علامات يوم القيامة والانتفاضة الأولى



ميس محمد غيبور
2020 / 8 / 15

في شي عم يصير .. كنت بعرف إنه في شي عم يصير .. بس ما بعرف شو هوي .. لسه ما عم اقدر افهمه، ما عم فيي أدركه، بس عم حس فيه ومتأكدة إنه عم يصير …
الجوّ مشحونٌ، كنت أشعر بذلك، وأحاديث كثيرة تُروى تصل إلى مسمعي بضع كلماتٍ غريبةٍ تؤكد شعوري لكني لا أفهمها، كانت تعطيني إحساساً فقط دون معنى. كنت أعرف أنهم يتجادلون حول أمرٍ ما، إلا أنني لم أستطع تحديد ماهيته. لقد قادني حدسي أكثر من عقلي.
كلامٌ كثيرٌ كان يُقال، فمرةً يكون عاطلاً ومراتٍ عديدةٍ مليحاً. فأما العاطل منه، فكان يقال جهراً وبصوتٍ عالٍ، وأما المليح فقد قِيل سراً وبصوتٍ خفيضٍ.
كانوا قلةً قليلةً من مازالوا مؤيدين للنظام القائم رافضين لِلثورة، التي بدأت بِالاندلاع، يجتمعون وينمّون على الآخرين المعارضين له ينددون ويشجبون. لَربما كانوا في قرارة أنفسهم مجرّد مترددين بشأن التغيير، إلا أن الاستنكار هو ما كانوا يُظهرون، وربما كانوا مثلي لم يفهموا بعد ما يحدث، وعلى خِلافي أرادوا للحال أن يبقى على حاله.
وكثرةٌ كانوا يشعرون بالظلم يخنقهم، فَيندلع سيل الحنق على الموروث في نفوسهم، فيجتمعون ويعبرون عن معارضتهم للنظام ودعمهم لِلحَراك. يتهامسون ويناقشون الحركات الفدائية الفردية التي تحدث بين حينٍ وآخر ويثنون عليها ويفكرون بالقيام بمثلها فَيتناقشون ويَترددون ويشجعون بعضهم البعض. بضع ثوارٍ منهم فقط كانوا يتجرؤون ويجاهرون بدعمهم للثورة، أما الأغلبية فكانوا صامتين، يخشى واحدهم على نفسه وعلى أولاده.
وقد سنحت لي الفرصة وقتها كوني بالكاد مرئيّة للتفرّس في الوجوه مطولاً، فكنت أعرف مؤيدي النظام من معارضيه بمجرد النظر إلى وجوههم، ولو صمتوا دهراً. أذكر مرة أن كان هناك تجمعٌ عاديٌ في بيتنا، وقد كانوا كثيرين حتى أنهم بالكاد اتّسعوا في صَالوننا الكبير. كانوا مؤيدين ومعارضين معاً وبدأت الجلسة، التي لا تقل عن ساعتين عادةً، كالعادة بأحاديث عاديةٍ لا علاقة لها بالأمر، فالحذر واجب! لكن هذه الدردشات لم تكن إلّا الهدوء الذي يسبق العاصفة، والكل يعرف ذلك في قرارة نفسه، ويعرف أن الأمر لابدّ أن يُذكر، لكنه لا يريد أن يكون هو البادئ، فِيصمت وينتظر معارضاً أو حتى مؤيداً ليأتي على الحديث، وحدث ذلك فعلاً في الربع الأخير من الجلسة. فقد انتفض أحد الثوار يشيد بما فعله أحد الفدائيين، فانبرى مؤيدٌ فوراً وصاح بصوتٍ مرتفعٍ أن هذا التصرف معيبٌ وغير مقبولٍ إطلاقاً ومخالفٌ بشكلٍ صارخٍ للنظام، وما إن قال ذلك حتى راح كلٌّ منهم يُدلي بدلوه ووقعوا في هَرْجٍ ومَرْج. فَكان المؤيدون يتجرّؤون على الحديث بملآن صوتهم فَيشجبون ويعيبون الفعل والفاعل، أما المعارضون وكانوا الأكثر فقد تحدث بعضهم بشكلٍ مباشرٍ وأغلبهم كانوا يلقون بتلميحٍ أو تساؤلٍ ملغومٍ أو يعبّرون عن موقفهم بملامح وجوههم وتحركات أيديهم. واشتدّ الجدال حدّاً دفع أمي (المُضيفة) إلى إنهاء الحديث بطريقةٍ دبلوماسيةٍ تتوسط فيها بين الرأيين، وكوني أعرف مسبقاً رأي أمي الحقيقي، فقد بدأت حينها أفهم كيف يتم التعامل مع هذه الأمور في هذي البلاد الملعونة.
على أي حال استمرت اللقاءات، وظل المعارضون خلالها يواظبون على فتح النقاش مجدداً مع من بقي مؤيداً وخوضه كل مرّةٍ ببراعةٍ وحنكةٍ ومنطقٍ أكثر وبعددٍ أكبر، فقد بدأ الصامتون بالتكلّم وكانوا في سبيل إقناع المؤيدين يبذلون قصارى جهدهم في توضيح رأيهم ويَدعمونه بالحجج المنطقية والأمثال الشعبية والقصص التراثية والدينية أحياناً. كانت ثورة فكريّةً ثقافيّةً سلميّةً بالمطلق.
رياح التغيير كانت قد عصفت بالنفوس ولَفحتني ببعض النسائم. في ذلك العمر كانت تنقصني عشرات السنتيمترات، لأكون بالطول الذي يُعرّض عنقي للرياح العاتية في الأعلى، وتنقصني كثيرٌ من السنين ومحيطٌ من المفردات لأدرك أن عنقي أيضاً سيكون فيما بعد عرضةً للرياح.
شهورٌ عديدةٌ مرت وأنا أحاول تلقّط الأخبار ومعرفة ما يجري حولي. كنت أبني علاقتي باللغة وأحتلّها منطقةً منطقة وأبذل جهداً شاقّاً لفهم ما يُحكى، أعتمد على بضع كلمات أعرفهم وأقارن الكلمات الجديدة بهم. كنت أعالج كل كلمةٍ تُقال على حدة، أزنها وأشتقّها بشكلٍ فطريٍ وأحاول تقريبها لشيءٍ مألوفٍ أعرفه. ولم أكن أستطيع صياغة السؤال لطرحه، لو أردت. كنت أتفرّج وحسب، كما لو أنني أشاهدهم على التلفاز، كأني غير موجودةٍ بينهم، وهم لم يطردوني كعادتهم كما كانوا يطردون الأطفال الأكبر سنّاً من جلساتهم لِمنعهم من الاستماع لأحاديث الكِبار، فلم يكن يُعوَّل على فهمي بعد، كنتُ بالنسبة لهم بلا عقل، بالنسبة لي كنتُ بعقلٍ لكني بلا جنس، فقد كنتُ صغيرة بالعمر حدّاً سمح لي بملازمة أبي برفقة الرجال وأمي بصحبة النساء. شعرت بالتعاطف مع الثوار لأنهم مظاليم وحسب، لم أكن أعرف أنني منهن وأني سأُظلَم يوماً ما مثلهن، كنت أجهل أنني بنت والآخر صبي وأن الثوار برمتّهم نساءٌ ثائراتٌ ضد النظام الاجتماعي السائد! ولو أن ثورتهن كانت تلقى تأييد معظم الرجال، بالنسبة لي كانوا كلهم مجرّد بشر. كنت أجهل أن الحظ خَالفني وولدت بنتاً في مكانٍ وزمانٍ تُضطهد فيه النساء لمجرّد أنهنّ نساء، على الأقل في بيتي لم أكن أرى ذلك (رحم الله والدي)، وحيث أنه لا عنصريّة في مملكة الأطفال، فقد عصت الفكرة على فهمي كونها غير منطقيّة فطريّاً، ولا سيّما للبنات، وتزداد تعارضاً مع المنطق بازدياد وعي الطفلة. لذا وصفت لكم الثورة الأولى التي شهدتها في حياتي بعيني وعقل طفلةٍ في السنة الرابعة من عمرها وتكلّمت آنفاً عن الثائرات بصيغة جمع المذكر السالم. وظللنا جميعاً بلا جنس إلى أن أتى اليوم الذي فهمت فيه كل شيء.
كان يوماً شتويّاً عادياً إلى أن طُرِق الباب. كنا ما زلنا متحلّقين حول السفرة، التي فرغنا للتوّ من تناولها ولم نشرع بعد برفعها، فأجابت أمي الباب، وَإذ بها تعود حامِلةً شيئاً ما بيديها الاثنتين كما لو أنها تحمل قالب حلوى. مع أن الشيء ليس كبيراً إلا أنه قيّم أو على الأقل هذا ما بدا لي حينها بسبب الحالة التي عادت بها أمي، فَلم يسبق لي أن رأيتها ولا حتى رأيت غيرها بهذه الحالة. كانت أمي متحمّسةً ومتوتّرةً بعض الشيء، عيناها الخضراوان تلمعان وتَنثُران التحدّي، ورغم حرصها الواضح على ما بين يديها فقد كانت تتحرك بطريقةٍ غريبةٍ، إذ كانت تتقافز بين هنا وهناك بنشاطٍ واهتياج.
أمي امرأةٌ جميلةٌ وقويةٌ وغير متعلّمة ومُحافِظَة بعض الشيء، فقد ولدت وتربّت في الريف، ولما تزوجها أبي وعاشا في المدينة كانت تضع شالاً على رأسها، أسوةً بنسوة القرية وخِلافاً لنسوة المدينة، وبعد الزواج اقترح عليها والدي أن تخلعه إن شاءت، لكنها أبت، ورغم ذلك فقد كانت من أشدّ المناصرات للثورة وكانت تتمناها وتتوق إليها قبل وأكثر من كلّ نساء الحي.
كان لدى أبي سيّارةً، استلمها من الدولة بصفته موظفاً، وكانت السيارة من نوع الأنتر كبيرة وعالية. وكانت النساء في ذلك الوقت لا يرتدين إلا التنانير، ألوانها أسود أو كحلي وقماشها من النوع القاسي الذي لا يتمدد أبداً كي لا يأخذ شكل الجسم، فإما أن تلبسها المرأة بطولٍ يغطي الركبة أو تكون طويلةً للأرض مع فتحة ليست كبيرة من الخلف بالكاد تسمح للمرأة بالمشي، وفي الحالتين ينبغي أن تلبس المرأة تحتها جراباً شفافاً لحميّ اللون أو أَسوده. على أي حال كانت معضلة أمي الصعود إلى السيارة. كانت تطلب من أبي دائماً أن يقف وراءها كي يغطيها بجسمه أثناء صعودها إليها، في حال وجود أناسٍ وراءها. وكان أبي يفعل ذلك ويضحك كل مرّةٍ ويقول لها: ارتدي بنطالاً وارتاحي! لكن أمي كانت تجيبه دوماً بأن هذا لا يجوز، وماذا سوف يقول الناس عنها إن رأوها ترتدي بنطالاً ولو كانت مع زوجها في السيارة. وتُذَكّر أبي أن لديهما بنات ومن هذا الكلام تزيد، وظلت ترفض ارتداء البنطال، إلى أن كانت بيعة الجمعية (عهد الجمعية).
ولكن قبل بيعة الجمعية، ماذا كان في الطرد الذي تلقته أمي ذلك اليوم؟
ظُهر ذلك الخميس كنا جالسين على الأرض وأبي مضطجع، وأمي واقفةٌ أمامه في أوج غليانها، أخرجت محتوى الطرد وشرعت تتفقّده وكانت أثناء ذلك تقذف جملاً متقطعة، قالت: لقد وصل أخيراً.. البنطال!.. وصل البنطال.. أرسَلته الخياطة.. انظر، إنه جميلٌ وسميك.. سأشعر بالدفء أخيراً، وكل نساء الحارة.. سأجرّبه لأُريك إياه، لن تكون هنا يوم الجمعية، لن تراه عليّ، ستكون في وظيفتك ولن تراه.. سنلبس البناطيل جميعاً.. لن تخلف إحداهن بعهدها، أنا متأكدة.. وضحكت وباعدت يديها عن بعضهما وهي تضيف: سينتهي برد الشتاء إلى غير رجعة، ثم كادت تكزُّ على أسنانها ويداها ما زالتا متباعدتان أطبقت كلاً من كفيها على نفسه وهزّت يديها بقوّةٍ وتحدّي بحركةٍ حيرتني وبدت لي غريبةً وقتها، إذ تراءى لي أن أمي امرأةٌ ورجلٌ في آنٍ واحد وهي أيضاً صبيٌّ صغيرٌ وبنتٌ صغيرة، لاحقاً عرفت أنها كانت حركة إنسانٍ ثائرٍ حر والثائر الحق لا جنس له ولا عمر ولا لون. في تلك اللحظة رأيت كل الأحرار لأول مرّةٍ في حياتي متجسّدين في أمي، ومع حركتها هذه قالت: سألبسه وليذهب إلى الجحيم كلّ مُعترِض، سألبسه سألبسه. سَأقبر البرد أخيراً يا محمّد (جوّ مدينتنا صحراوي جاف وبردها قارسٌ جداً) وسَأصعد السيارة وحدي فأرتاح وأُريحك. فأجابها أبي وهو يضحك معها ولها: جرّبيه، يبدو جميلاً، لابدّ أنه سيليق بك. ارتدته أميّ وصارت تطير فيه كَطفلةٍ تلقّت للتو ثياب العيد، كانت تقفز من مكانٍ لآخر وتدور حول نفسها لترينا إياه، وكان والدي يتفرّج عليها ويفرح بِحماسها وإصرارها ويشجعها وأكّد عليها أن ترتديه وتذهب به إلى الجمعية، وحصل منها على وعدٍ بذلك.
كانت كلُّ نساء الحيّ تقريباً قررن أن يذهبن معاً يوم الثلاثاء التالي إلى الجمعية الشهرية لنساء الحارة وهنّ على عكس المعتاد يرتدين البناطيل بدلاً من التنانير، فلا تخجل الواحدة منهن بمفردها. وكانت ما زالت بعض المعارضات مترددات ولم يَحسمن أمرهن بعد بالمشاركة بالمظاهرة العظيمة وبقيت بضع نساءٍ على تَأييدهن لِلنظام واعتَبرن أن هذه المظاهرة خطأٌ فادحٌ وفاحشةٌ ولا حشمة فيها وجَاهرن بعدم مشاركتهن فيها، أي أنهن سَيذهبن إلى الجمعية بالطبع لكن بالتنانير.
في تلك الأيام كان الناس مازالوا يفترشون الأرض، وكانت ما إن تدخل إحدى الجارات بيت الأخرى زائرةً، حتى تركض بنات البيت المُضيف يُحضرن البطانيات شتاءً والشراشف صيفاً كي تمد الضيفة الغطاء على رجليها وتجلس براحتها، علماً أنه لا رجال في البيت ولاحتى صبيانٌ كبار. كان والدي يترك بيتنا المتعدد الغرف، عندما تزورنا امرأة، وكان إن اضطر إلى العودة للبيت لأمرٍ ما، يستأذن على باب الدار كَالغريب. ويفعل ذلك بقية الرجال في الحارة، لا من باب التعصّب إطلاقاً وإنما من باب حُسن الضيافة لِإعطاء الضيفة المحتشمة راحتها بالكامل، هذه كانت عفّة وأخلاق نساء ورجال حيّنا.
وأخيراً جاء يوم الحسم الموعود، ارتدت أمي البنطال وسَألتنا عنه، لَربما ترددت وأرادت أن نشجّعها بدلاً من أبي. كنا صغاراً لا نفهم الكثير لكننا قلنا لها أنه جميل وأنه يناسبها. ودقت ساعة الصفر، فاندفعت أمي خارجةً من المنزل متجهةً لأول مرة بالبنطال إلى بيت الجارة صاحبة الجمعية هذا الشهر.
وأذكر أن كان هذا أول انتظارٍ أدركه. كنت متشوقةً لأعرف كيف ستنتهي ثورة البنطال (الحلقة الأخيرة من مُسلسلي التلفزيوني الخاص). وجدتها خطةً ذكيّةً أنيقةً للانتصار على خجل كل منهن لو كانت بمفردها لكنها خطرة، فهل ستلتزم كل من وعدت بِكلمتها (والرجل هو من يُربط بكلمته!)؟ أم أنهن سَيخفن ويَتراجعن ويَخذلن الأخريات اللواتي التزمن بالعهد؟ ماذا لو أن عدداً قليلاً فقط التزم؟ ماذا لو أن أمي كانت الفدائية المسكينة الوحيدة التي التزمت؟ كنت أتمنى في نفسي أن يلتزمن وينجحن. فلو التزمت كل من وعدت، وهن الأكثرية الساحقة، لن يعود وجود المؤيدات بالتنانير مؤثراً، لا بدّ أنهن سَيلتحقن بالركب ولو بعد حين، وسَيُكسر حاجز الإحراج لدى النساء جميعاً مع بعضهن ولاحقاً بمفردهن مرةً واحدةً وإلى الأبد.
انتظرتُ وانتظرتُ وانتظرت عودة أمي، وأخيراً بعد بضع ساعاتٍ عند المغيب عادت، وسَألناها على الفور: ماذا ارتدت الجارات الأخريات؟ فتحدثت كبطلةٍ بنبضٍ كله فخرٌ وعزّة وقالت أن إحداهن لم تنكث بالعهد، فكل من وعدت التزمت بِكلمتها، بل وتجرّأت بعض المؤيدات وحذين حَذوهن، التقين في الحارة وتوجهن إلى بيت الجارة، وهن يرتدين البنطلونات فكان نجاح الثورة ساحقاً. ولما سألنا أمي: كيف وَجدت ارتداء البنطال؟ ضحكت وأجابت بكلمتين مازالتا ترنّان في أذني حتى الآن قالت: إنه أستر وأدفى.
أذكر أني كدت أحلّق فرحاً عندما كنت على باب الدار ورأيت الجارات لأول مرّةٍ يَسرن في الحارة جنباً إلى جنب أوحتى متفرّقاتٍ يرتدين البناطيل جميعهن. وكما يحب الأطفال الحكايات ويصدّقونها، كنت أشعر أنني أعيش النهاية السعيدة لِحكايتي الأولى في الحياة وكانت بطلتها أمي وكل نساء حارتنا، وكنت سعيدةً جداً لأجلهن وفخورةً بأمي وبِمشاركتها بالثورة الأولى في حياتي. انتهت حكاية حارتنا بأن انتصر الحق وزَهَق الباطل، وكوّنت لديّ هذه التجربة، التي أعتبر نفسي محظوظة جدّاً بأنها كانت أول حَدَثٍ أُعاصره، أول بذور الفِكر لديّ ولاسيّما أفكاراً عن الثورة والحرية والحق والخير والعدل.

لاحقاً بعد بضع سنينٍ في الصف الرابع الابتدائي، لما سمعت أن ليوم القيامة علاماتٌ سيئةٌ منها ظهور الأعوَر الدجال، وخروج يأجوجٍ ومأجوج، فهمت، فقد كنت أعرفهم من المنهاج المدرسي. والشمس سوف تطلع من الغرب، فهمت، فقد كنت متفوقةً في الجغرافيا مثل كل المواد الأخرى. لكن لما وصل إلى سمعي أن إحدى العلامات هي "تشبُّه النساء بالرجال من خلال ارتدائهن للبنطال، فلا يعرف الناظر من بعيد، إن كان القادم رجلاً أم امرأة!" .... وقتها لم أفهم!

سَلَمِيّة، الحارة الغربية، شتاء 1988


هامش:
اتصلت بأمي أسألها عن الأمر، استغربت تذكّري له في ذلك العمر، ولما قلت لها أني سأكتب عنه قالت لي: إمّي لا تكتبي شي تضحكي الجيران علينا!