كاميرا نوال السعداوي



سمر يزبك
2006 / 6 / 28

السجينة رقم 1586 تضحك بعذوبة على شاشة "الجزيرة"، وتروي قصة السجينات المسلمات اللواتي رقصن، والسجينات الماركسيات اللواتي صلّين بخشوع عندما قُتل أنور السادات، وفعلن ذلك لأنه ببساطة يعني الحرية. ثم تضيف، ممازحةً سامي كليب في برنامجه المميز "زيارة خاصة": أنور السادات سجنني لأني صدقت كذبة الديمقراطية.
تضحك نوال السعدواي أمام الكاميرا، هي الطبيبة والأديبة العربية الشهيرة التي ارتبط اسمها بحركات التحرر النسوي، وكانت بعض كتبها مثل "أنثى ضد الأنوثة" و"المرأة والجنس"، بين الأكثر مبيعاً على امتداد سنوات طويلة. تضحك السعداوي، ولا يصدّق المشاهد أن هذه المرأة البشوشة ذات الملامح الحانية، هي نفسها من شبهها بالشيطان كثير من المحافظين وأصحاب الأقلام الذكورية.
الكاميرا، التي عقدت صلحاً من نوع خاص مع وجهها، غيّرت المفهوم الشائع عن هذه السيدة المشاكسة. ولقد انقضى زمن كانت السعداوي توصف فيه بأبشع النعوت، وأقسى ما يمكن أن يُكال للمرأة من اتهامات، مثل الطعن في أنوثتها، وتوصيفها بالمسترجلة، وهو الوصف الملازم لأغلب النساء اللواتي اشتغلن على قضايا تحرر المرأة العربية. وأعتقد أن المشاهد انتظر من ظهور السعداوي حديثاً مكرراً عن حرية المرأة، ومساواتها بالرجل، الأمر الذي ملّه نتيجة ابتذال موضوعة المرأة على الفضائيات العربية. لكنها فاجأت مشاهديها، بتواطؤ مضمر بينها وبين الكاميرا، لتبدأ أولى المفاجآت من عذوبة حديثها وضحكات عيونها المشعة بالأنوثة رغم الشعر الأبيض. المفاجأة التالية التي لم يكن ينتظرها المشاهد هي أنّ السعداوي أشادت بحرية المرأة دون أن تتحول إلى رجل، على شاكلة صورتها المشاعة في الرأي العام. كذلك أبت إلا أن تقرّ بمبدأ الشهوة الجنسية، ولكنها منحته الدرجة الثانية، مفضلةً شهوة المعرفة: أسمى الشهوات!
العيّنة على أحكامها الموضوعية كانت انتقادها رواية حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" من حيث بنيتها الفكرية القائمة على ذكورية مفرطة، في الآن ذاته الإشادة ببنائها الفني. تمازح الكاميرا بعفوية وطزاجة، وتعاند كطفلة أعداء الحياة، وتدافع عن الإسلام وليس عن شكلانية الدين، وترفض حجاب العقل دون أن تخجل من جسدها، وتستغرب كيف يسحق البعض حريات الناس. وبإيماءات لماحة، تهرب من عين الكاميرا المباشرة دون أن يشعر مشاهدها أن هناك كائناً وسيطاً بينه وبينها، فتغيب العدسة الصغيرة، وينسى المشاهد الكاميرا، ويشعر أن الصندوق الصغير الملون هو أشبه بنافذة مفتوحة على بيت الجيران، وأن هذه السيدة التي ارتبط اسمها بتعرية المرأة من كل صفاتها وخصائصها، هي أمّ، وزوجة مسنة طيبة، تجلس على شرفة بأفق واسع، صحبة شريك حياتها، ضاحكة، باشة، مثيرة بعض الغرابة. فأن تفكر المرأة بهذه الجسارة، وأن تكون قادرة على توليد المعرفة، بل وبلوغ مرتبة متقدمة في تقديم تلك المعرفة، أمر يندر أن تمتلكه امرأة عذبة مفعمة بالحيوية. ينبغي، استطراداً، أن تكون تلك المرأة من طراز ضاربي الرجال بالعصي!
كاميرا نوال السعداوي كذّبت هذا التنميط الزائف، لأن الصورة لا تعرف الكذب حين تسرد تفاصيل الوجوه!