انتحالُ صفة: (رجل)!!!



فاطمة ناعوت
2020 / 7 / 19

Twitter: @FatimaNaoot

مَن لا قوامةَ له على غرائزه، كيف يزعمُ القوامةَ على النساء؟! لهذا قال تعالى: “الرجالُ قوّامون على النساء"، ولم يقل: “الذكور". فالفارقُ البين "الرجل" و"الذكر"، كالفارقُ بين الجبل الأشمّ، وكوم التراب الهشّ يذروه بعضُ هواء. الرجولةُ قوة ونبلٌ وشهامةٌ ومسؤولية وحماية ورباطةُ جأش وثباتٌ انفعالي. فيما الذكورةُ غريزةٌ هشّة تُستثارُ بفكرة أو صورة أو كلمة، أو شماعة المكوجي تحمل فستانًا. الرجولةُ تحضُّرٌ وسموّ، فيما الذكورةُ الطليقةُ همجيةٌ رعناء. لهذا فأنا أطالبُ بمحاكمة "الذَّكر" الذي قال إن ملابس النساء غير المحجبات تستفز "ذكورته"؛ بتهمة (انتحال صفة رجل ) لأنه يُقرُّ بنفسه عن نفسه أنه "ذكرٌ" لا يتحكّم في غرائزه ولا يُطيق غضَّ البصر الذي أمر به دينُنا. قال "الذَّكرُ" نصًّا: (عدم الحجاب تعري نعم، لأنكِ تُبرزين مفاتنَكِ التي تستفزُّ بالفطرة ذكورتي )! وبعيدًا عن الخطأ اللغوي في كلمة (تعري) وصحيحُها (تعرٍّ)، وهو خطأ لا يقعُ فيه من يزعم أنه رجلُ دين حافظٌ القرآن الكريم؛ الذي يضبطُ لسانَ قارئه، وبعيدًا عن مفردات غير لائقة يقولها في فيدوهاته المصوّرة مثل "جامد زوحليقة"، وغيرها من كلمات تُهينُ قائلَها ولا تليق برجل دين كما يُصوِّر لمتابعيه، إلا أن كلامَه ليس إلا اعترافًا صريحًا بعدم استطاعته التحكّم في غرائزه وشهواته، أمام أي فتاة "غير محجبة”. ولن نسألَه: (وكيف تبرّرُ التحرشَ بالمحجبات والمنتقبات والأطفال والطفلات؟) لأنه أجاب عن ذلك قائلا: (بسبب الكبت الجنسي اللي بيشوفوا من اللي بيلبسوا لبس ملفت… عمال يتشحن فبيدور على أي شيء يوجه طاقته الجسدية له)! هذا نصُّ كلامه بالحرف. وإذن، إذا افترضنا جدلا "أن جميعَ المسلمات قد تحجبن"، فهل يعطي هذا الشخصُ مبررًا للتحرش بالمسيحيات اللواتي لا يضعن الحجاب؟! الإجابة المؤسفة: “نعم"! وتلك الفكرةُ كامنةٌ في ذهنه الباطنيّ؛ باعتبار "المسيحيين كفارًا" كما صرّح هو مرارًا؛ وبالتالي يجوزُ على نسائهم ما يجوز على الكفّار في الغزوات من سبيٍ واغتصاب واسترقاق!
من كلماته المأثورة نصًّا ما يلي: (ليس من الطبيعي أن تخرج فتاةٌ بملابسَ لا تصلحُ إلا للنوم، ثم تشكو من التحرّش!) وهنا يُعطي صكَّ أمان للمتحرّش بحقه في إيذاء المرأة قولا أو فعلا، تِبعًا لملابسها! والشاهدُ أن المتحرشين لا يتحرشون بمن ترتدي ملابس مكشوفة وفاضحة، بل بفتيات الجامعة اللواتي يلبسن الملابس الكاجوال البسيطة، مثلما يتحرشون بالمحجبات والمنتقبات والأطفال، فالمتحرش (ذكرٌ هائجٌ) لا يميّزُ ولا يختارُ؛ لأن عقلَه غائبٌ وغرائزَه حاضرةٌ وجاهزة ومهيئة لإيذاء (أيّ) امرأة أو فتاة أو طفلة، أو حتى "طفل".
وفي مقابل جميع الترهات السابقة التي قالها ذلك "الذكر"، نجد بيان دار الإفتاء الحكيم الرصين يقول: (إلصاقُ جريمة التحرش النكراء بقَصْر التُّهْمَة على نوع الملابس وصفتها؛ تبريرٌ واهمٌ لا يَصْدُر إلَّا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة؛ فالمسلم مأمورٌ بغضِّ البصر عن المحرَّمات في كل الأحوال والظروف. والـمُتحرِّش الذي أطلقَ سهام شهوته مُبرِّرًا لفعله؛ جامعٌ بين منكرين: استراق النظر وخَرْق الخصوصية به، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "إياكم والجلوسَ على الطُّرقاتِ"، فَقَالُوا: ما لنا بُدٌّ، إنما هِي مجالسُنا نتحدَّثُ فيها، قال: "فإذا أبيْتُم إِلَّا المجالسَ، فأعطوا الطَّريقَ حقَّها"، قَالُوا: وما حقُّ الطريق؟ قال: "غَضُّ البصرِ، وكفُّ الأذى، وردُّ السَّلامِ، وأمْرٌ بالمعروفِ، ونَهيٌ عنِ المنكَرِ”.)
وقبل أن يرمينا أحدُ السفاسطة بما لم نقصد، ويُغيّر مسارَ الحديث عن موضعه، على نهج (مغالطة رجل القش) التي ينهجُها ذلك (الذكر) في جميع محاوراته، فهذا المقال، وجميعُ قولنا السابق واللاحق، لا يدعو إلى السُّفور ولا يهاجم الاحتشامَ، ولا يناقشُ أصلا حرية المرأة في ارتداء ما تشاء من ملابس بما يتفق مع طبيعة المجتمع ومناسبة الملبس للمكان. إنما نطرح في مقالنا عدة أفكار ومغالطات واضحة، وهي:
1- “عدم التحكم في الغزائز" لدى "الذكر"، ثم ادّعاء "القوامة"؛ وتلك قضية متناقضة.
2- تبرير التحرش والاغتصاب لغير المحجبات، بزعم أنهن "يتعرين" بهدف التحرش بهن، وفق قول ذاك الشخص!
3- تبرير التحرش واغتصاب المحجبات والمنتقبات والأطفال، مادام هناك "امرأة واحدة" في المجتمع "غير محجبة" تستثير شهوات "الذكر"؛ فيلجأ إلى تفريغ شهوته الجسدية في أي شيء يجده، وفق قول المذكور.
4- إعطاء رخصة للتحرش بالمسيحيات، كونهن غير محجبات، وكونهن "كفّارًا"، وفق زعم ذاك "الذكر" وأمثاله.
5- فضُّ الخلط بين مفهومي: “الرجولة" كمسؤولية وقيادة وريادة، و"الذكورة" كانبطاح وانقياد وتبعية.
وللحديث بقية. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحترم الوطن.”
***