قانون مناهضة العنف الأسري العراقي- تقويم وتحليل سيكولوجي



قاسم حسين صالح
2020 / 8 / 17

تعريف
قانون (مناهضة العنف الأسري) كان قد صدر العام الماضي(2019) ويتضمن (27) مادة بدأها بتعريف العنف بأنه (كل فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد باي منهما، يرتكب داخل الاسرة، يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي)..وحدد هدفه بـ(حماية الاسرة،وعلى وجه الخصوص النساء والفتيات من كافة اشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي، والحد من انتشاره والوقاية منه، ومعاقبة مرتكبيه، والتعويض عن الضرر الناتج عنه، وتوفير الحماية للضحايا، وتقديم الرعاية اللازمة لهم وتأهيلهم، وتحقيق المصالحة الاسرية)،وختمها بتحديد الأسباب الموجبة في:( الحد من مظاهر العنف الأسري، والقضاء على أسبابه، وحماية للأسرة وأفرادها،وتحمل الدولة لمسؤولياتها،ووقاية المرأة من الأفعال التي تشكل عنفاً بأشكاله المختلفة، مما يستوجب السعي الحثيث لتجريم تلك الأفعال وملاحقة مرتكبيها،وتوفير الخدمات اللازمة، ونظراً لكون العنف ضد المرأة يعد شكلا من اشكال التمييز، وانتهاكاً لحقوق الانسان، والتزاما بالصكوك والمعاهدات والمواثيق الدولية، التي صادق عليها العراق، وانسجاماً مع ميثاق الأمم المتحدة والقرارات الأممية، وسيرا على خطى مبادئ المجتمع الدولي، وتنفيذاً لأحكام المادة (29) من الدستور.)
واقع حال
لدينا من الأدلة ما يشير الى ان العنف الأسري تضاعفت حالاته في المجتمع العراقي بعد 2003 نكتفي منها بثلاثة،
الأول:
افاد تقرير (مركز المعلومة للبحث والتطوير) بأن (46% )من النساء العراقيات يتعرضن للعنف،مستندا الى دراسات ميدانية،قدمت نتائجها بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يصادف في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام.
واللافت في هذا التقرير ان تعاطي الزوج للمواد المخدرة جاء بنسبة( 64%) محتلا المرتبة الثانية في اسباب العنف بعد المشكلات الاقتصادية،يليه بالمرتبة الثالثة وبنسبة(56% )استخدام الزوج للعنف كحق من حقوقه التي ينص عليها الدين!

وفي ذلك تساؤلان مشروعان:الأول،ان الحكومات السابقة تعلن انها تعمل بجد على مكافحة المخدرات..فمن اين يحصل هؤلاء الأزواج على المواد المخدرة؟.والثاني:ان العملية السياسية تقودها احزاب دينية لها جماهيرها،فكيف فهموا الدين على انه يبيح للزوج استخدام العنف ضد زوجته؟.
الثاني: في تقرير اخباري لفضائية الحرة-عراق أفاد ان حالات الطلاق في العراق في تزايد،تتصدرها بغداد الكرخ وتليها الناصرية، ثم النجف في المرتبة الثالثة، مسجلة ارقاما قياسية، وصلت الى (50%) من عدد المتزوجين. ووفقا لمجلس القضاء الأعلى،بلغ عدد دعاوى الطلاق في العام 2004 (28689 ) حالة ارتفعت في 2005 الى( 33348)،ووصلت في 2006 الى( 36627) لتقفزفي 2012 الى ما يشبه الكارثة هو (50)حالة طلاق مقابل (100)حالة زواج..اي ان كل مليوني حالة زواج تقابلها مليون حالة طلاق!،الحال الذي جعل القضاة يصفون ظاهرة الطلاق بأنها صارت توازي ظاهرة الارهاب!.
الثالث: افادت دراسة لوزارة التخطيط(2012) الى ان 36%من النساء المتزوجات يتعرضن للعنف الجسدي والنفسي والجنسي من الأزواج.
ونضيف رابعا: اسهام فيروس كورونا بتصاعد العنف في الأسرة العراقية وصل حد ارتكاب جرائم ضد أفرادها بما فيها تعذيب او حرق او قتل الأطفال، بسبب توالي الخيبات عبر 17 سنة والحجر (غير الصحي)والتوتر والعصبية وعدم القدرة على التحكم بالغضب.

تقويم
مع ان العراق كان قد صادق في (1986) على (اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة – سيداو)،ورغم ان لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة دعت جميع الدول الى اصدار تشريعات لمكافحة العنف ضد النساء،فان العراق استجاب بان اصدر قانونا ولكن لم يأخذ طريقه للتطبيق باستثناء اقليم كوردستان الذي اعتمد قانونا متطورا لمناهضة العنف الاسري خاصا به.

ولدى قرائتنا للقانون وجدنا ان القانون ما كان دقيقا في تعريفه للعنف ضد المرأة،اذ هو يعني في مفهومنا نحن السيكولوجيين المعنيين بهذا الموضوع:( اي سلوك یصدر من الرجل بطابع فردي أو جماعي، وبصورة فعلیة أو رمزیة أو على شكل محاولة أو تھدید أو تخویف أو استغلال أو التأثیر في الإرادة، في المجالات الأسریة أو المجتمعیة أو المؤسسیة، سواء أكان ھذا الرجل أب، أخ، عم، خال، زوج، إبن، زمیل، أو أي رجل آخر قریب أو غریب بقصد إیذائھا جسدیا أًو جنسیا أًو نفسیا أًو لفظیاً، أو بقصد التحقیر والحط من شأنھا أو الانتقاص منھا، أو انتھاك حقوقھا الإنسانیة أو القانونیة أو كلیھما، مما یتسبب في إحداث أضرار مادیة أو معنویة أو كلیھما بغیة تحقیق غرض شخصي لدى المعنَفِ ضد المرأة الضحیة(.
فضلا عن ان دليل الأمم المتحدة يوصي بأن تشمل التعريفات القانونية للعنف الأسري عناصر العنف المتمثلة بـ(الجسدي والجنسي والنفسي والأقتصادي)..ولم يوضح القانون العراقي العنف الأقتصادي الذي يتضمن سيطرة الزوج او الزوجة على المصدر المالي للأسرة،او منع احدهما للآخر بتحصيل سلع او ممتلكات، او استفراد احدهما بالقرار الأقتصادي الخاص بالأسرة.
ولا يشير مشروع القانون إلى أنواع الأدلة التي يمكن قبولها في قضايا العنف الأسري،التي حددها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بـ( أدلة الطب الشرعي، أقوال الضحايا، صور فوتوغرافية، شهادات خبراء، ملابس ممزقة،ممتلكات مُتلفة، تسجيلات هواتف خلوية، وسجلات مكالمات طواريء..).
ونوجز البقية بوجود اشكاليات تخص مواد الصلح،والحماية،والواجبات الخاصة بالشرطة والأدعاء والهيئات الرسمية المسؤولة عن تنفيذ القانون، شخّصها المعنيون بالقانون ما يستوجب الأخذ بما تتضمنه هذه الورقة من توصيات.
في الحلقة القادمة..ابعاد العنف التي لم يتطرق لها القانون.

*