حقوق المرأة ... وقضية تحريرها



جمعه عباس بندي
2020 / 8 / 16

إهداء : لكل إمرأة تناضل من أجل رفع الأغلال والسلاسل والقضبان عن رأسها وعقلها وفكرها وتحافظ على أنوثتها وكرامتها ...

تمهيد :
القرن التاسع عشر كان قرن الحروب والثورات من اجل الاستقلال والتحرير ، والقرن العشرين كان قرن التكنولوجيا وعصر الذرة وغزو الفضاء وثورة المعلومات ، أما القرن الحادي والعشرين فهو قرن الحريات والسلام والحقوق وعصر المرأة بالذات …
فعلى هذا سيكون القرن الحادي والعشرون قرن الحقوق المسلوبة والمهضومة ، والنضال المستمر في سبيل إعادة هذه الحقوق إلى أصحابها الشرعيين ، ومن ابرز هذه الحقوق المسلوبة والضائعة والمنحطة تحت الأقدام حقوق المرأة ورسالتها الرائدة في التاريخ والحياة.
وعند الحديث عن المرأة وحقوقها المشروعة ، ومطالبة المجتمع بهذه الحقوق أو الضروريات الممنوحة لها من قبل كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية يظن أناس من ذوي النفوس الهزيلة – وحيدي الخلية والتي تحتوي على مركب النقص - أن في طيات هذا النداء دعوة إلى ارتكاب المحارم وإباحة المحضورات ، والقفز على جميع الخطوط الحمراء والخضراء .
فنقول لهؤلاء : إن إعطاء وإعادة الحقوق لأصحابها والسماح لهم للتمتع بها لا يعني أبدا استبدال الذي هو خير بالذي هو أدنى ، وكذا لا يعني استبدال الأخلاق والأعراف الجميلة بما يضادها ويناقض الطبيعة البشرية، بل يعني إصلاح وترميم ما أفسده حب التحكم والسيطرة والإرهاب الفكري ، وإعادة مجرى الأحداث والتاريخ إلى قنواتها الحقيقية والصائبة.

المرأة نصف المجتمع :
جميعا نقول : إن المرأة نصف المجتمع ، ومربية الأجيال ومدرسة لإعداد النصف الآخر من المجتمع .. فأنى يتسنى لنا أن نطور مجتمعنا وأنفسنا ونركب دولاب التطور والتقدم مع المجتمعات المدنية والمتحضرة التي يسودها القانون والعدالة والمساواة بدون إعطاء وإعادة حقوق النصف الخطير من المجتمع ، وعلينا أن نعلم بأن مثل هذا الإعطاء لا يعد هبة ولا صدقة من الرجل والمجتمع لها ، بل هي حقها الفطري يوم أن شاركها آدم في إخراجها من الجنة ؟!
وأولى هذه الحقوق بالاهتمام هي حرية المرأة ومشاركتها الرجل في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، وخاصة المشاركة مع الرجل في المطبخ السياسي ؛ لأن إبعادها عن هذا المطبخ ومحاصرتها في المطبخ المنزلي يعني إبقائها بعيدة وغير متساوية مع الرجل في المجالات الأخرى أيضا.

التحرير الحقيقي للمرأة :
المنطلق في حرية المرأة هو ، مع جعل روحها ونفسها وكل جوارحها وأحاسيسها أساسا لعلم والمعرفة لبناء شخصية قوية وناجحة ؛ إذ المشاهد أن عالمنا المعاصر اصبح كل شيئا مسموحا للمرأة وبدن قيود أو ضوابط إلا أمرا واحدا وهو شحذ فكرها وعقلها فغير مسموح لها أن تهتم بعقلها بقدر ما تهتم باختيار حذائها أو صبغ أظافرها ، بعبارة أخرى : لا يجوز لها أن تشغل عقلها أو تفكر بماهيتها ورسالتها على أنها إنسان وتساوي الرجل في الحقوق والواجبات ، إذ أن قضية حرية المرأة ومساواتها مع الرجل لا تأتي من خلال الملابس الضيقة والقصيرة ، ولا في خروجها متى تشاء وعودتها متى تشاء ومع من تشاء وبحرية مطلقة.

آليات تحرير المرأة :
1- التعليم : على المرأة أن تتعلم وتتثقف لتشارك الرجل في كافة الأنشطة ( الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وخاصة السياسية ) لتثبت للمجتمع عند أدائها دورها الإيجابي والبناء في عملية التغيير والتقليب.
2- العمل : عليها أن تعمل وبصيغة منظمة في سبيل تحريرها من الكبت والاضطهاد الأسري من قبل الأب والأخ والزوج بسبل تبقى على روح الاحترام بين المجتمع.
3- التعاون : عليها أن تعمل وبوعي وتتعاون مع الرجل من اجل تحرير الرجل أولا ، والمطالبة بحقوقها وحريتها ثانيا ؛ لان الرجل الذي يفقد حريته لا يمكنه أن يعطي المرأة حريتها ( فاقد الشيء لا يعطيه ).
4- الهوبة :عليها أن تبين للرجل وتقنعه كونها شريكته في استعمار الأرض وعمارتها ، وأنها ليست أمته ، ولا جاريته ، ولا خادمته ، ولا مليكته.
5- الشخصية : عليها أن تحافظ على أنوثتها وتحترم شخصيتها ونفسيتها كي لا تتشوه وتهان من قبل الدجالين الذين يدعون إلى تحريرها وتحرير حقوقها زورا وبهتانا وبأساليب متنوعة وتحت أسماء مختلفة.
6- المجتمع : على المنظمات النسوية أن تعمل بجد في طرح وإقناع المجتمع بان إعادة حقوقها المسلوبة والمهضومة يجعل العالم اكثر اندماجا وتنسيقا ووئاما وخاصة في عصر طغى عليه حب الذات والأنانية والقسوة.
7- القانون : على المنظمات النسوية وأعضائها مفاتحة الجهات القانونية التي تسن وتشرع القوانين لتحتل لنفسها الموقع المناسب في صنع ما ينبغي من القرارات والتشريعات ؛ لان القانون هو المفتاح الأول في رفع المعانات والمآسي والظلم والاضطهاد التي تعيش فيها المرأة.
8- الإستقلال : على المنظمات النسوية أن تكون حذرة ويقظة من الاحتواءات السياسية من قبل الأطراف والجماعات الخارجة عنها ، تلك الإحتواءات التي تجعل من المنظمات النسوية وسيلة لتحقيق سياسات الأطراف بدلا من أن تفرغها للنضال من اجل حقوق المرأة.


وختاما أقول للرجل وبكل قناعة : أن المرأة طعم الحياة ومنبع الحب والعطاء والحضارات والإيثار والجمال ، كذلك هي رمز بناء الخارطة الإنسانية جمعاء ، فلنعلم أن أي شرخ في أنوثتها وكيانها وحقوقها يؤدي إلى طمس وهدم معالم الروح الإنسانية.