضهم قد وقع في الجريمة ذاتها ويبحث عن من يُشبع رغبته التبريرية.
البداية من عند عبدالله رشدي الذي قال في يوليو 2019- وهو ما تمسك به في الواقعة الجديدة للمتحرش بسام أحمد زكي: "ليس من الطبيعي أن تخرج فتاة بملابس لا تصلح إلا للنوم ثم تشكو من التحرش، لا أجعل ذلك قطعًا مبررًا للتحرش ولا أعفي المتحرش من العقوبة، ولا أُبيح التحرش بمن تلبس كذلك، حتى لا يؤول ضعاف العقول كلامي، لكنني أعتقد أن من تصنع ذلك جزء من المشكلة وإذا أردنا علاج المرض لا بد من قطع كل أسبابه ومحاسبة الجميع، فمن تستعرض جسدها بزي فاحش أمام شباب تملؤه الرغبة ويمنعه الفقر فهي شريكة في الجرم".
كلام "رُشدي" لا يمكن أن يُقرأ بعيدًا عن دائرة التلاعب بالألفاظ، فمثلًا حينما تقول لشخص أنت حمار، لكني أحبك، هل هذا ينفي الإهانة عنه، بالقطع لا، هذا ما فعله عبدالله رشدي، قال جملة مكتملة الأركان وهي: "ليس من الطبيعي أن تخرج فتاة بملابس لا تصلح إلا للنوم ثم تشكو من التحرش"، لم يقتطع أحد الجملة أو يُخرجها عن سياقها، ولم يحذف أحد الاستثناء عن النفي الذي يسبقه لتكون على طريقة "لا تقربوا الصلاة"، المعني الحقيقي للجملة أنه ليس من حق الفتاة التي يرى هو- من وجهة نظره- أنها ترتدي ملابس للنوم أن تشكو من التحرش.
يعود بعد ذلك ليقول: "لا أجعل ذلك مبررًا للتحرش"، ليكون هنا قد قال الشيء ونقيضه، وهو هنا بين أمرين الأول أنه يُدرك- يقينًا- أن ما يقوله هو حض على جريمة التحرش، فيحاول أن يخلق بابًا للنفي، وفي ذات الوقت يُعبر عن نفسيته التي ترى أن المرأة هي السبب وتلك جريمة أخرى.
إحدى مُتابِعاته على السوشيال ميديا وجهت له سؤالًا بأنه بنفس المنطق ليس من حقه أن يرتدي ثيابًا تبرز رجولته طالما أن الخطأ هنا على الطرف الآخر، فكان رده عليها بمنطق تحرشي: "إيه فتنتك"، إذًا نحن هنا أمام رجل يلوي الحقائق بناءً على نفسيته التي لا تحتاج إلى توصيف.
منطق "رُشدي" يلقى رواجًا لدى رواد السوشال ميديا من غير المتخصصين فيما يكتب، يفرح هو بإشاداتهم ولا يعرف الفرق بين إشادات العامة وإشادات المتخصصين، ولذلك صنع لنفسه "دراويش" يقولون إن القول ما قال "رشدي"، ففي مرةٍ علق على شيء مثار على السوشيال ميديا فقال أحد متابعيه: "أعطه يا شيخ"، فرد عليه قائلًا: "سأصلي المغرب وأزيد في إعطائه"، ليدغدغ مشاعر متابعيه فتعلو أصوات التكبير الفيسبوكي التي يُرهب بها خصومه، وبالمناسبة هي لا تساوي عندي جناح بعوضة.
المنطق ذاته عند أبو إسحاق الحويني، الرجل الذي يرى أن ملابس النساء سببًا للتحرش، فقال إن بعض الشباب اشتكوا له من أن النقاب يُفتن أكثر من المرأة المتبرجة، لأن الشاب يصور المرأة المنتقبة كما يُريد، ونجله "حاتم" اتفق مع عبدالله رشدي في كل ما ذهب إليه.
إذًا نحن هنا أمام معضلة، فملابس النوم والنقاب تفتن، فماذا نفعل؟ هل نطلب استيراد زي رواد فضاء لعله يكون المانع؟
هذا الاقتراح لم يُجد نفعًا، إذ خرج علينا الداعية السلفي سعد عرفات، ليقول إن السبب في التحرش هو المرأة ذاتها وليس لبسها، لأنها خرجت من الأساس دون مبرر.
كل تبريرات الأربعة تأخذنا إلى اختراع جديد هو "الملابسية"، بمعنى أن نُصنف النساء بناءً على الملابس ونحدد لهن شوارع يسرن فيها، فنخصص شارع للمنتقبات، وشارع لمن ترتدي العباءة، وشارع لمن ترتدي البنطال الواسع، وآخر لمن تلبس البنطال الضيق، وكل ذكر يختار الشارع الذي لا يُفتنه ويسير فيه، وبعد سنتين نترك مواجهة الطائفية والتصنيف، لنبحث عن حلول لـ"الملابسية" التي ضربت المجتمع.
إذًا ما الحل؟
عبدالله رشدي قال: "إذا أردنا علاج المرض لا بد من قطع كل أسبابه ومحاسبة الجميع، فمن تستعرض جسدها بزي فاحش أمام شباب تملؤه الرغبة ويمنعه الفقر فهي شريكة في الجرم".
إذا كان هناك مبرر ولو بنسبة 1% في أن الشباب لا يمكنه أن "يُمسك نفسه" في ظل ملابس المرأة التي تثيره، كما ذهب الأربعة عبدالله رشدي والحويني الكبير والصغير وسعد عرفات، فإن هذه دعوة لتقنين البغاء لا لتبرير التحرش بزي المرأة، ولو تقدم أحد بطلب لذلك فليس من حقهم الاعتراض عليه لأن الشباب تملؤه الرغبة فماذا يفعل؟