لمحة تاريخية لنضالات المرأة المغربية.



سناء السعدانى
2020 / 8 / 16

تعود نشأة الحركة النسائية بالمغرب إلى الثلاثينيات من القرن الماضي حيث كان المغرب يرزح تحت سيطرة الحماية الفرنسية والإسبانية. ومن بين أسباب نشأة هذه الحركات حاجة المقاومة إلى مساندتهن من جهة علاوة على وعيهن بضرورة رفع الحيف الذي يمسهن والحاجة إلى التعبئة من أجل النضال للإقرار بحقوقهن وتحسيس الرأي العام بمطالبهن من جهة ثانية. وقد عرفت هذه النضالات مراحل مختلفة بحيث أن بعد نظام الحماية، عرفت هذه الحركات طفرة في منتصف السبعينات.
وفي هذا الإطار لقد شاهد العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، تنامي حركات التحرر من براثن الاستعمار ولعبت المرأة المغربية في نضالات الحركة الوطنية دوراً جدير بالذكر مما دفع بعض الفعاليات إلى التفكير في إنشاء تنظيمات نسائية تابعة للأحزاب المتواجدة آنذاك. فأقدمت بعض التنظيمات الحزبية في أربعينيات القرن الماضي على تأسيس تنظيمات نسائية كما هو الحال بالنسبة للفرع النسائي لحزب الاستقلال و"جمعية أخوات الصفا" و"جمعية النساء المغربيات" التابعتين لحزب الشورى والاستقلال وناضلت الجمعيتان من أجل إصلاح اجتماعي مرتبط بقضايا المرأة وتحريرها والتكتل حول حقوقها ودورها في النهوض بالبلد وانعتاقها "من الظلمات إلى النور وأن تخطو في طريق المعرفة والتقدم" . ولقد كانت جمعية أخوات الصفا منظمة منفتحة على الصعيد الداخلي وذلك بخلقها فروع في عدة مدن مغربية، وخارجيا بربطها علاقات مع الحزب النسائي الوطني المصري وجمعية "نهضة المرأة المسلمة" بالجزائر. ومن بين الأهداف المسطرة للحركة نذكر تخلص النساء من ثالوث الجهل والتقاليد والتعسف ومشاركة الرجل المجال العام وعدم انعزالها في بوتقة الأعمال المنزلية. ومن بين المطالب التي رفعت المنظمة عاليا شعاراتها نذكر الحق في التعليم كغاية ملحة وكركيزة أساسية لمكافحة جهل وأمية المرأة وذلك لكي تنعم بعضويتها كفاعلة في المجتمع علاوة على نبذ التقاليد والعادات والحجاب.
أما بعد نظام الحماية فقد عرفت الحركات النسائية إلى غاية منتصف السبعينات مشاركة العديد من النساء في النضال من أجل تعزيز الحريات ودمقرطة المؤسسات من خلال الانخراط في أحزاب ونقابات وطنية. وفي هذا السياق أسست النساء العضوات في الاتحاد المغربي للشغل "الاتحاد التقدمي للنساء المغربيات" وهو الإطار التابع للنقابة الذي تمكن من إنشاء عدة فروع في المدن المغربية وتتمحور أهم أنشطته حول تعبئة النساء للانخراط في العمل النقابي .
وقد تزايد الاهتمام بقضايا النساء من منتصف السبعينات إلى منتصف الثمانينات مما ساهم في اتساع نضال الحركات النسائية بالمغرب. واتسمت هذه المرحلة بهيكلة القطاعات النسائية داخل الأحزاب والنقابات ذات التوجه التقدمي خصوصاً. وبالرغم من أن النضالات النسائية خلال تلك الفترة أعطت الأولوية للنضال السياسي إلا أن جزء من النخبة النسائية خريجة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وجهت عملها آنذاك نحو أنشطة اجتماعية وتحسيسية كتأطير النساء في مجالات محو الأمية والرعاية الصحية والقانونية... و قد عرفت هذه المرحلة أيضاً انفتاح على جمهور واسع من النساء ومواكبة تحديات جديدة تواجه المرأة وطرح إشكالية وضعية المرأة في المغرب. واتسمت هذه المرحلة بانفراج سياسي نسبي في المغرب وتزايد اهتمام المنتظم الدولي بالحقوق الإنسانية للمرأة . وقد اتجهت مجموعة من الفعاليات النسائية المحسوبة على اليسار المغربي، في نونبر 1983، نحو تأسيس جريدة نسائية سميت ب "8 مارس". من بين هذه الفعاليات النسائية اللواتي أقدمن على هاته المبادرة نجد المناضلات عائشة لخماس المديرة المسؤولة عن الجريدة ولطيفة اجبابدي رئيسة تحريرها فضلا عن طاقمها الصحفي. وخلال الندوة التي نظمتها مؤسسة الربوة للثقافة والفكر بتعاون مع المكتبة الوطنية بالرباط يوم السبت 28 أبريل 2018 تحت عنوان "قراءات في تجربة جريدة 8 مارس، الفكرة، التاريخ والآثار..." تعجبت عائشة لخماس من كون الجريدة، التي توقفت عن الصدور في 1995، تمكنت من الوصول إلى قرى وجبال المغرب ومصر وتونس، رغم أنها لم تكن تتوفر على صحافيات مهنيات وعدم توفرها على مقر. وأشارت السيدة عائشة لخماس على أن من بين أهداف الجريدة الدفاع عن "قضايا النساء وقضايا المجتمع المغربي، وعن التعليم وحقوق الإنسان"، وأكدت على أن إنهاء مجتمع الذكورة يتطلب التضامن "وهو شرط أساسي لتقدمنا كحركة نسائية" . في مارس 1992، بادر اتحاد العمل النسائي إلى إطلاق حملة وطنية لجمع مليون توقيع على عريضتها المطالبة بتغيير قانون الأحوال الشخصية. وكانت هذه الحملة تدشيناً لانتقال عمل الحركة النسائية من مرحلة البناء التنظيمي والتأسيس الفكري والإيديولوجي للمسألة النسائية إلى مرحلة النضال المطلبي والترافع من أجل تعزيز حقوق النساء وفق ما هو متعارف عليه دولياً في منظومة حقوق الإنسان. تضمنت العريضة المطلبية الدعوة إلى منع تعدد الزوجات، وإلغاء الوصاية على المرأة في الزواج، وإقرار المساواة بين الزوجين في الحقوق والواجبات الزوجية، ووضع الطلاق بيد القضاء، وإقرار حق المرأة في الولاية على أبنائها. ونظراً لعدم توفر سند شرعي قوي للمطالبة بالمساواة بين الجنسين في الإرث لدى الجمعية آنذاك، لم تضمّن عريضتها هذا المطلب.
المراجع
فاطمة إبورك، النوع الاجتماعي والنسوية في المجتمع المغربي- الواقع والرهانات والتعثرات، الحوار المتمدن، العدد 6166، 2019.
محمد معروف الدفالى، أخوات الصفا - تنظيم نسائي رائد في تاريخ الحركة الوطنية، مجلة أمل، العدد رقم 13-14،1998، ص. 178.
نفس المرجع، ص179.
نعيمة بنواكريم، تجربة الحركة النسائية المغربية- المناصرة والأبحاث والسياسات العامة في مجال حقوق الإنسان– دراسة حالة المغرب، معهد السياسات بالجامعة الامريكية في بيروت ومعهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة،2017.
زكية داوود، النسائية والسياسة في المغرب الأقصى: 60 سنة من النضال، دار النشر إيديف المغرب، 1993.
نعيمة بنواكريم، "الحركات النسائية المغربية: مقومات الذات ورهان الواقع"، منشورات الفضاء الجمعوي حول "العمل الجمعوي في المغرب"، 1998.
تميزت هذه المرحلة بإصدار اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وانعقاد مؤتمر كوبنهاكن تحت شعار «مساواة-تنمية-سلم».
وخلال نفس الندوة، نفت لطيفة الجبابدي أن تكون جريدة "8 مارس"، التي نشرت إنتاجات علماء اجتماع مغاربة كفاطمة المرنيسي ومحمد جسوس ومناضلات كسعيدة المنبهي، "مجرد إنتاج لإرادة فوقية سطحية أو مجرد جريدة"، مؤكدة أن "8 مارس" كانت "تجسيداً لوعي نسائي جديد منبثق من السياق العام شحَذَ إرادة نسائية لا تُقهر للفعل وللتغيير".
https://www.hespress.com/medias/389721.html
من بين أعضاء طاقم الجريدة نجد فاطمة الزهراء أزريول، فاطمة الزهراء طموح، فاطمة المرنيسي (عالمة الاجتماع)، زهور العلوي، حكيمة ناجي، السعدية وضاح، أمينة حوجيب، خديجة شاكر، فاطمة مخداش، خديجة أميتي، نادية القباج، فاطمة المغناوي، خديجة أبناو، سامية عباد الأندلسي، عائشة حجامي، الباتول النجاجي، حورية شريف الحوات، نزهة العلوي، دامية بنخويا، فاطمة الزهراء صلاح، زهرة وردي، عائشة خمليش، فوزية بنيوب، نورا لمحضر، عائشة الكرح، عفاف الجزولي، حادة مفضال، السعدية الشادلي.
https://www.marrakechalyaoum.com/archives/38122
https://www.hespress.com/medias/389721.html
Benadada, Assia et El Bouhsini, Latifa Le mouvement des droits humains des femmes au Maroc: Approche historique et archivistique, Etude réalisée par le Centre d’histoire du temps présent, Faculté des Lettres et des Sciences Humaines, Université Mohammed V, Rabat Janvier 2013 -Novembre 2014, 431 pages, p. 25.
نفس المرجع، ص. 79.
نعيمة بنواكريم، تجربة الحركة النسائية المغربية- المناصرة والأبحاث والسياسات العامة في مجال حقوق الإنسان– دراسة حالة المغرب، معهد السياسات بالجامعة الأمريكية في بيروت ومعهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة،2017.